مع اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي نشطت الاتصالات بين قوى المعارضة اللبنانية لتلافي الوقوع مجددا في فخ تجربة العام 2014! يومها كان التنسيق مفقوداً بين ما تبقى من قوى 14 آذار، حيث أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية ترشحه لمنصب الرئاسة خلفا للجنرال ميشال سليمان، من دون ان ينسق مع الحلفاء الافتراضيين يومها، أي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وبالطبع من دون ان يتحدث مع المستقلين المسيحيين!
يومها كان استعجال سمير جعجع بمثابة “امر واقع” استغرق اكثر من 50 جلسة انتخاب عطلها حزب الله والتيار العوني وحركة امل والحلفاء، وصولا الى اعلان امين عام حزب الله حسن نصرالله، ان “المرشح الوحيد للرئاسة هو الجنرال عون، ويوم تقتنع قوى 14 آذار بانتخاب عون رئيسا يصبح لدينا رئيس”.
وكان ان ذهب القطبان الرئيسيان في 14 آذار يومها، سعد الحريري وسمير جعجع، الى تسويات ثنائية مع التيار العوني بقيادة جبران باسيل، فاستفرد بهما باسيل كلا على حدة، واستتبع لاحقا رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط، وتفرّد بمقاليد الحكم لسنوات ست مدعوما من حزب الله.
لتلافي الوقوع في الفخ عينه مرة ثانية اتفقت قوى المعارضة على تبني ترشيح النائب ميشال معوض عنها مقابل ما بدا انه تبنٍ خجول من قبل حزب الله لترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه، وفي حسابها ان ترشيح معوض يلقى قبولا في صفوف المعارضين والتغييريين اكثر من سمير جعجع، وبالامكان جمع اصوات ناخبين لصالحه ما يوازي بينه وبين فرنجيه وتكريس توازن قوى بين حزب الله وحلفائه من جهة خلف فرنجيه، وقوى المعارضة مجتمعة خلف معوض من جهة ثانية.
خطة المعارضة لم تستطع خرق جدار نواب التغيير، الذين رغب العديد من بينهم التصويت لمعوض إلا ان الخلاف الزغرتاوي-الزغرتاوي بين النائب ميشال دويهي من جهة وميشال معوض من جهة ثانية حال دون اتفاق نواب التغيير على الاقتراع لصالح معوض، فاختاروا التصويت لسليم اده نجل الوزير الراحل ميشال اده.
حجة التغييرين انهم على خلاف مع معوض بشأن مشروعه الاقتصادي واعادة هيكلة المصارف ومصير اموال المودعين، وهي عمليا حجة تقنية لا معنى لها امام اهمية الاستحقاق الرئاسي، خصوصا ان معوض ليس من رجال المصارف ولا يملك مصرفا.
والى ما سبق، قال التغييريون انهم يريدون رئيسا من خارج الاصطفافات السياسية السابقة واللاحقة! وتناسى هؤلاء ان من بينهم من انتسب الى الحزب الشيوعي ومنهم ما يزال منضويا في صفوف الحزب، ومنهم من هو اقرب الى توجهات حزب الله تحت ذريعة مقاومة اسرائيل كاولوية سياسية على ما عداها.
معوض هو نجل الرئيس الشهيد رينيه معوض الذي اغتيل قبل ان يتسلم مهامه الرئاسية، في اعقاب التوقيع على اتفاق الطائف، وذلك اثناء مشاركته الاحتفال بعيد الاستقلال، فاستُهدف بسيارة ملغومة ادى انفجارها الى قتل الرئيس معوض ومرافقيه.
ميشال نجله كان يتابع دراسته في فرنسا، حين اغتيل والده، وكان ياقعا، فقامت والدته النائبة نايله معوض بحمل التركة السياسية التي خلفها زوجها الشهيد، فترشحت للانتخابات النيابية وفازت واستلمت مهاما وزارية الى ان عاد ميشال الى لبنان واخذ عن والدته مهام السياسة.
