ناعومي راميريث دياث – موقع :”ال كونفيدينثال”
أكملت الثورة السورية عامها الأول من غير الاحتفال بشيء اللهم إلا بحقيقة أن الإرادة الشعبية لم يتم كسرها وأن المظاهرات مستمرة بالخروج حتى اليوم، بينما تتعاون المدن والأحياء فيما بينها من أجل ضمان وصول المساعدات الإنسانية (التي يتبرعون بها هم أنفسهم في حالات كثيرة) إلى المناطق الأكثر معاناة في البلد. هذا البلد الضحية لنظام فقد شرعيته في عيون المواطنين قبل شهور عديدة.
يستطيع السوريون أن يكونوا فخورين أيضاً بكونهم أكثر وعياً بالواقع، ذلك أنهم تعلموا درساً قاسياً، إذ علموا أنه لا حامي لهم في الطريق الصعب الذي بدأوه قبل أكثر من اثني عشر شهراً وأنهم ضحايا مؤامرة. هذه المؤامرة، التي لا علاقة لها البتة مع تلك التي يجادل عنها نظام السلطة السورية منذ الدقيقة الأولى للاحتجاجات، ليست موجهة ضد نظام المقاومة والنضال ضد الامبريالية المُفتَرض، وإنما ضد شعبٍ كان عليه، باسم هذه المقاومة المزيفة، أن يعاني أربعين عاماً من ديكتاتورية الخوف والصمت التي تقودها زمرة عائلية ليس لديها ما تحسد عليه المافيا الصقلية في ثلاثية ” العرَّاب “.
المجتمع الدولي برمته متفق على شيء واحد، ربما لأن الأقطاب المتعارضة تتجاذب وسوريا تشكل الحقل المغناطيسي الذي يستثير هذا التجاذب: الثورة في سوريا يجب أن لا تنتصر لأن دولة ديموقراطية في هذا الموقع الجيواستراتيجي ستكون خطيرة جداً. صحيح أن التصريحات تتتابع، والعقوبات تتوسع (بينما تصل المساعدات إلى النظام من الباب الخلفي)، والتوقعات بسقوط الأسـد هي على جدول الأعمال، لكن الواقع هو أن هذه الكلمات تقع على آذان صماء. ولنقدم مثالاً بسيطاً: إن خصمين كبيرين مثل إيران وإسرائيل يتفقان على أنه من المحبذ أن يتكلس الوضع في سوريا، وهكذا يضعف البلد، طالما لا يصل الأمر إلى تهديد الاستقرار في المنطقة: الأولى من أجل الحفاظ على نفوذها في حربها الباردة الخاصة ضد بلدان الخليج العربية (التي تخشى، بدورها، وصول الموجة السورية إلى شواطئها) وبسبب خوفها من أن تكون سوريا مدخلاً للهجوم عليها في الصراع الدولي ضد برنامجها النووي. الثانية، تفضل سوريا ضعيفة على الجانب الآخر من الجولان، غارقة في مشاكلها الداخلية بدون أن تصيب هذه المنطقة برشاشها . كل ذلك بينما يتبادل البلَدان التهديدات بالهجوم والهجوم المضاد.
إنه لَمشهد دولي كئيب: مطالبات السوريين(السوريين العاديين، وليس أولئك الذين يجتمعون في قمم لا تنتهي ويقيمون في الفنادق، كما اعتاد المواطنون وصفهم) يتم تجاهلها باستمرار. مرت شهور من المناقشات الجدلية حول إمكانية تدخل عسكري أجنبي، قسمت الرأي الدولي حول المناورات الأمريكية الامبريالية المفترضة من أجل السيطرة على هذا البلد. هذه المناقشات قسمت أيضاً المعارضة السياسية السورية، وهي التي تحمل على عاتقها عبء أربعة عقود من المصاعب من أجل التوحد. في نهاية المطاف، إن التدخل الذي لا يثير حتى اهتمام سورييي الداخل أنفسهم (رغم أننا لا نستطيع إنكار أن البعض يطلبونه بمواجهة هذه الحالة اليائسة) بسبب العواقب الكارثية التي قد يحملها، لم يكن في الواقع على الطاولة في أي وقت من الأوقات، و إنما تم استعماله كذريعة من أجل تبرير الانقسامات.
بصرف النظر عن هذا الجدل غير المثمر عن التدخل، قرر المجتمع الدولي تجاهل الشعب السوري في رفضه للتحاور مع النظام مقترحاً دعم المهمة الديبلوماسية لكوفي أنان (خلال زيارته إلى سوريا والوصول اللاحق لبعثة تقييم الأوضاع الإنسانية لم يتوقف الضحايا عن السقوط بين السكان المدنيين)، مدافعاً عن حوار بين نظام الأسـد والمعارضة. في هذه اللحظة بالذات تثور الشكوك عن ماهية هذه المعارضة، آخذين في الحسبان سابقة مؤتمر الحوار الوطني الذي أقيم في دمشق في شهر حزيران| يونيو الماضي والذي لم يكن فيه، كما سبق وتكرر القول إلى حد التخمة، معارض حقيقي واحد.
