من الرغبة بالتغيير إلى بناء التغيير: كيف تشكلت حركة الاحتجاجات في إيران؟

2

دراسة ممتازة تشرح الإنفصام الهائل بين الديكتاتور وحرسه، والأجيال الشابة من الإيرانيين- وتتوقع السقوط المحتّم لنظام “الإسلام السياسي” في طهران! ننصح قارئ “الشفاف” بالإطلاع عليها!

 

 

ترجمة “الشفاف”

لماذا تشكّلت حركة التغيير في إيران؟ وماذا يريد المنتمون لهذه الحركة أن يغيّروا؟ يمكن الإجابة على هذين السؤالين من زوايا مختلفة. وأود هنا أن أتطرق بإيجاز إلى السببين الرئيسيين، أي التحول الفكري والأزمة السياسية، اللذين لعبا دورا فاعلا في تشكيل هذه الحركة.

 

 

التحول الفكري

في الحقيقة، فإن العديد من الإيرانيين، وخاصة جيل الشباب، قد تجاوزوا الكثير من المسائل التي تشكّل الحياة التقليدية في إيران. الثقافة الذكورية مرفوضة وغير مقبولة عند جيل اليوم، وخاصة عند النساء. الحياة التقليدية والقوانين والسلوكيات التي تدعم مثل هذه الثقافة لم تعد مقبولة. الدين التقليدي، والذي تعتبر الحياة التقليدية والثقافة الذكورية عنصرين أساسيين فيه، فقدَ قبوله. لقد حدث تحوّل فكري، ونتيجة لذلك تغيّرت التقاليد والثقافة والمعتقدات الدينية وسيحدث هذا التغيير باستمرار. إن التاريخ الثقافي للبشرية هو قصة مفصّلة حول هذه التطورات. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن مسيرة هذا التحوّل الفكري في الجمهورية الإسلامية تتسارع. إن الحكم الديني القائم على أساس الفقه، والذي هو وصي على الثقافة الذكورية والحياة التقليدية والتمييز القاسي ضد المرأة، أصبح سببا في تجاوز الأجيال للمؤسسات التي ترعى الحياة التقليدية والدين ورجال الدين.

لقد نسخت الجمهورية الإسلامية العديد من نماذجها الفكرية والسلوكية من عصر العبودية وحاولت فرضها بالقوة وعن طريق الضغط على النساء والشباب والأقليات الدينية والطبقات الأخرى. هذه الأنماط في مختلف المجالات، الثقافية والاجتماعية والتعليمية والقانونية والسياسية والاقتصادية والعلاقات الدولية، لا علاقة لها بأفكار ورغبات الإنسان الحديث. لذلك، نرى أنه حتى في الأمور العادية والدنيوية، مثل اختيار الملابس، ودخول المرأة إلى الملاعب الرياضية، وركوب النساء الدراجات، واختلاط الرجال والنساء في الأماكن العامة والتعليمية، وما شابه، تحوّلت إلى مشاكل اجتماعية وحتى سياسية وفرضت تكلفة عالية إلى حد أنه بسببها بات هناك حصد لأرواح الناس.

الحكومة الدينية نفسها دفعت ثمنا باهظا في معارضة هذه الأمور العادية بسبب نموذجها الفكري الخاطئ. كان مقدار ضغط السلطة السياسية لفرض الحياة التقليدية – باسم الدين والشريعة – على المجتمع، وخاصة على النساء والشباب، كبيرا لدرجة أنني لا أعتقد أن النساء قد تحمّلن مثل هذا القدر من الضغط في أي فترة من تاريخ إيران. إن التجربة العملية لقوانين الشريعة والمواجهة الواضحة مع نتائجها في الحياة الفردية والاجتماعية، أدت إلى تطور هام في مجال الفكر الديني. وقد حرّر هذا التطور قوة مجتمعية هائلة وأحدث العديد من الصدوع في الأرض الإيرانية، مما سيؤدي إلى تغييرات مهمة. يمكن اعتبار التحول الفكري أمرا حتميا ونقطة انطلاق للتغيير. إن تغيير الأسس الفكرية يمكن أن يغير نظرة الشخص إلى جميع القضايا الفردية والاجتماعية ويتحدى الخطاب الحاكم ويقلبه تدريجيا.

