دهشت عندما قرأت في صوت الأمة (٢٣/٣/٢٠٠٨) مقالاً مطولاً للدكتور خالد منتصر بعنوان “الشيخ طارق الجندي في البيت بيتك.. لو كان جمال البنا أزهريا لذبحته، وأنا معتمد من الفيفا”!
ذهلت لهذا الكلام، فأنا أعلم أن الترخيص بالذبح لا يكون إلا للجزارين في المجازر والمسالخ العامة، وأنه يصدر من أجهزة الدولة وليس من الفيفا أو الأزهر.
وكنت عندما أُسأل عن الدعاة الجدد أقول دعوهم، فكل شيخ له طريقة، والإسلام موضوع كبير، وهو يحتمل هؤلاء وغيرهم، ولكل ساقطة لاقطة، وقد أصبح قانون العرض والطلب يحكم علي الفتاوى كما يحكم على السلع في السوق.
لكني لم أتصور أن يسِف داعية مشهور في برنامج مشهور ويديره مذيع مشهور كالذي انحدر إليه الشيخ الجندي بحيث أصبح تهديدًا بالذبح يحتمي فيه، أو يصدر عن الأزهر الذي أطلق عليه الفيفا.
لقد أعطانا الدكتور منتصر الذي شاهد البرنامج فقال “إن كل من شاهد الحلقة وشاهد قسمات وجهه المكفهرة وهو يلوح في وجهنا بسبحته النفيسة التي يتجاوز ثمنها ثمن عشرين شقة من مشروع ابني بيتك للشباب”!!
فالرجل جاد وانفعاله إنما يعكس إيمانه بما قاله، وما قاله لا يمثل جملة، ولكن كما كتب الدكتور منتصر «إنها ليست مجرد جملة ولكنها فلسفة ومنهج ونظرية تحكم كل هذا الفريق الطالباني من الدعاة الكاجوال والذي يخفي وراء وداعته الظاهرية وكلماته المعسولة وادعاءات الوسطية- يخفي نفس المنهج الطالباني الزرقاوي النافي للآخر والسالب حقوقه والمحتكر للحقيقة. إنه نفس المنهج الذي يحكم من شاهدناهم على الشاشة من أفغان وعراقيين ملثمين ذبحوا المختلفين معهم في الرأي وخلفهم لافتة كبيرة مكتوب عليها “الله أكبر ولا إله إلا الله”. هذا المشهد الذي شاهدته صدفة مرسلاً لي على الإنترنت وأقسم لكم بالله إنني تقيأت وأصابتني إغماءة ولم أتحمل هذا المشهد المرعب المقزز وظللت أيامًا طويلة لا أستطيع النوم من هول المشهد الذي ذبحت فيه رهينة كورية وهي ترتعش كالخروف والسكين تهوي على رقبتها وتجزها بمنتهي السادية والتلذذ. إن جملة الشيخ خالد الجندي تفرز سمًا زعافاً على شاشة مؤثرة تزيف وعي الملايين المخدرين”.
إنني أدعو الأزهر أن يسحب ترخيصه من الشيخ خالد الجندي بذبح الذين يخالفون الأزهر حتى لا “يعملها” ويجد الأزهر – أو الفيفا كما قال – نفسه مطالبًا بتعويض مليون جنيه، فضلاً عن المساءلة الجنائية.
لقد أبرز لنا التاريخ الإسلامي مدى جنون التعصب، ومدى إفساده الأفكار والعقول بمثال عبد الرحمن بن ملجم الذي عمد إلى سيفه يغمسه في السم، ثم يترصد لأتقى الأتقياء وفارس الإسلام وربيب الرسول وزوج فاطمة وأبي الحسن والحسين.. يا الله.. لم تشفع كل هذه الصفات، كما لم يشفع أن مكان التنفيذ هو المسجد، وأن وقته هو فجر يوم ١٧ رمضان، لم تؤثر فيه كل الملابسات، أو تثنيه أن يهجم على الإمام علي وهو يدعو للصلاة، ويضرب بسيفه المسموم رأسه صائحًا: “الحكم لله يا علي”.
كان عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج الذين قيل عنهم القراء، وكانوا أكثر عبادة وصلاة وقراءة للقرآن، ومع هذا أعماهم التعصب وجعلهم وحوشًا، فنسوا أن القتل أعظم الآثام وأكبر الجرائم التي يحرمها الإسلام، وأن من تعمدوا قتله كان هو الأمل الوحيد لإعادة الخلافة الراشدة، فقتلوه، وبذلك مكنوا معاوية من أن ينهي الخلافة الراشدة ويبدأ الملك العضوض الذي لا يعرف رحمة أو عدلاً.
وأكثر في الدلالة أن يرثي شاعر هذا القاتل الأثيم ويرفعه إلى عنان السماء:
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش غفراناً
إني لأذكره يومًا فأحســـــبه
أوفى البريــة عند الله ميزاناً!؟
لست أفضل من الإمام علي، وقد لا يكون الشيخ خالد أسوأ من عبد الرحمن بن ملجم، ومع هذا فيمكن أن يكرر الجندي مع جمال البنا ما فعله ابن ملجم مع الإمام علي، خاصة وهو معتمد من الفيفا.
ما أقوله للشيخ الجندي – ويبدو أن له من اسمه نصيبًا – إنه سيكون يوم المنى أن يأتي شخص من أمثال عبد الرحمن بن ملجم، ليقتلني فيكلل عملي وفكري بتاج الشهادة. إن آل البنا لن تعجز، ولن تتردد في أن يقدموا شهيدين وليس شهيدًا واحدًا.. فهذا فخر جديد لهم وله.
ترخيص بالذبح
الموقف الأكثر غرابة والذي يستحق الإدانة الواضحة هو موقف دولنا و”عدالاتها” المتقاعسة عن مواجهة فتاوى الجريمة.. أم هي شريكة في الجريمة؟ هل العدالة تفترض أن يقع قتل سلمان رشدي وجمال البنا قبل محاكمة من أرسلوا الأمر بالقتل، أم هي تقتضي البدء بردع أمراء الإرهاب الذين يقتلون كل شعوبنا خوفا ورعبا قبل أن ينجحوا في قتل خيرة مفكرينا ومثقفينا؟
ترخيص بالذبح
الاستاذ الفاضل رجب البنا ،انت االمنارةه التى يهابونها ، انت وامثالك رموز للحياه المستنيره فى مواجهة اهل الكهف الذين يعشقون الظلام ويعيشون على القتل والذبح والاغتيالات ، وارجو منك الا تتراجع أبدا امامهم فهم جبناء وان تظاهروا بالقوة ان انسحاب المثقفون امامهم فى الماضى القريب هو الذى افسح لهم المجال لافراز سمومهم وافكارهم الشيطانية للتحكم فى عقول السفهاء الذين للاسف صاروا كثرة معدومة الاراده ومسلوبة القدرة على التفكير ، فاستمر فى المواجهة وثق ان الكثيرين يشاركونك الاراء ويحترمون معك حقوق الانسان التى ترعبهم .
ترخيص بالذبح
السيد المحترم جمال البنا
أن خطابك الهاديء على هذا “الجندي” أكبر دليل على قوتك، وضعف هذه النوعية من البشر.
لكن كيف تفسر هوج الناس باتباعهم لمثل هؤلاء القتلة؟
اتمنى منك إن استطعت أن ترفع قضية ضده، وأن تستمر فيها. وكذلك أكثر من كتاباتك العميقة، فانها أكثر شيء يخافونه. كلما أكثرت، كلما أنهزموا، وهذا بالضبط لماذا يريدون ذبحك.
نحن معك.