إذا أخذنا في الحسبان، بالإضافة إلى ذلك، أن المجتمع الدولي يطالب – نعم يطالب – المجموعات المعارضة المختلفة بالتوحد في جسم واحد (دائماً نتحدث عن المعارضة السياسية، متجنبين الأبطال الحقيقيين في هذا النضال) وبهذا يمكن الاعتراف بهم كممثلين شرعيين للشعب السوري (الأمر الذي فعله، حتى يومنا هذا، المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا فقط ). كيف “سيقبل” النظام بالحوار معهم؟ أكثر من ذلك بعدُ، هل سمع أحد الانتقادات المتتالية التي يطلقها المتظاهرون ضد مجلس يعتبرون أنه ليس على مستوى تطلعاتهم، وتقسمه المصالح الشخصية لأكثر من شخصية معروفة؟ الحقيقة هي أن الثورة السورية، لحسن الحظ أو لسوئه، هي “ثورة بدون قيادة” كما يوضح الكاتب اللبناني الياس خوري. السوريون العاديون فقط هم من يمثِّلون أنفسهم محاولين تنظيم أنفسهم من خلال اللجان المحلية، التي تحاول، في نقاط عديدة من البلاد، التنسيق مع الجيش السوري الحر في عمليات الدفاع عن المتظاهرين.
هذا الجيش يستثير ردود أفعال ومشاعر متضاربة. البعض يشكُّون فيه نتيجةً للأخبار التي ترد حول تسلل بعض العناصر المعينة من ذوي الأهداف المشكوك فيها إليه، وبسبب كونه مُشَكَّلاً في جزء كبير منه من السُنَّة (إذا تمعن المرء في التوزيع السكاني في سوريا فلن يفاجئه هذا الأمر كثيراً)، والبعض منهم ملتزمون دينياً إلى درجة كبيرة. بالنسبة للبعض الآخر، يتعلق الأمر بجسم مُكَوَّن في غالبيته من عسكريين منشقين وبعض المتطوعين المدنيين الذين قرروا، بنبلٍ منهم، الانحياز إلى جانب الثورة. في ظل هذه الضبابية التي تلف هذا الجسم، غير المتناسق على الصعيد الوطني وبقيادة يتنافس عليها الكثيرون، يثير القلقَ أيضاً من يستخدمونه في صراعهم الخاص مع النظام من الخارج (خاصة عندما يقوم بهجمات ضد أهداف للنظام مثل أبنية أجهزة الاستخبارات). على أية حال، من المؤكد أنه بالنسبة للكثيرين داخل البلاد يبقى الجيش الحر هو الخيار الوحيد المتبقي لهم كمخرج “وطني” من أزمة محكوم عليها بالتدويل منذ بدايتها، ليس فقط بسبب التدخل الإيراني والروسي عبر بيع الأسحلة والتزويد بالتكنولوجيا المتطورة للتجسس من أجل اكتشاف الناشطين على شبكة الانترنت، وإنما لأن سـوريا هي حجر الزاوية في منطقة معقدة. وهكذا، تعمل مجموعات مختلفة من أجل تشكيل جيش وطني لا يسعى لدور يتجاوز حدود حماية الأرض والشعب.
في هذا السياق، يبقى تحديد المخرج من هذه الأزمة، التي يريد السوريون فقط حلها، يبقى أمراً معقداً في أحسن الأحوال : لا أحد يبدو مستعداً تماماً لتسليح الجيش السوري الحر، بشكل مجاني على الأقل، رغم أن بلداناً مثل قطر والسعودية (الذين يرتجفون عند التفكير بأن الموجة الثورية يمكن أن تصل إلى شواطئهم) تصر على ذلك. المجلس الوطني السوري ذاته انقسم، تحديداً، بسبب الخلافات حول الدعم اللوجستي الذي يجب تقديمه للجيش السوري الحر. وفي هذا الاتجاه تتعزز كل يوم الشائعات حول إقامة منطقة آمنة من قِبَل تركيا، من غير تحديد الجانب من الحدود الذي ستقام فيه، أو ظروف إقامتها.
وبينما يتوالى النقاش، يستمر الشعب في مكابدة عواقب جسارته في المطالبة بالحرية والكرامة. والممرات الإنسانية التي مضى عليهم عدة أسابيع وهم يطالبون بها لم تتحقق. لقد أصبح الوضع الإنساني متردياً، وهذا كله، ممتزجاً بالضغائن التي يزرعها النظام بين المجموعات الاجتماعية المختلفة، يمكن أن يفسح الطريق لحوادث عنف أهلي. تلك بالتحديد كانت الاستراتيجية المُتَّبعة من قِبَل النظام المتنفذ في دمشق : فرّقْ تَسُـدْ ، مصحوبةً بسياسة الأرض المحروقة التي تتوافق مع مبدأ ” قتلتُها لأنها ملك لي “.
إن السيناريو الأكثر ملاءمة للمجتمع السوري، الذي يشكِّل المعارضة الحقيقية، يمكن أن يكون انهياراً للنظام. انهيار اقتصادي، سياسي وعسكري، يفتقد فيه النظام الدعم الكافي والتمويل اللازم لاستمرار آلة القمع، فيسقط. وفي تلك اللحظة سيقع على عاتق السوريين مسؤولية أن لا ينقادوا لمشاعر الانتقام ضد أولئك الذين ساندوا النظام أو بقوا صامتين، في سبيل إعادة البناء الوطني.
ترجمة : الحدرامي الأميني
www.elconfidencial.com/opinion/tribuna/2012/03/25/la-amarga-soledad-de-la-revolucion-siria-8936
الوحدة المريرة للثورة السورية
ألف شكر على الترجمة 🙂