الى السياسة عملت النائبة نايلة معوض بالتوازي على خط المشاريع الانمائية بتمويل من منظمات عالمية لا تبغي الربح، ابرزها “الوكالة الاميركية للتنمية الدولية”، وبدأت العمل على إنشاء مؤسسات إنمائية تعمل تحت اشراف “مؤسسة رينيه معوض”. وهي المؤسسة التي أنشأتها في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال زوجها في العام 1991.
لدى عودته الى لبنان انصرف ميشال الى تعزيز المؤسسة الانمائية واقفا الى جانب والدته وسندا لها في شؤون الرجال، الى ان ترشح للانتخابات النيابية عام 2009 على رأس لائحة لقوى 14 آذار، بعد ان كان ناشطا وقياديا في صفوف ثورة الارز.
لائحة 14 آذار التي ترأسها معوض استبعدت يومها القيادي في “ثورة الارز” سمير فرنجيه، حين اعلن معوض اسماء اعضاء اللائحة من دون التنسيق مع حليف والدته سمير فرنجيه! وكانت مفاجأة لم تعرف اسبابها الا في ما بعد، حين كانت مفاعيل “السين-سين” (السعودية وسوريا) تتفاعل على الساحة السياسية اللبنانية بطلب سعودي- سوري باستبعاد من كانوا يعرفون بـ”صقور” 14 آذار عن الندوة البرلمانية ولوائح 14 آذار، وفي مقدم هؤلاء الراحل سمير فرنجيه والدكتور فارس سعيد والياس عطالله والدكتور مصطفى علوش والدكتور احمد فتفت…
ترشح معوض في الانتخابات، وكان ان دعمه فرنجيه واقترع له.
استمر معوض في صفوف 14 آذار الى حين انفراط عقدها. وفي الانتخابات التي تلت، ترشح على لائحة “التيار العوني” زميلا لجبران باسيل، إلا أن بقاءه في صفوف كتلة النواب العونيين لم يدم طويلا فغادر الكتلة ليتموضع مجددا في الوسطية منحازا الى الانماء وسيادة لبنان ووحدة اراضيه وحصرية السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية.
لم ينسجم معوض مع حزب الله يوما، لذلك وصفه نائب الامين لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بالمرشح الاستفزازي، مطالبا بمرشح توافقي.
موقف قاسم يشير الى ان ترشيح معوض حقق اهدافه:
فهو اولا، سجل معوض في نادي المرشحين الجديين لمنصب رئاسة الجمهورية.
وهو ثانيا، حال دون خروج نصرالله على اللبنانيين ليقول ان عليهم القبول بترشيح فرنجيه كي يكون للبنانيين رئيس، فقدرة التعطيل لحزب الله توازيها قدرة التعطيل لخصومه، وما تم قبوله في العام 2016 لن يحصل مجددا.
معوض ينشط على خط جمع المزيد من الاصوات خصوصا ان الدورة الانتخابية الاولى امنت له رصيدا ثابتا من 40 ناخبا هم نواب القوات اللبنانيية ونواب اللقاء الديمقراطي وحزب الكتائب اللبنانية، وعدد من المستقلين.
نظرياً، كان يمكن لفرنجيه ان يحصل، على الاكثر، على اربعين صوتا. لان باسيل بطبيعة الحال لن يصوت له من هنا مازق حزب الله!
وفي حين يستطيع معوض ان يحصد المزيد من الارقام من نواب المستقبل السابقين، وعددهم عشرة ونواب التغيير الذين ليسوا ببعيدين عن طروحات معوض، ما يؤمن له اغلبية 67 صوتا في افضل الاحوال، و65 صوتا اقلها.
ما يعني عمليا وصوله الى قصر بعبدا باغلبية صوت واحد.
في حين ان فرنجيه لا يستطيع الحصول على تأييد التغييريين، ومن الصعوبة بمكان ان يمون على نواب المستقبل حتى لو مارس حزب الله ضغوطه المعروفة.
لذلك ترى مصادر سياسية ان معوض لن يكون رئيسا للبنان لان حزب الله لا يركن لوجوده في سدة الرئاسة. وتاليا، سيفرض توازن القوى انسحاب معوض مقابل انسحاب فرنجيه لصالح مرشح ثالث قد تكشف الايام القادمة عن اسمه.