أساس خطاب الجمهورية الإسلامية هو التمييز والهيمنة، وأساس خطاب الجيل الذي يريد التغيير هو المساواة والحرية. إن تفوق خطاب التغيير يمكن أن يجعلنا نأمل في تطوره وعدم فشله على المدى الطويل. عندما تتجمع في خطاب التغيير مؤشرات السيطرة، سينتشر ويهيمن، وسيؤدي إلى تغييرات مهمة. أنا أعتبر تطور الفكر الديني عاملا مهما لحدوث تغييرات أساسية ومستقرة في المستقبل في إيران. آمل ألا يساء فهم كلامي. لا أقصد من ذلك معاداة الدين وإنكاره، لكني أشيد بالنهج العقلاني والحر تجاه الدين. أعتقد أن الهيمنة، بما في ذلك الهيمنة السياسية والدينية والفكرية، والقبول بها، هدّامة ومدمّرة. أما نفي الهيمنة وإزالتها فيمكن أن تكون نتيجتها تحقيق حرية الفكر، والاستقلالية في الانتخاب وفي اتخاذ القرارات، وارتفاع في وتيرة كرامة الإنسان. في رأيي، من أهم الأسباب التي جعلت الثورة الدستورية (المشروطة) وثورة عام 1979 (الإسلامية) لم تؤديا إلى تحقيق الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، كانت سيطرة السلطة الدينية ورجال الدين على الشعب. إن حكم الشريعة هو عقبة أمام سيادة القانون (بمعناه الديمقراطي). والنتيجة أن ذلك أصبح يشكل عقبة أمام فعالية المؤسسات الديمقراطية. الغرض من تشكيل المؤسسات، مثل البرلمان، والرئاسة، والنظام القضائي، هو أن يكون للشعب دور في تشريع القوانين، وفي تعريف العدالة وتحقيقها، وفي إدارة شؤون البلاد، في حين أن حاكمية الشريعة تتعارض مع هذه الأهداف، لأن إقرار القوانين واعتماد القرارات المهمة في ظل هذه الحاكمية هو من مسؤولية رجال الدين. ففي ثورة المشروطة استمرت حاكمية الشريعة، وبعد انتصار ثورة 1979 أصبحت هذه الحاكمية النموذج الأساسي للنظام السياسي الجديد. من دون نفي الهيمنة بكل أشكالها، لن تتحقق الحرية والمساواة، وهما الركائز الأساسية للديمقراطية. إن نفي الحكم الديني سيكون له تأثير هام على مؤسسة رجال الدين.

على مر التاريخ سار الدين، من أجل بقائه، مع الناس. وحيثما كان يضطر إلى تغيير بعض المعتقدات والأوامر الدينية، فإنه كان يعد الآليات والمبررات اللازمة لذلك. غير أن المؤسسة الدينية في إيران لم تضعف ولم تبتعد عن الناس بقدر ضعفها وابتعادها اليوم. على المؤسسة الدينية اليوم، ولو من أجل الحفاظ على موقف ضعيف بين بعض المتدينين، اتخاذ قرارات صعبة قبل فوات الأوان. على رجال الدين قطع علاقاتهم مع الحكومة (في إيران) والتخلي عن المزايا والفوائد المادية التي تقدمها الحكومة إليهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب عليهم مراجعة أسس الفكر الديني والشريعة الإسلامية لكي لا تتعارض مع الإنجازات البشرية الحديثة والمعقولة مثل حقوق الإنسان والمساواة وحرية الفكر والتعبير والديمقراطية وغيرها. من غير ذلك فإنهم سيفقدون حتى المتدينين المعتدلين، ولن ترتبط بهم إلا أقلية متطرفة وراديكالية.

الأزمة السیاسية

أحد المطالب المهمة لحركة التغيير الراهنة وأثير بشكل بارز، هو تغيير النظام السياسي. هذا المطلب تشكّل بصورة تدريجية، وساهمت عوامل عدة فعّالة في تشكيله. وأشير هنا إلى عاملين اثنين: سلوك السلطة، وبنية نظام الجمهورية الإسلامية.

أي حكومة غير قابلة للإصلاح، سيكون مصيرها الفشل. السلطة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية اختارت أن تكون غير قابلة للإصلاح، لكنها ترفض قبول مصيرها المحتوم. إن انتخاب طريق السياسة هو أمر اختياري، لكن نتائج ذلك ليست اختيارية. إن مواجهة السلطة الحاكمة، العنيدة والقاسية، ضد مطالب المجموعات المختلفة من الناس، بما في ذلك النساء والطلاب والعمّال والأقليات الدينية والعرقية، وما إلى ذلك، وعدم كفاءة البرامج والسياسات لإدارة البلاد، والتوتر المستمر مع الشعب، والسياسة الخارجية القائمة على التوتر والتي أدت إلى عدم استقرار مرهق ومدمر، والفساد واسع النطاق في المؤسسات الحكومية، وإخضاع وسائل التواصل الاجتماعي لرقابة الشرطة وأجهزة الأمن، والتدخل غير المناسب والضار للحكومة في حياة الناس، وعدم احترام الحقوق الفردية والشؤون الخاصة، والسلوك المهين للمرأة ومضايقتها، وضد الأقليات والطبقات الأخرى، واتخاذ قرارات مهمة في الضد من الإرادة العامة انطلاقا مما يقرره الحاكم الفرد وما تقرره مصالح السلطة الحاكمة، وعدم سيادة القانون، والظلم، إلخ… كل ذلك أدى إلى زيادة الاستياء، وانتشار الفقر والتوترات الاجتماعية، والعديد من الاضطرابات والشدائد، مما دفع الناس تدريجيا إلى اعتبار الحكومة بأنها حاجز خطير يفصل بينهم وبين رغباتهم، وبينهم وبين بلد متطور وحر ومسالم، وبينهم وبين مستقبل مشرق واعد، حيث طالبوا بإزالة هذا الحاجز. إذا لم تستطع الحكومة توفير الحد الأدنى من الرفاهية والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والضمان الفردي والاجتماعي والعدالة، فبالتأكيد لن يقبل بها الشعب. من الواضح أن السلطة الحاكمة، التي تعتبر أن قوتها السياسية هي مجرد أداة للسيطرة على الشعب وعلى الثروات العامة والوطنية، غير مقبولة ولن يتم الوثوق بها. المجتمع النائم هو الوحيد الذي يمكنه ان يكون صامتا ولامباليا أمام كل هذه الكوارث والفوضى. وعلى الرغم من أن العديد من العوامل ساهمت في خيبة أمل الشعب الإيراني، إلا أن حركة الاحتجاجات تظهر أن الشعب مستيقظ ومتفائل ومتحفز بما يكفي للتغيير.

في نظري، أن الأداء غير الناجح وغير المواتي للجمهورية الإسلامية دمّر تقريبا جميع وسائل استمرار هذا النظام السياسي. البنية غير المناسبة لهذا النظام كانت عاملا مهما أيضا في تشكيل ونمو فكرة تغيير النظام السياسي. أظهرت هذه البنية أنها لا تملك القدرة على التحوّل والإصلاح. وفي ظل تغيّر المسؤولين وبعض السياسات، إلا أنه لا يوجد أمل في تحقيق تحوّل وتحسين للأوضاع. لا يمكن لهذه البنية الدينية الاستبدادية القائمة على الحياة التقليدية وعدم المساواة، أن تستجيب بشكل مناسب لمطالب المواطن الإيراني الحديث. في هذه البنية، يتم وضع جميع القوانين والأنظمة والأنماط في مختلف المجالات وتحديدها والموافقة عليها من قبل الفقهاء، الذين ترسبت أنماط عصر العبودية في أذهانهم ولا يمكنهم قبول أي شيء آخر. في إطار هذا النظام السياسي، أصبحت جميع الهياكل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية غير فعالة بل ضارة. في مثل هذه البنية، يضطر الناس إلى البقاء في حالة توتر دائم مع الحكومة وتحمّل العديد من المصاعب في سبيل تحقيق مطالبهم.

وتؤكد تجربة السنوات الثلاث والأربعين الماضية هذا الأمر. لقد ساهمت ممارسات السلطة الحاكمة وقراراتها في جعل بنية الجمهورية الإسلامية غير مرغوب فيها وغير ملائمة، وذلك لتجاوزها ما هو مذكور في الدستور. إن تدخل القوى الأمنية والعسكرية في جميع الشؤون السياسية والاقتصادية، ما أثر ذلك بشكل واضح وملموس على جميع مجالات الحياة وبالتالي على مصير الوطن والشعب، ضيّق المجال على الناس مما أدى إلى أغلاق طريق التنفس على الجميع. لقد تحوّلت مؤسسة المرشد (أو بيت المرشد) إلى مؤسسة اقتصادية وتنفيذية كبيرة، والتي، بالتعاون مع القوى الأمنية، جعلت المؤسسات المنتخبة عمليا غير فعّالة وفاقدة للمصداقية. لقد عززت البنية القاسية وغير المرنة للجمهورية الإسلامية وأداء السلطة الحاكمة فكرة تغيير النظام السياسي، والتي كانت تنمو في أذهان التغييريين على مر السنين. هؤلاء يرون أن هذا النظام السياسي يتعارض مع مطالبهم الأساسية. بل إن خطاب الحرية والمساواة يتعارض مع الأسس الفكرية لهذا النظام. أنا أعتقد أن تغيير النظام السياسي في إيران بات أمرا حتميا وأرى أن النظام الحالي، الذي لا يندرج أداؤه في إطار بنيته، بل غير مرغوب فيه أكثر من ذلك بكثير، ليس لديه فرصة كبيرة للبقاء. إن المبنى الحالي للجمهورية الإسلامية يشبه مبنى لديه تصريح قانوني لبناء خمسة طوابق، لكن يتم مخالفة القانون وبناء ستة أو سبعة طوابق، كمبنى متروبول في مدينة عبدان (انهار وسقط قبل أقل من عام). إن المبنى، الذي يحتوي في الأساس على تناقضات ونقاط ضعف مدمرة، أصبح مُهدَّدا بالسقوط الآن بشكل أكبر.

يمكن القول إن التغيير في الفكر السياسي لقطاعات كبيرة من الإيرانيين، وخاصة النساء والشباب، بات يتماشى مع التغيير في موقفهم من الثقافة الذكورية والحياة التقليدية والمعتقدات الدينية. بمعنى أن التغيريين يريدون فصل الدين عن الدولة واستبدال النظام الديني بنظام سياسي علماني وديمقراطي. وبالنظر إلى التجربة الفاشلة للحكومة الدينية، فإن التحرك نحو حكومة علمانية هو أمر منطقي ومؤكد.

 

بعض مطالب التغيير في إيران

تكمن هذه المطالب في تشكيل فكرة التغيير، وظهور بعض آثار ذلك في السلوك وفي أسلوب الحياة، وتحويل ذلك إلى حركة اجتماعية وسياسية، لكن ذلك كله لا يعني أن التغيير قد تحقق. فمن الرغبة في التغيير إلى صنع التحقيق، توجد مسافة نوعية بين الرغبة والصنع. نريد الحرية والمساواة والعدالة والنظام السياسي الديمقراطي والرفاهية وأشياء مهمة أخرى نفتقدها الآن. تتشكّل الرغبة في التغيير من خلال حدوث تحوّل فكري، لذلك نحن لا نزال في بداية طريق التغيير. لقد حاولنا التغيير مرات عديدة. وأهم حدثين حصلا في هذا الإطار ومنذ أكثر من قرن هما: الثورة الدستورية (المشروطة) وثورة عام 1979 (الإسلامية). أنا أعتبر هذين المجهودين بمثابة حلقتين ضمن سلسلة التغيير في إيران، وأعتقد أنه من المستحيل أن نتوقّع من التغييرات التي نريدها اليوم بأنه كان يجب أن تتحقق في الثورتين السابقتين. استطاعت كل من الثورتين السابقتين تغيير إيران وإحداث تحول فكري وعملي عند الشعب. لم تتغير الأسس الفكرية للشعب الإيراني في الحركتين السابقتين، لكنهما ساعدتا في وصول الشعب إلى مطالباته الحالية. هذه المرة، إذا تم توفير كل أدوات التغيير أو جزء مهم منها، وإزالة العقبات المهمة، فمن المتوقع أن يتم اتخاذ خطوة كبيرة في تاريخ إيران. أي أن التغيير “سيتحقق”. فنحن نريد لشيء لم يتحقق أن يتحقق، لكن كل شيء يجب أن يتحقق بأيدينا. القاعدة هذه المرة هي نفسها التي كانت في السابق: سنغيّر كل شيء بالقدر الذي تتطلبه نتيجة التغيير. يجب أن نجهّز أدوات التغيير بحيث يتحقق كل شيء كما تتطلب أفكارنا، وهذا من أصعب أجزاء التغيير، لأنه مرتبط بمرحلة البناء. إن تخريب ما لا نريده أسهل بكثير من بناء ما نريده. إن ما يعطي معنى للبنى الاجتماعية والسياسية ويجعلها فعّالة من أجل تحقيق مُثُلنا هو “نحن”. ففي الثورة الدستورية أراد الشعب العدالة للبيت وللبرلمان، لكن عدالة البيت والبرلمان لم تستطع تحقيق العدالة وكبح الاستبداد. في ثورة 1979، أطاح الشعب بالنظام الشاهنشاهي من أجل إزالة الاستبداد، لكن ساد حكم أكثر صرامة واستبدادا. التغييرات الهيكلية والشكلية ضرورية، لكنها ليست كافية. لإعطاء معنى للتغيير البنيوي، يجب أن نكون قادرين على تكييف ومواءمة سلوكنا مع أفكارنا ومُثُلنا. إذا كنا نريد العدالة، فيجب أن نتصرف نحن أيضا بعدل. إذا أردنا الدفاع عن حقوق الإنسان، فيجب علينا احترام حقوق الآخرين وحرياتهم. إذا كنا نكره الإهانة ونريد الدفاع عن كراماتنا، فعلينا أن نتجنب تحقير وإهانة الجميع، حتى خصومنا وأعدائنا.

