1- بعض الملاحظات التمهيدية
1-1 ان نتكلم عن دور رائد للعرب المسيحيين في تحديث العالم العربي المعاصر يمكن أن يبدو مليئاً بالتبجح حتى لا نقول أنه في غير محله بالنظر إلى الظروف الحالية. وبالواقع، لدينا انطباع أننا في حقبة تشهد إنحساراً في حضور وفاعلية العرب المسيحيين في بلادهم الأصلية الرئيسية: مصر، السودان، فلسطين، سوريا، الأردن، لبنان والعراق. نحن نشهد انحساراّ ديموغرافياً بفعل الهجرة ونسبة التوالد الطبيعي الأقل عموماّ من المعدل الوطني. هناك أيضاّ إحساس بانحسار سياسي في بلدان عدة بفعل تفتت التحالفات المتعددة الطوائف للوجهاء التي حكمت حتى منتصف القرن العشرين (الوفد في مصر، الكتلة الوطنية وحزب الشعب في سوريا، أحزاب الوجهاء في العراق)، تحت ضربات الحركات الإنقلابية العسكرية وغياب العرب المسيحييين عن النخب العسكرية التي أمسكت بزمام الأمور في هذه البلاد. ان الحروب من أجل الآخرين في لبنان وما تبعها كانت كبيرة الأثر ابتداء من 1975 وبشكل خاص بعد 1990، في اضعاف اللبنانيين المسيحيين سياسياً.
وكان لصعود الأصولية التدريجي بعد هزيمة 1967 أثر غير موآت لمشاركة المسيحيين في السياسة في أكثر من بلد: مصر (بعد 1970 بشكل خاص)، فلسطين (بعد 1987) والعراق (بعد 2003).
كذلك ان هناك انحسار اقتصادي للعرب المسيحيين حصل في المؤسسات الاقتصادية التي خضعت للتأميم في الخمسينات والستينات (مصر وسوريا والعراق) في كثير من الأحيان.
وقد تكبدت النخب الاقتصادية المسيحية ارتدادات ذلك (في مصر أولاً).
يشذ عن هذه الظاهرة بعض الشيء العرب المسيحيين في الأردن وفلسطين.
من جهة ثانية، يجب القول أن هناك عملية عودة، ولو جزئية، إلى اقتصاد السوق في بعض البلدان (مصر وسوريا بشكل خاص). ويساهم ذلك في بروز بعض رجال الأعمال المسيحيين الجدد الذين ينشطون في قطاعات اقتصادية عدة.
1-2 بعد هذه الملاحظات، يبدو لي إنه من الضروري تحديد هذين العرض والتحليل جغرافياً وثقافياً. في البعد الجغرافي، سأبحث، ضمن حدود معرفتي للعرب المسيحيين في مصر والسودان وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق. كما سأغطي ضمن الممكن دور العرب المسيحيين في هذه البلاد الذين اغتربوا إلى بلدان النفط العربية.
في البعد الزمني، سأهتم بالتطورات الجارية منذ خمسينات القرن الماضي.
أما في البعد الثقافي، فسأتكلم عن العرب المسيحيين، بالإضافة إلى مسيحيي الطوائف الأرمنية والسريانية والأشورية – الكلدانية من أهالي الدول العربية السبع المذكورة أعلاه. كما سأسعى الى التطرق لمسيحيي السودان.
1-3 لا أدعي تغطية الوضع بشكل كامل. لكني أسعى أن ألفت النظر فقط إلى ما اعتبره الخطوط والأتجاهات الكبرى.
1-4 أريد أيضاً أن أذكر باختصار ماذا يعني بالنسبة لي “التحديث” في العالم العربي، حتى ولو تسبب لي ذلك ببعض الانتقاد من قبل بعض زملائي المختصين في العلوم الاجتماعية.
على الصعيد السياسي، أفهم “التحديث” في مجتمع ما، كأنتماء إلى قيم حقوق الإنسان، بما فيها الحق في الاختلاف، وكأنتماء يجب أن يترجم بنشر الديمقراطية انطلاقاً من هذه القيم. على الصعيد الاجتماعي يعني التحديث الوصول إلى التعليم والصحة والسكن والمداخيل المقبولة بالنسبة لجميع البشر.
