حوار لا تنقصه اللكمات وفضائيات هربت من دورها

0

العنصر الرئيسي‮ ‬في‮ ‬اي‮ ‬حوار ليس الجواب،‮ ‬وانما هو السؤال؛ فإن صاحب الحوار الحقيقي‮ ‬هو صاحب السؤال وليس صاحب الجواب‮.‬
هذا ما كتبه الصحفي‮ ‬الكبير محمد حسنين هيكل وهو ما‮ ‬يتفق معه فيه معظم المحاورين المعروفين بنضج حواراتهم واهميتها‮..
‬فالسؤال هو الارضية التي‮ ‬ينطلق منها الحوار وتتحدد مساراته واتجاهاته وعمقه او سطحيته،‮ ‬ثراؤه افراغه السؤال بفتح الفضاء او بغلقه ويصوغ‮ ‬محاور الحوار بالجدية او بالسطحية البائسة‮.‬
لكن،‮ ‬وكما‮ ‬يبدو ان بعض فضائياتنا العتيدة خصوصا‮ »‬الرسمية‮« ‬لم تستطع حتى الآن استيعاب وفهم هذه الاهمية‮ »‬للسؤال‮«‬،‮ ‬وإدراك الدور الذي‮ ‬يلعبه السؤال والسائل او المحاور التلفزيوني‮ ‬ولم تدرك اهمية كفاءة الاسئلة‮..

‬فالدور الذي‮ ‬يقوم به‮ »‬المذيع‮« ‬الآن هو مجرد إلقاء اسئلة لملء الفراغ،‮ ‬حيث‮ ‬يهدر الحوار هدرا بل ويذبح ذبحا على‮ ‬يدي‮ ‬المذيع الفضائي‮ ‬رجلا كان ام امرأة‮.‬ بمفهومه الضيق والقاصر عن دور السؤال في‮ ‬الحوار‮ ‬يعتقد المذيع الفضائي‮ ‬ان‮ »‬الضيف‮« ‬سيتكفل بالمهمة ويتحمل عبء الحوار من الالف الى الياء،‮ ‬ويتصور ان الاسئلة تحصيل حاصل،‮ ‬لذلك فهي‮ ‬تأتي‮ ‬مكررة ومعادة ومستهلكة ومملة،‮ ‬بل وبليدة في‮ ‬معظم الاحيان،‮ ‬ناهيك عن سطحيتها وخوائها امام‮ »‬ضيف‮« ‬مفكر او باحث او كاتب كان‮ ‬يمكن استثمار فرصة وجوده لاثراء الفكر واغناء التفكير العام الذي‮ ‬يتابع ما‮ ‬يسمى‮ »‬حوارا‮«..‬ الفرصة تضيع وتتبدد على ايدي‮ ‬هذه النوعية من المحاورين‮ ‬غير القادين وغير الواعين اساسا بأهمية الثقافة والتحصيل المعرفي‮ ‬لتأسيس‮ »‬مذيع‮« ‬مثقف‮ ‬يدير حوارا على مستوى العصر مع ضيف كان بالامكان تداول ومناقشة اهم القضايا،‮ ‬التي‮ ‬يبدو ان مذيعي‮ ‬ومذيعات بعض فضائياتنا العربية لا‮ ‬يعيشونها ولا‮ ‬يتعلمون ولا‮ ‬يعلمون عنها شيئا‮.‬ والطامة الكبرى ان هؤلاء المذيعين والمذيعات لا‮ ‬يكتفون‮ »‬بتسميع‮« ‬اسئلتهم المتهالكة ويتركون للضيف محاولة‮ »‬تعديلها‮« ‬وتصحيحها وتقويمها ثم‮ ‬ينطلق بالحوار الى مسارات‮ ‬يمكن ان‮ ‬يستفيد منها المشاهد،‮ ‬بل نراهم‮ ‬يتدخلون ويقحمون انفسهم بين كل عبارة واجابة للضيف؛ فتسمع ملاحظاتهم وتعليقاتهم التي‮ ‬تأتي‮ ‬بما لا‮ ‬يمت بصلة الى ما‮ ‬يقوله الضيف‮ ‬غير المحسود والذي‮ ‬ترتبك افكاره وتسلسل منطقه‮..

‬وهكذا تتبدد فرصة كان‮ ‬يمكن استثمارها جيدا لو ان المذيع استطاع ان‮ ‬يفهم اهمية السؤال‮..

‬لكن كيف له ان‮ ‬يفهم‮.. ‬ففاقد الشيء لا‮ ‬يعطيه ورحم الله مثلنا الشعبي‮ ‬العميق‮ »‬لو كل من‮ ‬جاء ونجر، ما ظل في‮ ‬الوادي‮ ‬شجر‮«!!‬
ومن جانب آخر سوف نلاحظ أن مثقفنا العربي‮ ‬من اكثر الناس مطالبة بالحوار بين الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر‮.. ‬فلا‮ ‬يخلو خطاب واحد له من هذه‮ »‬الكليشيهه‮« ‬الجميلة‮.. ‬لكن حين تتاح له الفرصة لحوار مع رأي‮ ‬آخر،‮ ‬ومع صوت مغاير،‮ ‬يعود هنا المثقف الى بدايته الاولى؛ فيخلع الاقنعة‮ »‬الحضارية‮« ‬الزائفة لتبدو لنا الانياب ويرمون قفازاتهم لتبدو لنا المخالب‮.. ‬فيدور حوار الغاب بين اهل الفكر والثقافة وحملة الاقلام‮.‬
شاهدت مؤخرا‮ »‬حوارا‮« ‬او ما‮ ‬يسمى‮ »‬حوارا‮« ‬اتهم فيه استاذ وباحث واكاديمي‮ ‬سابق ورئيس مركز بحوث،‮ ‬اتهم كاتبا صحفيا مخالفا له في‮ ‬الرأي‮ ‬بـ‮ »‬الكذب‮« ‬هكذا صراحة امام جمهور عريض من الحاضرين،‮ ‬ناهيك عن المتابعين للحوار المنقول مباشرة من احدى الفضائيات العربية‮.‬ فما كان من الكاتب الصحفي‮ ‬الا ان انطلق هو الآخر وعلى ذات النسق ليرد له الصاع صاعين وبنفس الاسلوب،‮ ‬وربما بنفس الكلمات والعبارات والتوصيفات وتحول‮ »‬الحوار‮« ‬الى‮ »‬صراع ديكة‮« ‬الغلبة فيه للأعلى صوتا لا للأصوب رأيا‮.‬

وقبلها بأيام معدودة شاهدنا شابا اصوليا‮ ‬يكتب ويتحدث في‮ ‬الاتجاه الاسلاموي‮ ‬الاخواني‮ ‬يصف‮ »‬حوارا‮« ‬له مع صاحب رأي‮ ‬مختلف لتوجهاته وافكاره الاصولية،‮ ‬فيقول بالحرف الواحد واصفا الموقف والحوار‮ »‬وبدأ القصف‮«!!‬

فكيف تنسجم مطالبات مثقفنا بالحوار مع الرأي‮ ‬المغاير وواقع ممارساته ومسلكياته في‮ »‬الحوار‮« ‬حين تجمعه‮ »‬الصدفة‮« ‬بصاحب رأي‮ ‬مختلف‮ ‬يعارض رأيه،‮ ‬ويختلف مع طروحاته ومع تفسيراته وتحليلاته وقراءاته وموقفه الفكري‮.‬ لقد تابعنا مرارا وتكرارا‮ »‬شجارا‮« ‬لا حوارا واتهامات مجانية‮ ‬يتبادلها طرفا الحوار المزعوم‮..

‬ثم كيف لمثقفنا ان‮ ‬يصوغ‮ ‬عقلَ‮ ‬ووجدان جيل جديد نتطلع اليه كمثال للثقافة والوعي‮ ‬في‮ ‬عصر العولمة،‮ ‬وهو‮ ‬يرى ويتابع‮ »‬مثقفه‮« ‬ينزلق عند اول تجربة‮ »‬حوار‮« ‬الى هذا المستوى البائس والفاضح من الشتم واللكم واللعن‮.‬

ومن جانب آخر سوف نلاحظ بلا كثير‮ ‬عناء ان بعض فضائياتنا قد بلغ‮ ‬بها افلاس برامجها مستوى‮ ‬ينذر بكارثة حقيقية فآخر واحدث ما خرجت به بعض هذه الفضائيات من ابتكار البرامج المفلسة هو ذلك البرنامج الذي‮ ‬يتلقى المكالمات والفاكسات التي‮ ‬يذكر فيها المشاهد اسمه لتقوم المذيعة مباشرة وفي‮ ‬نفس اللحظة بتحليل شخصية صاحب الاسم وتفسير طبائع هذه الشخصية ومزاجها،‮ ‬لتصل الى قراءة وعرض حاضرها والتنبؤ بمستقبلها‮.‬

هكذا بمنتهى الاستعباط الفاضح ما إن‮ ‬ينطق المشاهد باسمه حتى‮ ‬يتم تقديم جردة حساب عن ماضيه وحاضره ومستقبله ايضا،‮ ‬والادهى والامر هو ذلك الاقبال المنقطع النظير من المشاهدين والمشاهدات على مثل تلك الترهات البرامجية العجيبة

ولا ندري‮ ‬من نلوم ومن نحمل المسؤولية في‮ ‬هكذا اوضاع وامام هكذا برامج‮ »‬عبقرية‮« ‬اين منها برامج فضائيات الدول المتقدمة‮.‬ إننا امام ظواهر فضائية‮ »‬فلته‮« ‬لا ندري‮ ‬الى اين‮ »‬ستفلتنا وستفلت‮« ‬أجيالنا الجديدة،‮ ‬لا سيما وأنها أجيال لا تقرأ ولا تفتح كتابا بقدر ما هي‮ ‬مشدودة الى فضائيات آخر زمان وهي‮ ‬الفضائيات التي‮ ‬وصل بها الحال الى ما وصل،‮ ‬فهل نرجو‮ ‬وهل نتطلع الى انقاذ ما‮ ‬يمكن انقاذه؟

اعلامي من البحرين *

Comments are closed.

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading