لماذا، في « طرابلس »، كل اشكال الاحتجاجات تأخذ مساراتٍ عُنفية؟

0

يحار الناظر الى شوارع مدينة طرابلس في فهم حقيقة ما يجري!

فمن دون ادنى شك، هناك ضائقة اقتصادية تضرب العالم بشكل عام،ولبنان بشكل خاص،في ظل سلطة متهالكة متهاوية فاسدة محكومة بمصالحها الضيقة وبـ« ولي فقيهها »، امين عام حزب الله المرتهن لارادة ملالي طهران!

هذا ما يعرفه، وما يعيش معه يوميا كل لبناني. ولكن، لماذا في طرابلس تأخذ كل اشكال الاحتجاجات مسارات عنفية، ولماذا يخرج الشارع عن السيطرة، فيصبح « كلام الحق » الذي يطلقه بعض المتظاهرين والمحتجين على سوء الاوضاع الاقتصادية، يُراد منها الباطل؟

لماذا يندس « المندسّون »، ويخلي المتظاهرون السلميون الشارع للمندسين فيشوهون سلمية الاحتجاج ويسقط القتلى والجرحى؟

لمذا وصم مدينة طرابلس بـ« الفقيرة »، ولماذا تصنيفها بـ« الاكثر فقراً » على ساحل المتوسط؟

فالواقع هو أن:

طرابلس عاصمة لبنان الثانية، وثاني اكبر مدينة بعد العاصمة بيروت.

طرابلس تضم ثاني اكبرمرفأ في لبنان بعد مرفأ بيروت.

طرابلس تضم معرضا دولياً!

طرابلس فيها « منطقة اقصادية حرة »، وان كانت لم تباشر العمل بشكل كامل بعد.

طرابلس فيها الفروع الثانية للجامعة اللبنانية التي تشكل مقصدا لجميع طلاب محافظة الشمال.

طرابلس فيها اكبر سوق تجاري في شمال لبنان، واحد اكبر اسواق تصدير الخضار والفواكه الى كل لبنان.

طرابلس رمّم مدارسها كافة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم يميز طالب منحة تعليم فيها بين مسلم ومسيحي وفقير وغني، وغادر المئات من ابنائها الى جامعات الخارج والداخل طلبا للعلم. وحين اراد الرئيس الشهيد رفيق الحريري تطوير نظام تقديماته الى طرابلس، منعته سلطات الوصاية السورية، وردّته خائبا من زيارة كان بادر الى القيام بها الى طرابلس.

الرئيس سعد الحريري لم يبخل على طرابلس بما استطاع، وآخر تقديماته كانت مبلغ عشرين مليون دولار لترميم شارع سوريا الذي انهكته « حروب باب التيانة وبعل محسن ».

طرابلس، قبل الحرب، كانت مقصدا لكل ابناء الشمال من « بشري »، الذي اشتروا ابنية وعقارات في المدينة وعلى اطرافها، وكانت مقصدهم الشتوي. ومن « زغرتا »، حيث كانت « القبة » شبه زغرتا ثانية شتاءً. ومن « البترون »، ومن « الكورة » التي اختصتها المدينة بساحة باسمها، ومن « عكار » و »الضِنِّية.

لماذا انغلقت طرابلس على نفسها، وهجرها ابناء الاقضية المسيحية الذين اعطوها من مالهم واستثماراتهم؟

لأن طرابلس أسلست القيادة لغير ابنائها، وراحت تشتكي، وما زالت تئن!

مع اندلاع الحرب الاهلية سيطرت قوى اسلامية متطرفة على مدينة طرابلس. ولمن لا يتذكر:  تنظيم الاخوان المسلمين وجند الله، وحركة 23 تشرين بقيادة فاروق المقدم، وانخرطوا مع سواهم في الحرب تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، وخاضوا المعارك على جبهات الشمال في مرياطة ودير عشاش وشكا وحامات، وبالطبع، تم تهجير المسيحيين من المدينة، ومصادرة املاكهم.

ومع بسط سلطات الوصاية السورية سيطرتها على الشمال اللبناني، بقيت طرابلس تحت مجهر جهاز الامن والاستطلاع السوري، (المخابرات)، نظرا لديموغرافيا المدينة ذات الغالبية السنية، والتي شكلت في ما مضى ملاذا للمعارضين السوريين، وبيئةً اسلامية سنّية كانت تعارض نظام الاسد، فعاثوا في المدينة فسادا وافسادا واستطاعوا تجنيد العديد من ابناء المدينة على مستويات مختلفة.

اما قمة انتهاكات الاجرام السوري للمدينة كانت مجزرة باب التبانة التي ذهب ضحيتها قرابة 800 شاب ورجل في ليلة واحدة.

أنصار فيصل كرامي، « التركي الهوى ».. حتى إشعار آخر، يتجمّعون قرب منزله!

في لبنان انتهت جميع الحروب الا « حرب باب التبانة وجبل محسن » التي بقيت آخر حروب لبنان ومجالا حيويا لتدخل الجميع والاستثمار في هذه الحرب العبثية التي استنزفت المدينة على المستويات كافة. حتى ان رفعت عيد نجل النائب الراحل علي عيد، والذي ثبت تورطه في تفجير مسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس وبعد صدور مذكرة توقيف في حقه، غادر مقره في بعل محسن عبر ممر الى زغرتا بمواكبة من « تيار المردة »، وهو مقيم في سوريا في منطقة حدودية متاخمة للبنان الشمالي؟

صوت عضو مجلس بلدية طرابلس احمد حمزة ملقب الباشا:

طرابلس أسلست القيادة لـ« حركة التوحيد الاسلامية » بقيادة سعيد شعبان وهاشم منقاره، فنشروا التخلف في المدينة وامعنوا في تهجير ما تبقى من اهلها مسيحيين ومسليمن رافضين نهج الحركة السلفي في الحياة ونمط العيش، بحيث انتشر الزي الاسلامي المعروف بـ(« عباءة عمر ») بين شبان المدينة، وإطالة اللحى وحف الشنب، ومنهم من رفض استعمال السيارة وركب الخيل ممتشقا على خصره سيفا!

وحين قررت السلطات السورية ازالة « حركة التوحيد » بعد ان انحرفت عن مسارها وانقادت لمنظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ابو عمار، تسببت ازالتها من المدينة بتدميرٍ ممنهج لمؤسساتها ومبانيها وبيوتها ومزيد من القتلى في صفوف ابنائها، لتعود مجددا الى حضن المخابرات السورية التي حكمتها من مقرّيها في شارع مار ماورن وسط المدينة، والاميركان على اطراف القبة.

بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري انتفضت طرابلس مع ثورة الارز. ولكن المسار الانحداري للدولة وتوريث نظام الوصاية السوري لحزب الله، ابقى المدينة في عين العاصفة. فاستطاع الحزب الإيراني اختراق المدينة عبر ما يسمىسرايا المقاومة، وأنشأ خلايا عسكرية مدربة في المدينة، من بقايا المخابرات السورية وأمدّهم بالمال والسلاح والعتاد، وهم جاهزون للتحرك عند طلب الحزب الايراني للعبث بامن المدينة.

ومع تزايد حدة المسار الانحداري للدولة، غابت الخدمات والتقديمات الاجتماعية عن كل لبنان وليس عن طرابلس وحدها! فدولة ما سميالاستقلال الثاني، كان نواب طرابلس ووزراءها شركاء فيها بالتكافل والتضامن مع سائر الفرقاء السياسيين، وما نالته طرابلس من تقديمات لم يزد عن سواها من المناطق، إلا أنه حتما لم ينقص عما نالته الاقضية المسيحية المجاورة او عكار او الضنيه!

لقد اصبح مُعيباً مع كل انتفاضة شارع ان يخرج شبان يصرخون جوعا وفقرا، مع انهم ليسوا بافضل حال من اترابهم في الوطن، ولا اترابهم في حال افضل!

فالجوع ميزة لبنانية مع العهد الحالي،  وحين يكون معدل الفقر تجاوز الخمسين في المئة لبنانيا، فهذا يعني ان الفقر لم يعد ميزة طرابلسية بل وطنيةَ!  وحين تطالب اللجنة العلمية في وزارة الشؤون برفع عدد العائلات الاكثر فقرا من 240 الف عائلة الى 300 الف عائلة، لا يكون الفقر والحاجة ميزة طرابلسية بل لبنانية بامتياز، وحين تحتجز المصارف اموال اللبنانيين، فهي لا تختص ابناء طرابلس بهذا الاحتجاز، بل جميع المودعين اللبنانيين، وحين تضرب جائحة كورونا لبنان، فهي لا تميز اهالي طرابلس، دون سواهم، وحين تقرر الدولة الاقفال العام اسوة بجميع دوال العالم فهي لا تعني طرابلس حصرا، بل كل لبنان. وحين تعجز الدولة عن دفع تعويضات عن الاقفال العام، فهي لا تدفع في كل لبنان، وحين تدفع يكون نصيب طرابلس مثله مثل سائر المناطق اللبنانية.

لقد آن الاوان لاهالي طرابلس ان يمسكوا زمام الامور في مدينتهم ليعيدوا اليها ألقها!

كانت عروس ثورة 17 تشرين، وكانت محط انظار الثوار في كل لبنان، حبن كانوا يتحشدون في ساحة عبد الحميد كرامي ليعبّروا بسلمية مطلقة عن مطالبهم المحقة والتي كانت مطالب كل اللبنانيين، وليست صرخات جوع طرابلسية محض.

لقد أن الأوآن لاهالي المدينة ان يلفظوا من بينهم من يسمونهم هم « المندسين »، وهم يعرفونهم، وان يلفظوا المصطادين في الماء العكر والمستمثرين في وجع اللبنانيين عموما وليس الطرابلسيين خصوصا، واستدرار عطف قد لا يكون مستحقا، للعاصمة الثانية التي تذخر بالخبرات والكفاءات العملية والاقتصادية والاجتماعية وبتراث عمراني قد لا يكون موجودا في مدينة سواها على شط المتوسط، من الاسواق المملوكية الى « قلعة سان جيل » الى جزر ثلاث تكلل شاطئها.

لقد اصبح معيبا في كل مرة يخرج محتجون اصحاب حق الى الشارع للتعبير عن غضبهم فيسقط القتلى والجرحى ويتم استسهال احراق المقرات الحكومية، ومؤسسات الدولة التي هي ملك للناس وتضم ملفاتهم وبياناتهم الشخصية والعقارية، وكل ما يتصل بموجوداتهم وبياناتهم الضريبية وسواها.

*

إقرأ أيضاً:

“وفاة “علي عيد”: تقرير “أمنستي” المحظور عن “مجزرة التبّّانة ١٩٨٧.. والمقابر الجماعية

Subscribe
Notify of
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
Share.