في إطلالته الاخيرة، خلال صلاة الجمعة في مسجد بلال بن رباح، بدا الشيخ احمد الاسير يسعى الى افتعال مشكلة من حدث غير مقنع. هكذا حين حاول اثارة المصلين بأن حمل نموذجاً من سلاح لعب الاطفال قائلا ان السيدة عائشة زوجة الرسول وام المؤمنين يتم شتمها من صوت يصدره السلاح ويدعو الى قتلها.
الافتعال سببه ان هذه اللعب ليست منتشرة، ولا يبدو انها متوفرة لمن يريد ان يحصل عليها. فلم نسمع مرة أنها تباع في المكان الفلاني. فقط قيل انها تباع في الضاحية الجنوبية. شخصيا حاولت ان اجد اثرا لها في الضاحية. سألت في بعض المؤسسات التجارية، او بعض من اعتقد انهم يمكن ان يعرفوا بتقليعة مثلها، لكن لم اوفق. هذا اولا.
لا اريد ان انفي كل ما يدّعيه الشيخ الاسير على هذا الصعيد. لكن إذ أعتقد ان الرجل، من موقعه الدعوي، وكونه رجلا يريد ان ينأى بالمسلمين واللبنانيين عموما عن الوقوع في افخاخ الفتنة، كان عليه التثبت من انها فعلا لعبة يتداولها اولاد الشيعة، وانها تباع في اماكن محددة. وهذا متاح لمن أراد. من دون ان نشير بالطبع إلى أنّ مفتي صيدا والجنوب الشيخ محمد سليم سوسان، بحكمته المعهودة، كان منذ مدة يتابع هذا الموضوع ويتحقق من صحته من دون استعراض او سعي لكسب شعبية او استنفار عصبية لا تحتاج الا الى عود ثقاب بسيط لتشتعل، فكيف بالاساءة الى زوج الرسول وام المؤمنين؟
لست هنا في موقع تنزيه بعض الدوائر الشيعية من نزعة المغالاة. لكن، وانا الذي انتقد هذه المغالاة، لم يسبق ولمست لدى تلك التي تنشط وتبرز وتطل برأسها مع اشتداد العصب المذهبي، مثل هذا المستوى في تناول السيدة عائشة. وكانت المرة الاولى التي اسمع بهذه اللغة، الاستفزازية لكل مسلم بل لكل انسان سوي، المرة الأولى كانت على لسان الشيخ الاسير يوم الجمعة.
والحقيقة، كما يعرف الجميع، فإنّ المغالاة والتطرف وتكفير المسلمين موجودة تاريخيا على هامش المذاهب الاسلامية. ولا فرق بين مذهب وآخر على هذا الصعيد. هي حالات موجودة يتقدم دورها كلما ازداد منسوب تسييس المذاهب وتسييلها في حسابات سياسيين، وإن كان بعضهم يدرج تحت عنوان رجال دين، وليس علماء دين. فهذا الخطاب هو خطاب التجييش والتحريض، خطاب الجاهلية، وإن ظهر باسم الاسلام.
كلام الشيخ الاسير وتحذيراته الى شخصيات سياسية شيعية لبنانية بأنه سيمنع النوم من ملاقاتها ليس أكثر من تصعيد مواجهة بين اطار سني جديد مرتكز على عصبية سنية، ضدّ رموز الشيعية السياسية اللبنانية: لكن هل لهذا الخطاب خميرة لدى اللبنانيين السنّة اليوم يمكن ان تمهد لبروز مثل هذا التيار؟
اذا كانت السمة الاسلامية على الربيع العربي لم تعد خافية، فانها في لبنان تترجم بعصبية سنية متيقظة، ترافقت مع تراجع تيار المستقبل، امام تقدم الشيعية السياسية التي نجحت في اظهاره عاجزا عن مجاراتها، او لجم تمددها وسيطرتها على مساحات سياسية او ديمغرافية سنية. فهل تأخذ جماعات اسلامية اصولية او سلفية زمام المبادرة من تيار المستقبل في الشارع السني، وتستفيد من تراخي هذا التيار، فاقد القيادة والمنفي طوعا خارج لبنان؟
الأكيد أنّ ثمة لغة جديدة في الشارع السني، تسير بموازاة لغة تيار المستقبل. لغة تغرف من الانفلاش المذهبي الذي يعيشه الشيعة اللبنانيون منذ حرب العام 2006 اي منذ بدء عرض العضلات المذهبية الشيعية وخصوصياتها، من مجالس العزاء الحسينية والفاطمية العشوائية والإستفزازية، إلى “اليوم المجيد” في 7 ايار. لغة بدأت تروج المضمون الديني على حساب السياسي. تستند الى تعبئة ضد الشيعة. ولا شك تغرف ايضا من تداعيات ما يجري في سورية. والتسلح السني بات واردًا اكثر من اي وقت مضى. وامكانيته باتت متاحة، بعدما كانت سورية تؤدي دورًا ضامناً لاحتكار السلاح من قبل حزب الله.
الجناح السني العسكري بدأ يتشكل وسيعرض عضلاته قريبا، واضعا تيار المستقبل بين التسلّح او الانكفاء، على وقع المجزرة السورية. وكلّ هذا يطرح ملف السلاح بالكامل على طاولة الحوار اللبنانية اليوم. هذا رغم أنّ وظيفة سلاح حزب الله اقليمية، ما يجعل الحديث عن مشاركة حزب الله اللبنانيين سلاحه خيالا خصوصًا في ظل مواجهة اقليمية مفتوحة سورياً، وفي ظل نظام سوري يتداعى ومزاج سني متصاعد ضد “السلاح الشيعي” مزاج يستدرج، كما تحولات في المنطقة، الشيخ الاسير ليكون أحد وجوهه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد