حول ترسيم الحدود: كفانا بطولات وهمية

0

المتتبع لملف اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، لا يسعه سوى أن يلاحظ أن دورة الزمن دارت وأعادتنا الى نقطة الانطلاق، بعد أن أوصلت لبنان إلى الحضيض ووضعته في موقف بالغ الضعف. هذا عطفاً على عنوان الزميل أيمن جزيني: “17 أيّار شيعي.. واسم الدلع: ترسيم”.

يؤكد الخبراء أن اتفاق 17 أيار، اعترف بحدود لبنان المعتمدة عام (1949) بحسب اتفاقية الهدنة، التي تجعل حدوده عند رأس الناقورة. أي عند الخط المسمّى 29. وكان هذا موقف قريبين من الحزب، والرئيس عون نفسه قبل أن يغيّر رأيه، والروايات متعددة حول السبب، أن الخط 29 هو الخط الرسمي الثابت للحدود.

عندما بدأت الحكومة اللبنانية، بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، وضع الآليات القانونية للشروع في التنقيب عن النفط، اعتمدت في العام 2011 الخط 23 كخط حدودي. دون أن نعرف أسباب التخلي عن الخط 29!! ودون أن نفهم لماذا سكت عن ذلك حينها من يعترض عليه الآن الى حد قلب الطاولة؟

يقدر الخبراء أن لبنان يخسر بذلك مساحة تقدر بحوالي 1500 كيلومتر مربع.

وهذا الاتفاق التاريخي، برعاية السلطة المتمثلة بالحلف الممانع، الذي جعل الخط 23 الحدود البحرية الرسمية، ابتدع حلاً مثيراً للحدود البرية! فحزب الله الذي يريد الاحتفاظ بسلاحه عبر ربط نزاع عليها، تركها معلقة ربما للاستخدام غب الطلب!

يرسّم لبنان حدوده البحرية ويحفظ “الأمن والاستقرار والحق بالاستثمار” لإسرائيل، من حقل كاريش (الذي كان متنازعاً عليه) ويؤجل بت الحدود البرية!!

فمزارع شبعا وتلال كفرشوبا موضع النزاع، لا تتعدى مساحتها 600 كلم مربع، واسترجاعها متعلق بقبول النظام السوري اتخاذ موقف واضح منها!! تمنع حل دائم للحدود البرية. فيما نفس الأطراف تتجاهل أمر 1500 كلم مربع، بما فيها كاريش، كان يضمنها الخط 29!

فهل يمكننا عدم الربط بين علاقة حزب الله بإيران، وبين احتفاظه بحالة “لا حرب ولا سلم” على اليابسة!؟ أو ربط قبوله المفاجئ مع الأوضاع الايرانية الراهنة؟

فما علاقة اتفاق 17 أيار بذلك؟ لنراجع ملخص الأحداث في هذه السنوات الأربعين الماضية. كيف وصلنا الى هنا؟ وبماذا استفاد اللبناني كمواطن؟ ولماذا أصبح الترسيم الذي كان خيانة، الآن انتصاراً؟ فلبنان هو الذي طلب عودة هوكشتاين في حزيران الماضي بعد امتناع.

يؤكد الخبراء أن اتفاق 17 أيار يعترف للبنان بالخط 29 وزيادة. وهو الاتفاق الذي أبرم مع اسرائيل بعد أن احتلت لبنان، كي تطرد ياسر عرفات ومنظمة التحرير، التي كانت قد دخلت لبنان عام 1969 إثر إبرام اتفاق القاهرة، الذي تم تمريره دون أن يعرض على مجلس النواب. كالسيناريو الحالي على ما يبدو.

ونعلم أن الحرب الأهلية اندلعت بعد 6 سنوات من ابرام اتفاق القاهرة، وهي كانت الباب الذي أدخل الاحتلال الإسرائيلي.

نُقِضَ اتفاق 17 أيار بضغط من النظام السوري الذي كان جيشه قد دخل الى لبنان لمواجهة جيش منظمة التحرير وبطلب من اللبنانيين.

كانت إيران قد أنشأت خلايا حزب الله، بتسمية “المقاومة الاسلامية”، بدعم وتسهيل من النظام السوري.

المقاومة الوطنية اللبنانية انطلقت في اليوم التالي لدخول الجيش الإسرائيلي الى بيروت. وكانت متنوعة واستطاعت أن تحرر حتى عام 87 معظم الأراضي اللبنانية المحتلة. ولم يبق تحت الاحتلال سوى الشريط الحدودي، الذي تحرر بعد أن انسحبت منه إسرائيل عام 2000، ويقال برعاية دولية واقليمية ضمن خطة سلام كان يفترض أن ترى النور وعقدت القمة العربية في بيروت عام 2002 بهذا السياق. فهل يمكن تسمية انسحاب إسرائيل عام 2000 تحريراً؟ الذي اعترضت عليه حينها سوريا وحزب الله، الى أن وجدا، بعد أكثر من شهر، ذريعة تحرير مزارع شبعا وكفرشوبا؟

بين عامي 1987 و2000، تم القضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية لمصلحة حزب الله تحت اسم “المقاومة الاسلامية في لبنان”. أي أنها ليست لبنانية. وإيضا برعاية إيرانية وتواطؤ سوري، ثم قبول دولي وإقليمي في سياق دعم سوريا للتحالف الدولي في حربه ضد صدام حسين بعد دخوله الكويت.

استشهد كثر من المقاومين الشرفاء في المقاومة الإسلامية، التي اعترف بها اتفاق قانا عام 1996  برعاية دولية وجهود رفيق الحريري.

في العام 2005 اغتال أعضاء في الحزب الحديدي رفيق الحريري. فرض عندها نضال الشعب اللبناني انسحاب الجيش السوري بدعم دولي.

بعد عام ونيف اندلعت حرب 2006، التي انتهت مفاعيلها بهيمنة حزب الله على لبنان مروراً بعدة محطات. احتلال وسط بيروت ومن ثم غزو المدينة واحتلالها. الأمر الذي أنتج اتفاق الدوحة مع ثلثه المعطل. وكرّت مسبحة التنزلات امام السلاح المدعوم بالعنف وبمكاسب السلطة والمال للسياسيين وللخصوم.

تم عندها تعطيل آليات الحكم وسيطر الحزب الموالي للملالي، المكوّن من “لبنانيين”، عبر فرض فيتو معطّل وصيغة توافقية مخالفة للدستور والاعراف المرعية.

اذن ما نتج عن الاربعين عاماً منذ اتفاق 17 أيار، انهيار اقتصاد لبنان بواسطة سلطة فاسدة تهيمن برعاية سلاح إيراني يحمي هذه السلطة ويريد البحث عن مصدر تمويل جديد للسماح باستمرارية هذه الطبقة للتحكم برقاب اللبنانيين.

لم يجن لبنان من كل ذلك سوى الخراب. لكن هل من مستفيد آخر غير المنظومة والنظام السوري؟

إنها إيران، فقبيل حرب 2006 اشتدّ الضغط على ايران فيما يتعلق ببرنامجها النووي. فحصلت الحرب وانشغل العالم بها وبنتائجها الكارثية. حصلت إيران على الوقت لتطوير قنبلتها الذرية، وفلشت اذرعها الأمنية في المنطقة. فأعلنت احتلال 4 عواصم عربية، بعد أن خربتها من الداخل وجعلت منها نفايات دول. وهناك من يربط بين تسهيلها الترسيم وبين حصولها على تصدير مليون و800 ألف برميل نفط يومياً، بدل ال 400 ألف المسموحة.

ألم يكن بالإمكان توفير كل هذا العذاب على الشعب اللبناني لو أبقي على اتفاق 17 أيار؟

والسؤال، بالإذن من انتصارات السيد نصرالله، وإنجازات الرئيس عون:

ماذا لو لم تحصل حرب روسيا على أوكرانيا ولم يحتج الغرب لاستبدال الغاز والنفط الروسيين، عبر أي مصدر طاقة متوفر؟

هل كان حلم اللبناني باستغلال ثروته النفطية، التي لا نعرف سبب استحالة استغلالها كل هذه السنين، ممكناً؟ وما الذي منعهم من 2011 حتى الان؟ ضغط خارجي كوني؟ أو خلافاتهم على الحصص؟

يزعمون أن الغاز هو المنقذ!! مع العلم أن تأهيل حقل قانا، إذا احتوى على ثروة غازية، يحتاج 5 سنوات على أحسن تقدير.

السؤال ايضاً، ماذا عن الحقول الأخرى؟ لمَ لم تستغل حتى الآن وهي لا تحتاج الى ترسيم؟ لماذا عن الحدود مع سوريا التي تعتدي أيضاً على البحر اللبناني؟

لن أطيل. حصلنا على حرب أهلية بعد اتفاق القاهرة. فعلى ماذا سنحصل الآن؟

زمن سلمي ومزدهر؟ أم استدارة أخرى نحو مجهول ينتظرنا؟

ثم هل تذكرون المواقف العربية من مشاريع التقسيم التي عُرضت على العرب ورُفضت؟ وفي كل مرة كانوا يندمون على ما فوّتوه؟

البراغماتية لا تحتاج العنتريات. لبنان في أضعف حالاته. دولة منهارة وشعب جائع. بعد أن كان مكتفياً دون نفط.

الأحرى بالمعارضة ترتيب صفوفها للوقوف بالمرصاد أمام المنظومة التي تستخدم الاتفاق لتركيز سلطتها وإعادة تأهيل نفسها لمصادرة حقوق الشعب اللبناني في ثرواته.

لنسأل عن الحوكمة وعن الهيئة الناظمة والصندوق السيادي والشركات اللبنانية الوهمية التي سيشغلوها.

وعندما يصبح لدينا دولة حكم رشيد، لنحاسب على هذه الاتفاقية وغيرها. وعندما تحرر إيران وحزبها القدس من العدو “الأوهى من خيوط العنكبوت”، حينها ليُنقض الاتفاق وجميع الاتفاقات المجحفة.

يقول البطل في رواية “ساحر الكرملين”: لا يمكن أن أقول إن الشيوعية جيدة. لكن في الواقع يمكن أن نكون سعداء في ظل أي نظام.  خصوصا إنك لا تعرف شيئا ولا يمكنك أن تسيطر على ما يحصل. والأسوأ إنك لا تعرف إذا كان جيدا أو سيئا. صدقني أن كل ما بوسعك السيطرة عليه أسلوبك في تأويل الأحداث.

monafayad@hotmail.com

الحرة

Subscribe
Notify of
guest

0 Comments
Inline Feedbacks
View all comments
Share.