ما هو اللحن الذي سوف ترقص الحكومة المعدّلة على أنغامه؟
ينطرح هذا السؤال في ضوء ما يتردد عن تعديل حكومي واسع يمكن أن يُعلن في أية لحظة. وقد كانت هذه الإشاعة من القوة بحيث ألقت بظلالها الثقيلة على الوزارات، وشلت عمل الوزراء وانقطع بعضهم عن الدوام في المكاتب، وحجزوا الملفات المتعلقة بمصالح ومعاملات الناس في بيوتهم، وأعادوا التذكير بسوابق سابقيهم الوزراء الذين لم ينخلعوا عن الكراسي إلا بعدما خلعوا الأبواب والنوافذ، وحملوا معهم الخفيف والثقيل والثمين من مكاتب الوزارات، أو بعد أن صدرت التعليمات إلى البنك المركزي بعدم قبول توقيعاتهم على الشيكات عشية احتدام شائعة التعديل أو التشكيل الوزاري.
وبالنظر إلى أن حراجة الوضع الذي يكتنف البلاد تستوجب تفسير أو تبرير التعديل الوزاري ينطرح سؤال النغم الجديد الذي سوف ترقص عليه الحكومة في صيغتها المعدلة.
وبالمناسبة أصبح الناس يحتاجون إلى من يبشرهم بتدخل «المهدي المنتظر»، أو أية معجزة خارقة وتلك هي مسؤولية الحكومة وبالأحرى المرجع الذي يشكل ويعدل ويغير ويبدل الحكومات!
وما الذي يمنع، مثلاً، من القول إن هذا التعديل يأتي في ضوء الاكتشاف المذهل الذي يقول بأن اليمن هي موقع سفينة نوح أو الاكتشاف التاريخي المبهر الذي يفيد بأن اليمن ستعيد تشكيل صورة العالم بعد برهة لا تزيد عن عشر سنوات؟!
ما الذي يمنع من وضع اليمنيين في صورة هذه الاكتشافات الكفيلة بقلب أحوال البلاد والعالم رأساً على عقب وعلى النحو الذي لا يدعو إلى تعديل وزاري فحسب وإنما…!
ولست في وارد الغمز من الدراسات التي قدمت إلى فعالية تنادت إليها عناصر زبدة «النخبة» في مركز «منارات»، تشارك في مناقشة قضايا منجزة ومحسومة ومؤكدة ومبنية على المصادر التاريخية وقراءة احداثيات خطوط الطول والعرض ووفقاً لما ورد في القرآن الكريم، تؤكد على أن نبي الله نوح سكن اليمن وأقام فيها ومن إحدى مناطقها انطلقت سفينته، وعلى أحد جبال محافظة صنعاء رست»!
ولست بصدد الانتقاص من ذلك الباحث التاريخي الذي تأبط قبل أيام اكتشافه التاريخي، ويمم وجهه صوب مركز الدراسات بشارع بغداد ليضع الدكتور عبدالعزيز المقالح، أعانه الله، في الصورة من اكتشاف علمي «إعجازي» سيغير صورة العالم وستكون اليمن هي محور ذلك التغيير في غضون عشر سنوات «بناء على مجددات تاريخية»!
سيكون من الوارد تفسير التعديل الوزاري بتلك الاكتشافات التي تستوجب إعادة هيكلة النظام وأجهزة تدبير الشأن العام خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد.
والمعلوم أنه مع اندلاع الازمات يفقد الناس الأمن على الرزق والنفس ولا يفكرون بعقولهم بل بمخاوفهم وأهوائهم. ثم إن الانطلاق من المقدس الذي ينطلق بدوره من الاسطورة يساعد، ايضاً، في إدامة غيبوبة الوعي الجمعي.
وليس ثمة ما ينفع لمخاطبة انفعالات جمهور الحيارى غير الخوارق والوصفات السحرية وبيع الاوهام.
ولأننا بصدد خفة «النخبة» التي لا تحتمل، فإن طغيان التصورات التقليدية والاسطورية الخرافية لا يرتبط بنرجسية القبيلة والعودة العارمة إلى «الينابيع» فحسب بقدرما يشير إلى هشاشة البنى السياسية والتعليمية والثقافية، وتفشي ثقافة الرداءة والفساد بدلالة أن الكثير من حملة «الدال» هم أكثر من يتهافت على موائد الجنرالات الذين جنحوا مؤخراً إلى إقامة مراكز الدراسات، وفرحوا عندما وجدوا أن الفزاعة التي تسمى «مثقف» في اليمن ليست أكثر من قشة، في أغلب الاحيان.
mansoorhael@yahoo.com