على الصعيد الثقافي ان “تحديث” مجتمع ما في اعتقادي يعني التواصل والتفاعل من جهة مع الثقافة العالمية ومع مختلف الثقافات الوطنية في العالم من جهة ثانية. ويتم هذا التحديث بإنماء أنتاج ثقافي يعبر عن الوضع الحالي في مختلف البلاد العربية وفي العالم العربي بشكل عام.
على الصعيد الاقتصادي يعني “تحديث” مجتمع ما، الوصول إلى تقنيات الانتاج العصرية المستعملة في بلدان الشمال وبإنتاج وتجديد محليين لهذه التقنيات، والشيء ذاته يقال عن البنى الاقتصادية ومستويات الإنتاجية. وبشكل خاص يتضمن التحديث الاقتصادي الوصول إلى القطاعات المحرّكة للاقتصاد المعاصر (معلوماتية – تكنولوجيا حيوية – واقتصاد معرفة بشكل عام) واكتساب الكفاءات والتجديد في هذه القطاعات.
1-5 تذكير تاريخي مختصر
يبدو لي من المهم التذكير بأن دور العرب المسيحيين في الحقبة المعاصرة ينبثق من تقليد تاريخي.
فعلى المستوى السياسي، ومنذ بدايات القرن العشرين، نشط العرب المسيحيون في المقاطعات العربية في الإمبراطورية العثمانية ليتحرروا من وضعهم “كأهل ذمة”، وذلك بالعمل على خلق دول قومية عبر حركات إيديولوجية وسياسية مساواتية (قومية – ليبرالية – اشتراكية). هكذا عملت نخب العرب المسيحيين في سوريا ولبنان وفلسطين ومصر. كما نشطت في البحث عن تعايش في ظل التنوع يساوي بين مختلف المجموعات ويتوازن فيه ميزان القوى (لبنان). كان العرب المسيحيين أيضاً في طليعة أول الثورات الفلاحية الديمقراطية (في جبل لبنان ما بين 1780 و1857). وكذلك في جبل حوران في سوريا.
نمّا هذا الوضع ما بين الحربين العالميتين وحتى آخر الأربعينات في القرن العشرين.
وترافق دور العرب المسيحيين السياسي هذا مع دور لهم على المستوى الثقافي (النهضة). وهنا يبرز دور الارساليات الغربية والمؤسسات الإكليريكية المحلية في المجال التربوي حاسماً.
على المستوى الاجتماعي كان عرب مسيحيين فاعلين رئيسيين في تشجيع طبقة الفلاحين (في لبنان وقد سبق ذكر ذلك في القرن التاسع عشر)، وفي مصر (جمعية الصعيد المسيحية:ACHE). كما كانوا في أصل الحركات النقابية والعمالية في مصر وفلسطين ولبنان. وعملوا لأجل الحقوق الاجتماية للعمال. أما فيما يتعلق بموضوع السكن الاجتماعي وانتشار الطب الحديث، فإننا نجد أيضاً دوراً رائداً للمسيحيين: الأرمن في لبنان والمبادرات المسيحية أينما كان (في سوريا، لبنان، مصر وفلسطين).
ومع انتهاء هذا التذكير، يمكننا أن ندخل في لب الموضوع: دور العرب المسيحيين المشارقة في تحديث العالم العربي المعاصر الذي نقاربه من نواح عدة.
2- العرب المسيحيون المشارقة والتحديث السياسي في العالم العربي
رغم انحساره، فإن دور المسيحيين السياسي في العالم العربي لا يزال ذات أهمية
2-1 في مصر مثلاً يمكن الإشارة إلى هذا الدور من جوانب ثلاثة:
1- العمل الذي تقوده الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بشكل خاص بقيادة البطريرك شنوده ليؤمن لمسيحيي مصر الوصول الفعلي إلى المواطنية وإلى حرية العبادة وبناء الكنائس.
2- النضال الذي قاده مثقفون من أصول مسيحية في إطار اليسار المصري مثل ميلاد حنا وميشال كامل وغيرهما، لأجل العدالة الاجتماعية والمساواة في كل المجتمع.
3- وأخيراً مساهمة مثقفين ورجال السياسة ليبراليين في تحديث الفكر السياسي المصري، مثل لويس عوض وبطرس بطرس غالي، مؤسس مركز الدراسات الإستراتيجية في صحيفة الأهرام والوزير والمؤثر الأساسي في اتفاقات كامب ديفيد والأمين العام لهيئة الأمم المتحدة وللفرنكوفونية فيما بعد .
2-2 في فلسطين لا نستطيع إلا أن نذّكر بالدور الرائد لقيادات مسيحية مثل جورج حبش ونايف حواتمه وكمال ناصر وناجي علوش ومنير شفيق عسل وأوجين مخلوف وبشارة خضر وغيرهم في الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. أما بالنسبة للفلسطينيين الذين لم يغادروا الأراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1948، لا نستطيع إلا أن نعيد إلى الأذهان الدور القيادي لإميل حبيبي وتوفيق طوبيا وعزمي بشارة وغيرهم. نذكر أيضاً دور بطريرك اللاتين ميشال الصبّاح في الدفاع عن وجود ودور الفلسطينيين المسيحيين في الأراضي المحتلة. ويجب أيضاً التأكيد على دور بعض القادة المسيحيين في الضفة الغربية الأردن مثل حنا ناصر وانطون عطالله والياس فريج وبرنار سابيلا.
2-3 في العراق، قام المسيحيون بلعب دور هام في الحزب الشيوعي العراقي وفي حزب البعث (طارق عزيز) وكان الحزبان عصريين ويعملان على التحديث والشيء ذاته يقال عن الأحزاب الأشورية التي لعبت وتلعب دوراً لا يستهان به للدفاع عن الحقوق الديمقراطية للأشوريين والكلدان.
2-4 في الأردن أيضاً لعب المسيحيون دوراً هاماً في تحديث السلطة الأردنية (الوزراء د. كمال أبو جابر ومروان المعشر وغيرهما). كما لعبوا أيضاً دوراً لا يستهان به في الأحزاب اليسارية والقومية (د. كمال الشاعر في حزب البعث ونايف حواتمه الذي سبق ذكره والسلفيتي في الحزب الشيوعي).
2-5 في السودان، لعب ويلعب المسيحيون دوراً متقدماً في كفاح جنوب السودان لأجل المساواة والتنمية (جون غارانغ وغيره).
2-6 أما في لبنان، فلا بد من ذكر الدور القيادي للمسيحيين في الأحزاب الحديثة (الشيوعيون – القوميون الاجتماعيون، الكتائب والحزب الديمقراطي، الوطنيين الأحرار والكتلة الوطنية). لكن الدور الأهم في العشرين سنة الماضية فكان الدور الذي قامت الكنيسة المارونية منذ 1990 بقيادة البطريرك صفير لتحرير لبنان من الوصاية السورية واحترام حقوق الإنسان والكفاح ضد تهميش المسيحيين، والدفاع عن حقوق الفقراء والمضطهدين من كل الطوائف في لبنان…
ومن الواجب الإشارة هنا إلى نضال الزعماء السياسيين المسيحيين، كالعماد ميشال عون وتياره بشكل خاص وغيره من القوى السياسية، ضد الوصاية السورية والاعتداء على حقوق الإنسان وذلك في سبيل استقلال لبنان السياسي وضد الأزمات الاقتصادية المفتعلة وبشكل خاص في سبيل العيش المشترك لمختلف الطوائف اللبنانية من مسيحية واسلامية. وقد لعبت القوات اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار والكتائب دوراً مشابهاً ولو على نطاق أصغر.
وتحرك البطريرك صفير والعماد عون وغيرهما من القوى السياسية المسيحية كان في أساس خروج القوات السورية من لبنان سنة 2005، بالإضافة إلى العوامل الدولية الأخرى المعروفة.
ونتساءل هنا لماذا كان لبنان البلد العربي الوحيد حيث استطاعت قوى مسلحة (غير قوى الدولة) تحرير أرض عربية من الاحتلال الإسرائيلي. برأيي، ومهما بدا ذلك مفارقاً (paradoxal)، يوجد بأساس ذلك دوراً مسيحيياً لبنانياً. وبالواقع، فإن أول حركات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1982، كانت كناية عن مبادرات للحزب القومي الاجتماعي وللحزب الشيوعي، وهما حزبان علمانيان ظلت قيادتهما طويلاً في أيد مسيحية. ونجد أعضاء مسيحيين من هذين الحزبين ضمن أولى العمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي (سهى بشاره، بيار أبو جوده، الخ….). وكذلك فإن الوجود المسيحي الوازن في لبنان جعل من هذا البلد الديمقراطية الأولى في العالم العربي رغم كل شيء. وهذا الجو الديمقراطي نسبياً، بالإضافة إلى عوامل أخرى، هو الذي سمح لحركات مقاومة الاحتلال والوصاية بالنمو والتوسع في لبنان، خلافاً للبلد العربية الأخرى، مهما قيل.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نشر الديمقراطية حالياً حسب المفهوم الأميركي في أنظمة قمعية (العراق – مصر – الأردن – فلسطين) يترجم بصعود أصولية عدائية وتسارع تهميش المسيحيين في هذه البلاد.
3- المسيحيون المشارقة والتحديث في المجتمع العربي
هنا أيضاً أسهم عرب مسيحيون مشارقة في تحديث المجتمع بأساليب متعددة. 3-1 بالنسبة لمصر، أعيد التذكير ب”جمعية الصعيد المسيحية” التي تأسست منذ ما يقرب من القرن بواسطة الكاهن اليسوعي الأب عيروت بهدف نشر التعليم الأساسي في صعيد مصر. وتبقى هذه الجمعية رائدة في هذا المجال. كذلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس الانجيلية تدير شبكة كبيرة من الخدمات الاجتماعية والعلاجية الحديثة.
3-2 في لبنان: يبقى المطران غريغوار حداد الوجه الطليعي في هذا المجال هو مؤسس ولولب “الحركة الاجتماعية” منذ خمسين عام تقريباً. كان ملهمه بالأساس الكاهن الفرنسي المعروف ب “الأب بيار” “رسول الفقراء”. وقد أسس المطران حداد و “حركته الاجتماعية” شبكة من المراكز الصحية- الاجتماعية في كل لبنان وعدد كبير من النشاطات الأخرى في شتى المجالات. ان هذه الحركة الاجتماعية ومؤسسها كانا من ملهمي الحسّ بالمسؤولية الاجتماعية العابرة للطوائف في لبنان.
يجب أيضاً الاشارة الى دور سينودس الكنيسة الكاثوليكية من أجل لبنان في النصف الأول من التسعينات والمسينودوس الماروني في مطلع الألفين في وعي المسيحيين اللبنانيين لمسؤولياتهم وفي انشاء مؤسسات للتضامن الاجتماعي في كنائس لبنان الكاثوليكية منذ مطلع تسعينات القرن العشرين.(تعاونيات، ضمان مشترك، تنمية شبكة مؤسسة كاريتاس لبنان والمساكن الشعبية). ولا بدّ أن نشير إلى حركة مثل الشبيبة العاملة المسيحية وإلى دور النقابيين المسيحيين في تأسيس العمل النقابي في لبنان وقيادته.
وأخيراً فإن جمعية كهنة “البرادو” “Le Prado” المؤلفة من كهنة يعملون في الأوساط الفقيرة و/أو الإسلامية تقوم منذ أكثر من أربعين عاماً بدور فعال وبعيد عن الأنظار في عمل الكنيسة لخدمة الفقراء.
والشبيبة العاملة المسيحية وكاريتاس و “البرادو” وغيرهم يعملون أيضاً بنشاط في مصر والأردن وفلسطين.
4- المسيحيون وتحديث الثقافة العربية
وهنا أيضاً، سأعطي أمثلة مأخوذة من قطاعات مختلفة.
في حقل الطباعة والنشر يبقى لبنان ناشر ومطبعة العالم العربي الأول. ويلعب المسيحيون في هذين القطاعين دوراً طليعياً (دار النهار – دار رياض – نجيب الريس، دار الساقي، دار المشرق، على سبيل المثال لا الحصر). لا أعرف الوضع جيداً في باقي البلاد العربية، باستثناء دور دار الهلال ودار الأهرام في مصر وقد أسسها على التوالي جرجي زيدان وآل تقلا وهم لبنانيون مسيحيون هاجروا الى مصر وقد تم تأميمهما في الستينات.
نجد في الصحافة دوراً رائداً لمسيحيي لبنان كصحافيين وأصحاب مؤسسات صحافية. والصحافيون المسيحيون اللبنانيون يشاركون في نشاط قسم كبير من الصحافة العربية في لندن وباريس والخليج. ومعرفتي بباقي البلدان العربية على هذا الصعيد ضئيلة. ومن المؤكد إن انتشار الرساميل العربية النفطية في هذا القطاع وتأسيس صحف تمولها وتديرها هذه الرساميل قد أضعفا هذا الدور بعض الشيء.
