هل هذا هو المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية؟

0

قبل ان أنشر كتابي “ذكريات مصري في فلسطين وإسرائيل” في القاهرة قبل أسابيع، رفضت معظم دور النشر في العالم العربي نشره لانني ذكرت فلسطين وإسرائيل معا! وأخبرني أحد الناشرين أن كتابي يحتاج الى تعديلات كثيرة لأن به شبهة “تطبيع”، فقلت له بفخر: “يا عزيزي، كتابي ليس به أي شبهة تطبيع ولكن كله تطبيع”! ولست ادري لماذا أصبحت كلمة “تطبيع” كلمة أبيحة (لا مؤاخذة)!

 

هل العلاقات الطبيعية بين الدول والشعوب “قلة أدب”؟ ولماذا تبقى قضية فلسطين على الساحة لما يقرب من مائة عام؟

هل كانت هناك علاقات أسوأ من علاقة ألمانيا بفرنسا، واحتلت ألمانيا فرنسا بالكامل ودخل هتلر يتمخطر في شارع الشانزليزيه في باريس بعد ان اكتسح جيشه فرنسا في مدة قصيرة جدا.  والآن، ألمانيا وفرنسا هما عصب الاتحاد الأوروبي وأصبحتا سمنا على عسل!

وهل كانت هناك أسوأ من العلاقات بين أمريكا واليابان؟ فقد قامت أمريكا بقتل مئات الألاف من الأبرياء المدنيين بواسطة قنبلتين ذرتين ألقيتا على مدينتي هيروشيما و نجازاكي، والأمريكان من أصول يابانية تم وضعهم في معسكرات اعتقال في أمريكا، وبالرغم من كل هذا فان اليابان وأمريكا الان هما من اكبر الشركاء التجاريين في العالم.

الحروب مهما كانت قسوتها و ضحاياها الا انها الاستثناء، والمفروض ان يعقبها السلام والعلاقات الطبيعية. وفي أعقاب الحروب، دائما هناك منتصر وهناك خاسر، وفي الغالب يأخذ المنتصر أكثر مما يستحق من الخاسر! هذه هي طبيعة الحياة وطبيعة البشر، ومن لم يتعلم من التاريخ فلن يتعلم أبدا. ومن لم يعترف بأخطائه فلن يتعلم أي شيء وسوف يستمر في تكرار تلك الأخطاء. وعلى رأي عمنا الحاج ألبرت أينشتين في تعريفه للغباء بأنه :”فِعل نفس الشيء مرتين وبنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة”! فأين أنت يا حاج أينشتين لترى ان العرب فعلوا نفس الشيء عشرات المرات في القضية الفلسطينية ولا زالوا يتوقعون نتائج مختلفة، لا أدري ماذا سوف تصف هذا؟ “الغباء” ليس بكاف لوصف تلك الحالة.

رجوعا الى كتابي الذي سبق ان نشرته على حلقات في موقع شفاف الشرق الأوسط ، وهو عبارة عن ذكرياتي الشخصية في مدن فلسطين وإسرائيل عندما عملت مديرا لمشروع انشاء مساكن في معسكر جباليا كانت ممولة من هئية المعونة الامريكية. وهو كتاب رحلات اكثر منه كتاب سياسي حيث وصفت ما رأيته بعيني من تعايش الفلسطينيين والإسرائيليين في مدن كثيرة مثل القدس وحيفا ويافا. هذا الشيء أعطاني الأمل بإمكانية تحقيق السلام الدائم. وبالمناسبة، لا يوجد شيء اسمه سلام عادل، ولكن يوجد سلام يعكس قوة الطرفين، ووصف السلام الذي وقعه ياسر عرفات مع اسحق رابين بانه (“سلام الشجعان” على خد قوله) هذا وصف ادق، (وان كان يحاول تبرير رفضه للانضمام لمصر في معاهدة السلام على أساس ان السلام الذي وقعه السادات كان سلام الجبناء اما سلام ياسر عرفات فهو سلام الشجعان! ماشي يا أبو عمار، نفوتها له دي).

المهم اني اعتقد ان الناشر الذي وافق على نشر كتابي (بالرغم من دعوة الكتاب للتطبيع) اما وافق لانه يؤمن حقا بالسلام او لانه لم يقرأ الكتاب وكان في حاجة الى النقود لاني نشرته على حسابي!

وحاليا أقوم بترجمته للغة الإنجليزية، ووعدني صديقي الأستاذ بيار عقل بترجمته للغة الفرنسية، وقد اتصلت بصديق لي يعيش في مدينة نابلس أطلب منه أسماء مكتبات لتوزيع الكتاب، فأخبرني بأن الناس في فلسطين لا يحبون كلمة إسرائيل!  فقلت له شكرًا ،

وأرغب أيضا في ترجمة الكتاب الى اللغة العبرية، فوجدت مكتبا للترجمة من اللغة العربية الى اللغة العبرية في مدينة نابلس أيضا، وهذا المكتب معتمد من السلطة الفلسطينية. فطلب مني صاحب المكتب أن ارسل له نبذة عن الكتاب وعدد الصفحات لكي يخبرني عن تكلفة الترجمة، فأرسلت له مجرد الغلاف، فأرسل لي الرسالة التالية بالنص: “نعتذر من حضرتك لا يمكننا ترجمة الكتاب، نحن لا نؤمن بالسلام مع المحتل ولن نقبل به يوما.. فمن سرق أرضنا وسفك دماءنا هو عدو دائم، مع الاحترام”.