باعتقادي أننا كنا سلبيين بما فيه الكفاية حتى الآن. نحن بحاجة الآن إلى تصرفات إيجابية. بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى حركة أخلاقية داخل حركة التغيير الكبيرة. فهذه الحركة جزء لا يتجزأ من حركة التغيير. فمن أجل تغيير الأنماط الخاطئة، يجب أن نقدم الأنماط الصحيحة للمجتمع. لا يمكننا أن نتوقع أن يتغير كل شيء باستثنائنا نحن. إن عدم تغييرنا نحن وعدم تنسيق سلوكنا مع مُثُلنا، في رأيي هو أهم عقبة، ومن ناحية أخرى، فإن تحقيق مثل هذا التغيير هو أهم شرط للتغيير بمعناه الحقيقي. من أجل بناء بنية سياسية ديمقراطية تحقق مُثُلنا، بالإضافة إلى البرنامج السياسي، يجب أن نكون مجهّزين بقوة بشرية جديرة وصادقة ووطنية وعادلة ومهذبة ومطّلعة، حتى تستطيع هذه القوة أن تؤدي مهامها وتواجه المخاطر وتقود البلد في الاتجاه الصحيح. ليست البنية هي فقط التي تجلب الديمقراطية، نحن من يجب أن يبني بنية جيدة، ونؤسس قانونا جيدا، ونطبق هذا القانون بشكل صحيح، ومن خلال ذلك نمنع الفساد والقمع والاحتيال وسوء المعاملة. حينما يتم تكوين بنية جيدة من قبل بعض الأشخاص الجيدين ويتم إدارتها بشكل جيد لفترة زمنية طويلة، يمكن لهذه البنية أن تصبح فعّالة تحت سيطرة وإشراف أشخاص صادقين وذوي معرفة. يتم بناء البنية الجيدة بفكر جيد ويتم صيانتها وترميمها واستعادتها باستمرار من قبل أشخاص صادقين. لذلك، لا بد من القول إن الموارد البشرية المناسبة والمخلصة عمليا، والالتزام بالمُثُل العليا لحركة التغيير، يُعتبران جوهر الحركة ويمكن أن يضمنا التغيير.

هنا، أعتقد أنه من الضروري القول بأن السلوك غير اللائق يمكن أن يمنع حركة التغيير من التوسّع والانتشار ومن انضمام طبقات مختلفة إليها، وعلى العكس من ذلك يمكن أن تؤدي أنماط السلوك المناسبة إلى انتشار الحركة وتوسّعها. إذا كان الهدف هو تغيير الأوضاع، فعلينا أن نحاول تغيير تفكير وسلوك معارضي التغيير ولو كانوا من القوى المنتمية للسلطة. يجب الترحيب بهذا التغيير، ولا ينبغي لأحد أن يخاف أو يتردّد في اتخاذ خطوة الانضمام إلى الحركة. تطرّف بعض الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم من مناصري الحركة هو أمر ضار. لا ينبغي إغفال أن الحكومة قد تستغل هذه النقطة لاتخاذ إجراءات ضد الحركة، وقد يرتكب الأشخاص المؤثرون سلوكيات غير لائقة وغير طبيعية تنسب إلى الحركة.

 

هل يمكن للقمع أن يمنع التغيير؟

لا يمكن للقمع أن يمنع التطور الفكري وبعض السلوكيات. بعبارة أخرى، القمع لا يستطيع أن يمنع فقط تشكيل البنية التحتية للتغيير (التطور الفكري)، بل على العكس هو يؤكد على ضرورة التغيير. ما يمكن أن يمنعه القمع هو الوقوف بوجه آثار التغيير. على سبيل المثال، على مدى سنوات وحتى عقود، تم قمع النساء اللواتي لا يرغبن في اتباع نموذج الجمهورية الإسلامية، وكان القمع فعالا لفترة من الوقت، رغم أنه فقد تأثيره.

أي قمع سيفقد تأثيره بعد مرور بعض الوقت. وكلما كان القمع أقوى، ساهم في إسراع عدم فعاليته. فالقمع يمكن أن يحافظ على الهياكل الحكومية والحكام وثرواتهم لفترة، وهذا هو أهم هدف له. في اعتقادي، أصبح تغيير النظام السياسي في إيران ضروريا للغاية، وأصبح بقاء إيران يعتمد على التغيير بحيث لا يمكن منعه بالقمع. القمع يؤخر فقط تحقيقه. التغيير ليس له نقطة نهاية. الأجيال تأتي وتذهب، ومع تطور أفكارهم ومطالبهم، يجب أن تتغير البنى الاجتماعية والسياسية. إذا تم التخطيط للبنى لتكون مناسبة ومرنة للإصلاح والتغيير، فسيتم تحقيق التغييرات، أما غير ذلك فستكون تكلفة التغيير عالية. يمكن اعتبار سلطة قمع الحكومات أهم عقبة مقابل إرادة الشعوب. كان فصل السلطتين التشريعية والقضائية عن التنفيذية مبادرة جيدة لتقليص سلطة الحكومة وبالتالي الحد من قوة القمع. في اعتقادي، من الضروري الآن اتخاذ المزيد من الخطوات لتقليل قوة قمع الحكومات وفصل قوة القمع عنها. إذا كانت الحكومة تملك أموالا (خاصة من الموارد الطبيعية مثل النفط ومن الموارد الأخرى) وقوة أمنية، فإن ذلك يمنحها القدرة على القمع.

في الجمهورية الإسلامية، كل القوى تتجمّع في الولي الفقيه، ومبدأ فصل القوى أو السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية لم يتم الالتزام به. فعلى الرغم من أن هذه السلطات مستقلة ظاهريّا عن بعضها البعض، إلا أنها مرتبطة ببعضها البعض في قمة هرم السلطة وفاقدة لاستقلالها. إن تمركز جميع القوى – القوى الثلاث وسلطة القمع، أي القوة المالية والأمنية – وتجمّعها في مؤسسة ولاية الفقيه، عزّز بشكل كبير من قوة قمع هذه المؤسسة. أعتقد أنه يجب وضع آلية بحيث لا تتمتع الحكومة في النظام السياسي الديمقراطي المستقبلي بسلطة قمعية ولا تتحكم بمصير الأمة بالكامل، بما في ذلك الإعلام والتعليم والثقافة، وغير ذلك. تتطلب هذه المسألة مناقشة شاملة، وآمل أن يلتفت إليها الخبراء.

للتغلب على موضوع القمع، يلعب اتحاد قوى التغيير دورا مهما للغاية. تتطلب الوحدة مطلبا مشتركا وقوة إرشادية واحدة. ما أعنيه بالمطلب المشترك ليس مجرد شعار مشترك، بل مطلب استراتيجي. في الحركة الحالية، لم يتم تشكيل مطلب مشترك وقوة إرشادية واحدة، لكن تشكيلها يبدو ممكنا. إذا تم تشكيل هذين العاملين المهمين، سيزداد أمل انتصار الحركة. الدعم الفكري للنخب والمفكرين مهم للغاية، خاصة لصياغة البرامج السياسية اليومية للحركة والبرنامج السياسي المستقبلي للبلاد. آمل أن تصل حركة التغيير إلى نتيجة بحيث يسير قطارها على السكة بشكل سليم، لا أن نكتفي بتغيير شكلي بحيث أن الدماء التي سالت في هذا الطريق تصبح مجرد وسيلة لانتقال السلطة من جماعة إلى جماعة أخرى.

 

*مواليد 1961 في طهران، باحثة إيرانية في الشؤون الدينية والفقهية، وكاتبة وشاعرة ومترجمة، ومحللة للقضايا السياسية والاجتماعية. تعيش بين السويد وإيران. كانت أستاذة في جامعة طهران، ونائبة سابقة عن طهران في مجلس الشورى.

النص الأصلي بالفارسية هنا

Subscribe
Notify of
guest

2 Comments
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
بيار عقل
بيار عقل
1 year ago

“العالم الحر” و”الغرب الخبيث”!!!!!!!!

شاكر
شاكر
1 year ago

بلا مساعدة من العالم الحر، حظوظ الثوار تبقى ضعيفة. كما نرى، فإن الغرب الخبيث لا يدعم إلا بالإستنكارات السخيفة والعقوبات التي لا تؤثر إلا على المساكين، لأن الطبقة الحاكمة قد غرفت من المال ما يثريها لقرون.

Share.