بالنسبة إلى الوسائل السمعية – البصرية، فقد انشاء مسيحيون لبنانيون أول إذاعات ومحطات تلفزة خاصة في العالم العربي: اذاعة صوت لبنان والمؤسسة اللبنانية للارسال LBC ، في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. تبعهم في ذلك عراقيون، كما أشاد وأدار لبنانيون مسيحيون محطات تلفزة في أكثر من بلد عربي (العراق: بولس تابت، في ليبيا والعراق: بيار الضاهر). كذلك الأمر بالنسبة لتليفزيونات السعودية وغيرها في الخليج.
لا بد أن نذكر أيضاً دور المدارس والجامعات المسيحية (جامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين في لبنان، الحكمه في بغداد حتى عام 1967 والجامعة الأميركية والجامعة الاميركية اللبنانية في بيروت أيضاً) في مسيرة المسيحيين الثقافية. هذه المؤسسات كانت ولا تزال حجر أساس لهذا الدور الرائد.
بالنسبة للفنون الغنائية، أذكر دور المطربين اللبنانيين المسيحيين في كل العالم العربي (صباح – فيروز – ماجدة الرومي – جوليا بطرس – نانسي عجرم – وديع الصافي – فيلمون وهبه – زكي ناصيف ، جورج وسوف وغيرهم). والشيء ذاته إنما على نطاق أوسع يقال عن الموسيقى والمسرح الغنائيين مع العائلة الرحبانية وتوفيق سكر وغيرهم. كذلك لا بد من الاشارة الى الدور الإستثنائي الذي لعبه منير بشير وابنه عمر العراقيين اللذين جددا استعمال آلة العود في العالم العربي واستعادا تقاليد العصور العربية الأولى، كحالة ينبغي التوقف عندها.
وفي مجال المسرح نذكر دور المخرجين اللبنانيين المسيحيين: منير أبو دبس، انطوان ملتقى وزوجته لطيفة، شكيب خوري، ريمون جباره، جلال خوري، روجيه عساف، رئيف كرم وغيرهم. لقد أعادوا بعث المسرح العربي الحديث منذ منتصف الخمسينات ولا زالوا يقومون بذلك.
بالنسبة للفن السابع، لا يمكن إلا أن نذكر دور المخرج المصري (من أصل لبناني مسيحي) يوسف شاهين والممثل عمر الشريف (ميشال شلهوب) ومجموعة من المخرجين اللبنانيين الشباب (مارون بغدادي، فيليب عرقتنجي، نادين لبكي) والفلسطيني (ايلي خليفة) وغيرهم.
لعب مسيحيون لبنانيون دورا ًرئيسياً في التعريف بالرسم والنحت في المشرق العربي (الحويك، غصوب، غيراغوسيان، داود قرم ، قيصر الجميل وغيرهم) و لا زال حضورهم أساسياً وخلاقاً حتى الآن.
أما في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفة فلا بد من الإشارة إلى دور المثقفين المسيحيين المصريين (لويس عوض، أنور عبد الملك، سمير أمين) والسوريين (الياس مرقص، ميشال كيلو وانطوان مقدسي وغيرهم) واللبنانيين (كمال صليبي وناصيف نصار وغيرهم).
ولا تزال هناك أمور كثيرة جديرة بأن تذكر في هذا المجال عن الدور الثقافي الرائد للعرب المسيحيين، وبشكل خاص الدور المحرك للمؤسسات الثقافية المنبثقة عن الكنائس المسيحية (مدارس، جامعات، مطابع، منشورات، مسارح وغيرها…)
5- المسيحيون وتحديث الإقتصادات العربية
وفي هذا المجال، بعدما عرف دور المسيحيين انحساراً بعد تأميمات 1956 و 1960 (في مصر وسوريا) عاد وانطلق من جديد في هذين البلدين. ويعود السبب إلى اعتماد تدريجي لاقتصاد السوق. وهذا الانتقال سهّل نشاط رجال الأعمال العرب المسيحيين المشارقة (لبنانيون ومصريون بشكل خاص) في سوريا ومصر والجزائر والسودان الذين ينتقلون هم أيضاً تدريجياً إلى اقتصاد السوق.
كذلك فارتفاع في أسعار النفط المتكرر في السنوات 1973، 1974، 1978 و 1979 ومنذ سنة 2000 أسهم في نشاط المسيحيين المشارقة الاقتصادي وفي البلدان العربية النفطية.