فأرسلت له الرسالة التالية: “رفضك لترجمة الكتاب هو رفض للمعرفة وليس رفضا للسلام مع إسرائيل، وهذا بالضبط السبب في ضياع فلسطين. هو الرفض الدائم بدون بديل، والناس والأطفال المساكين الذين زرتهم في مخيم الشاطيء ومعسكر جباليا في قطاع غزة هم الضحايا الحقيقيون، اما الساسة والمثقفون فيعيشون عيشة جميلة ويحاولون خداع الغلابة بشعارات براقة لا تسمن ولا تغني من جوع، شعارات مثل: الكيان الصهيوني، العدو المغتصب ، خونة التطبيع، فلسطين من النهر للبحر، الخ ..الله يكون قي عون الفلسطينيين الغلابة! اللهم احمني من أصدقائي، اما اعدائي فأنا كفيل بهم، مع كل الاحترام”.

ثم أرسلت له رسالة أخرى: 

“انت تعيش في نابلس تلك المدينة الفلسطينية الجميلة والتي زرتها وقابلت رئيس البلدية الشكعة وكتبت عنها فصلا مستقل في كتابي ..تليفونك الموبايل من إسرائيل رسالتك لي على الواتس اب مرت على إسرائيل تتعامل يوميا بالعملة الاسرائيلية الشيكل تغذية محطة الكهرباء في نابلس تأتي من إسرائيل معظم احتياجاتك تأتي عن طريق الموانئ الإسرائيلية، ورغم ذلك ترفض نشر كتابي بدون أن تعرف محتواه!

لكم الله غلابة معسكر الشاطئ في غزة وباقي الثلاثة مليون لاجيء فلسطيني”

وكان لا بد من هذه المقدمة الطويلة لانها أولا: دعاية لتسويق كتابي،

وثانياً: لتحذير الأخوة الفلسطينيين للمرة الألف مما هو قادم:

فلقد استيقظت اليوم على خبر سيء وهو فوز بنيامين نيتنياهو برئاسة وزراء إسرائيل للمرة السادسة ليصبح اكثر رئيس وزراء يتولى هذا المنصب في تاريخ إسرائيل. وقد فاز هذه المرة بعمل ائتلاف حكومي مع الأحزاب الإسرائيلية الأكثر تطرفا والتي ترفض بحل الدولتين وتطالب بضم الضفة الغربية الى إسرائيل كما سبق ضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان. ورغم ان الكل يستبعد هذا الا أني لا استبعد أي شيء من نيتنياهو المتطرف الذي بالتعاون مع حركة حماس نجح في قتل كل محاولات السلام. وكما ضمت إسرائيل القدس والجولان ونقلت أمريكا سفارتها للقدس ولم يحدث أي شيء، فانا أتوقع أن تضم إسرائيل الضفة الغربية رسميا اليها، وبذلك تنتهي مشكلة فلسطين، ويظل غلابة غزة محصورين لا هم تابعون لمصر أوإسرائيل ولا هم دولة مستقلة!

واتوقع ردود فعل خطيرة:

أولا: سوف يشعر السكرتير العام للأمم المتحدة بالقلق وربما بالقلق الشديد.

ثانيا: سوف تستنكر أمريكا هذا وتعتبر ان هذا اجراء من جانب واحد (وما يصحش كدة يا إسرائيل)!

ثالثا: سوف تستدعي الدول العربية التي لديها سفارات إسرائيلية سفراء إسرائيل لكي تبلغهم الاحتجاج الشديد.

رابعا: سوف تطلق حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي بعض الصواريخ في الهواء وترد إسرائيل بغارات مدمرة على غزة.

خامسا: سوف تستمر باقي الدول الإسلامية بالدعاء في خطبة صلاة الجمعة بفناء اليهود

وبعد أسبوعين او ثلاثة بالكثير سينسي العالم ما حدث، وبالنسبة لنيتينياهو فسوف يكون هذا أروع انتصار يختم به حياته السياسية،

وبمناسبة كتابي احكي لكم حكاية طريفة،

أعطاني الناشر مواعيد كثيرة ولم يفِ بأي منها، لدرجة اني شككت انه لم يطبع الكتاب أصلا! ومرة كلمت موظفا لدى الناشر وقلت له “أين الكتاب ولماذا لم ترسلوا النسخ الهدية التي وعدتم بها”؟ فأخبرني بان الكتاب تم طبعه وانه حاليا في معرض الكتاب بمدينة الشارقة “وعامل شغل كويس جدا”، فاسعدني أن الكتاب عامل شغل كويس جدا في الشارقة. ومرت أيام كثيرة ولم يرسل الناشر الكتاب كما وعد, فكلمتهم مرة أخرى وردت علي موظفة أخرى وأبلغتني بان الكتاب لم ينته طبعه بعد وانه باقى وضع الغلاف والتجليد! وكلمت صديقا لي وقلت له :”تصور كتابي عامل شغل كويس جدا في معرض الشارقة للكتاب بالرغم من انه ما زال في المطبعة، فأكيد بعد الطبع سوف يكسر الدنيا”!!

Subscribe
Notify of
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
Share.