هنا يمكننا استعراض الوضع في أهم القطاعات الاقتصادية: في الصناعة كان دور المسيحيين واضحاً جدا،ً إذ إن أهم مجموعتين صناعيتين في لبنان وهما مجموعة ضومط ومجموعة انديفكو (افرام) هي مجموعات مسيحية، وذلك اضافة إلى مجموعات أخرى رائدة نشطة.
إن سيرورة تحول الاقتصاد في سوريا ومصر الى اقتصاد السوق سمح ببروز صناعيين مسيحيين مجدداً.
في مجال البناء والأشغال العامة، يجب الإشارة بشكل خاص إلى شركة CCC (سعيد خوري وحسيب الصباغ) وهي مجموعة رجال أعمال فلسطينيين وإلى مجموعة “الكات” و”المباني” اللبنانيتين. والمجموعات الثلاثة تنشط على خاصة في البلدان العربية النفطية.
في مجال الزراعة الحديثة لا يمكن إلا أن نشير إلى الدور الريادي للمقاولين الزراعيين المسيحيين في الجزيرة السورية (معمر باشي منذ الخمسينات، وغيرهم).
والوضع في لبنان مشابه لبعض هذه النشاطات الزراعية والزراعات الغذائية وتربية المواشي، وهي نشاطات حديثة يقوم بها رجال أعمال من زحله: كزراعة التفاح والكرمة وصناعة النبيذ. إنتاج البيض والفروج (مجموعتي هوا وتنمية) وفي زراعات جديدة مثل الكستناء والافوكادو وغيرهما من الثمار الاستوائية.
في المجال السياحي، يبقى الدور المسيحي اللبناني رائداً في سياحة الشواطئ البحرية والتزلج والمطاعم والفنادق، وذلك رغم تدفق رساميل النفط على القطاع الفندقي.
وفي سوريا وفلسطين، ينشط المسيحيون في قطاعي الفنادق والمطاعم (شمال غرب سوريا وبعض مناطق الأراضي المقدسة في فلسطين).
في القطاع المصرفي: لعبت المصارف اللبنانية (المسيحية في غالبيتها ختى أواخر الثمانينات) دوراً رائداً في الشرق العربي منذ الخمسينات. كما يلعب البنك الأهلي الأردني لآل العشّر دوراً رائداً في الأردن وفي دول أخرى. ما لبثت أن لحقت بهم وتخطتهم مصارف الخليج ابتداء من 1975 بفعل الحرب اللبنانية وارتفاع أسعار النفط الدائم. ويكفي أن نذّكر بدور “إنترا بنك”، المصرف اللبناني الذي أسسه الفلسطيني اللبناني المسيحي يوسف بيدس، ودوره في لبنان والشرق العربي وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وفي كافة مراكز الانتشار اللبناني المهمة في العالم، كمصرف إيداع وأعمال واستثمار. وهناك مصارف لبنانية أخرى أسسها لبنانيون مسيحيون (البنك اللبناني للتجارة وبنك عودة) مثلاً أسست فروعاً لها في بلدان الخليج في الستينات والسبعينات. وثمة مصارف لبنانية عدة يملكها ويديرها لبنانيون مسيحيون أخذت تؤسس هي أيضاً فروعاً لها في السنوات الأخيرة في سوريا (– BEMO البنك الأوروبي للشرق الأوسط وبنك الشركة العامة وبنك بيبلوس وبنك عودة) بفعل انتقال هذه البلدان التدريجي إلى اقتصاد السوق.
وأدى تدفق رؤوس الأموال النفطية الخليجية في العقدين الأخيرين على القطاع المصرفي اللبناني إلى بيع عدة مصارف لبنانية مسيحية (البنك اللبناني للتجارة– الاعتماد اللبناني – بنك المتوسط –البنك المتحد للأعمال) أو إلى مساهمة كبيرة في بعض المصارف (بنك عوده وغيره).
ويجب أن نذكر، في قطاع النقل، الدور الريادي للمجموعة السورية اللبنانية رودولف سعاده وأولاده (GGM – GGA) في مجال النقل البحري في سوريا ولبنان وفرنسا. أما في مجال النقل الجوي، فيجب الإشارة إلى أنه منذ الخمسينات في لبنان، تم تأسيس شركات جوية لبنانية مثل ” الخطوط الجوية اللبنانية” و”الخطوط الجوية الدولية اللبنانية” و”الخطوط الجوية عبر المتوسط” من قبل رجال أعمال لبنانيين مسيحيين. وقد اندمجت الشركتان الأولى والثانية مع شركة طيران الشرق الأوسط تحت إسم “طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية”.
في مجال التجارة الخارجية والداخلية، كان للمسيحيين في العالم العربي تقليداً قديم موروث في قسم منه من الامتيازات والحمايات والعلاقات التاريخية مع أوروبا. وقد أخذت التأميمات في سوريا ومصر تقضم هذه الامتيازات في كل مكان تقريباً، باستثناء لبنان.
وفي مجالات الاستشارات الهندسية، لا يمكن إلا أن نلفت الانتباه إلى دور “دار الهندسة الشاعر ومشاركيه” كأول مجموعة عربية في هذا الحقل وخامس مجموعة في العالم. وقد أسسها د. كمال الشاعر، المهندس الذائع الصيت والأستاذ الجامعي ورجل الأعمال والسياسي الأردني المسيحي.
في عالم الاتصالات، تحتل مجموعة “ساويريس” المصرية القبطية في مصر وفي بعض البلاد العربية الأخرى (الجزائر، سوريا لبعض الوقت)، وغيرها المركز الأول في عالم الاتصالات هذا.
وفي عالم المعلوماتية أخيراً، من الضروري التأكيد في لبنان والشرق العربي على الدور الريادي لمجموعات مثل “استشارات” (فضول) و”شماس” و عودة” والكثيرين غيرهم وذلك منذ نهاية الستينات.
6- بعض الاستنتاجات الختامية
إن هذه القراءة السريعة لما أعرفه حالياً عن دور المسيحيين في تحديث العالم العربي تبرز لي ظاهرتين:
الظاهرة الأولى: الانحسار النسبي العائد إلى الديموغرافيا (نسبة نمو أقل من المعدلات الوطنية، وهجرة متزايدة) وإلى تصاعد الأصولية. وكذلك بسبب اللحاق بالتقدم الثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي للأقليات المسيحية من قبل نُخَب الأكثرية بفعل النمو التربوي والفائض النفطي لإدارة الدولة للاقتصاد لفترات طويلة بواسطة نُخَب بيروقراطية أو عسكرية تحولت فيما بعد إلى عالم الأعمال:
الظاهرة الثانية: المثابرة والنمو في دور رائد في بعض البلدان في مجالات معينة.
– في لبنان ومصر في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
– في سوريا في المجالات السياسية والاقتصادية.
– في الأردن في المجال الاقتصادي والثقافي.
– في السودان في المجال السياسي.
وأخيراً يمكننا القول إن المسيحيين في العالم العربي يواجهون أساساً تحديات ديموغرافية وسياسية مصيرية. والطريقة التي سيتعاملون مع هذه التحديات هي التي تحكم مصير دورهم الرائد.
محاضرة ألقيت في جامعة القديس يوسف- بيروت- في اطار ” شهر الشرق المسيحي” الذي ينظمه سنوياً “مركز التوثيق والأبحاث عن العرب المسيحيين” (CEDRAC) في هذه الجامعة مساء الأربعاء في 16 أيار (مايو) 2007
ildes@sodetel.net.lb
* د. بطرس لبكي: نائب أول سابق لرئيس مجلس الانماء والاعمار في لبنان
أستاذ اقتصاد التنمية في جامعة القديس يوسف- بيروت
دور العرب المسيحيين المشارقة في تحديث العالم العربيإنا أحب لبنان واللبنانيين , ويوجد ليا ذكريات جميلة عن الأيام الجملية عندما تعايشت في الوطن العربي كل القوميات والديانات, ,ماورد جميل منسق , وبدل مجهود كبير لهدف واحد فقط, رفع مستوى المسيحيين على خلفية الغير مسيحيين( مسلمين) , نجحت ياسيد في اثباث إن المسيحيين اللبنانيين أفضل من اللبنانيين المسلمين والدروز, والشيء الغريب نسيت إن تذكر من باب المجاملة على الأقل شخصية من لبنان ,مصر, سوريا ,العراق, السودان غير مسيحي له ايجابيات حتى وقيه مقابل الأطنان من الايجابيات المسيحيين العرب وبشكل خاص اللبنانيين -هو ناقصتا فتن- ,أو لعبوا دور أو نشاط معين في… قراءة المزيد ..