في يونيو 2001، تأسست منظمة شنغهاي للتعاون SCO على يد روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، لتكون تكتلا لتعاون سياسي واقتصادي وأمني منافس للمنظمات والتكتلات الغربية. ومنذ ذلك التاريخ راحت تمنح عضويتها الكاملة أو صفة “العضو المراقب” إلى مزيد من الدول حتى صارت تجمعا فضفاضا لبلدان تختلف طموحاتها واولوياتها عن بعضها البعض، بل تحكم علاقات بعضها الثنائية حالة عداء تاريخية مريرة (باكستان والهند، والهند والصين، وأرمينيا وآذربيجان مثلا).
مناسبة هذا الحديث هي انعقاد قمة جديدة للمنظمة هذا الشهر بمدينة سمرقند الأوزبكية وسط عناوين كبيرة وأمنيات ذات سقف عال من الصعب تحقيقها في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المتدهورة يوما بعد يوم. لذا لم يجد المراقبون سوى توجيه بوصلتهم نحو الإجتماعات الجانبية بين القادة المشاركين، علهم يلتقطون خبرا مختلفا غير التصريحات التقليدية حول ضرورة التعاون من أجل عالم أكثر أمنا واستقرارا وعدالة، وغير قرارات توسيع المنظمة بمنح عضويتها إلى أقطار جديدة (أعلنت القمة إطلاق مسار لضم بيلا روسيا، وتم منح العضوية الكاملة لإيران، وصفة “شركاء الحوار” لخمس بلدان عربية).
ويمكن القول أنه حتى اللقاءات الجانبية لم تحقق أي انفراج يسمح بالابتهاج، كي لا نقول أنها اثمرت عن ظهور تباينات جديدة، على نحو ما حدث في لقاء بوتين ــ مودي، حيث أوردت الأنباء أن الزعيم الهندي، الذي تجبنت بلاده إدانة روسيا بشكل صريح لغزوها أوكرانيا، والتي تعد في الوقت نفسه شريكا في تحالف “كواد” مع الولايات المتحدة واليابان واستراليا، صارح نظيره الروسي بأن “الآن ليس وقت الحرب“، مع تشديده على الدبلوماسية والحوار كوسيلة لحل الأزمة الأوكرانية. وعلى المنوال نفسه، أوردت الأنباء أن لقاء جينبينغ ــ أردوغان طغى عليه قلق أنقرة حول أوضاع مسلمي الإيغور ذوي الثقافة التركية في إقليم شينجيانغ الصيني.
ومن هنا لا نتجنى لو قلنا أن أهمية هذه القمة تكمن فقط في أنها أول اجتماع لقادة المنظمة منذ تفشي وباء كورونا، وأول لقاء بين قادة يوراسيا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا واحتدام المواجهة بين موسكو والغرب. لذا سعى الزعيم الروسي فيلاديمير بوتين لاستثمار القمة لنيل أكبر قدر من دعم دول دول المنظمة لسياساته في أوكرانيا وتجاه الغرب، كما سعى في الوقت نفسه للضغط على شركائه لتعزيز دور المنظمة كي يغدو لاعبا أكثر تأثيرا في الشؤون الدولية والقضايا الإقليمية لأن المنظمات الأخرى بحسب تعبيره “تستخدم الأنانية الإقتصادية وسياسات العقوبات غير القانونية والقيود التمييزية ضد الدول النامية في التجارة والطاقة والغذاء وغيرها”.
وقد لوحظ وجود تناغم واضح غير مستغرب بين الزعيم الروسي ونظيره الصيني إذ أن كليهما تبنيا فكرة أن تلعب المنظمة دورا مركزيا في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب مع الدفع باتجاه استخدام العملات المحلية المحلية، بديلا عن الدولا الأمريكي، في المبادلات التجارية.
كما لوحظ أن الدولة المضيفة ورئيسة الدورة الحالية للمنظمة (أوزبكستان) نأت بنفسها عن الملفات الخلافية وركزت على الجانب الاقتصادي لاسيما وأن رئيسها شوكت ميرضيائيف وضع آمالا عريضة على استضافة سمرقند (لؤلؤة طريق الحرير) للقمة لجهة إحياء وتنفيذ مشروع طريق الحرير الحديدي بين الصين وأوروبا عبر أوزبكستان وتركمانستان وإيران وتركيا، علما بأن هذا المشروع المعلق حال تنفيذه سيساهم سنويا في نقل ما قيمته 75 مليار دولار من البضائع التي يتم نقلها حاليا عبر كازاخستان وروسيا أو عبر بحر قزوين، كما سيختصر كثيرا رحلة الشحن إلى أوروبا. وبسبب الفوائد الاقتصادية الجمة التي ستجنيها أوزبكستان من هذا المشروع، وآملا في انجاح قمة سمرقند دون مشاكل في ظل المناوشات العسكرية المستجدة بين أرمينيا وآذربيجان واتساع دائرة الاشتباكات الحدودية بين قرغيزستان وطاجيكستان والإخفاقات الروسية الأخيرة في أوكرانيا، فقد استبق الرئيس الأوزبكي القمة بنشر مقال مطول حول رؤية بلاده والتي جاء فيها أن رئاسة أوزبكستان لمنظمة شنغهاي تأتي في ظل متغيرات كثيرة وأنه في لحظات الأزمات ينبغي على الدول، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، أن تضع مصالحها الضيقة جانبا وتركز على التفاعل والتعاون في النقل والتجارة والاقتصاد والتوصل إلى توافق في الآراء والمسائل الخلافية لأن عكس ذلك سيؤدي إلى نزاعات مسلحة ستسبب بدورها في انقطاع التجارة والاستثمار وتفاقم مشاكل أمن الطاقة والغذاء. مشيرا إلى أن “النظام الحديث للتعاون الدولي، القائم على المبادئ والأعراف العالمية، بدأ يختل بشكل كبير، وأحد الأسباب هو أزمة ثقة عميقة على المستوى العالمي، والتي بدورها تثير المواجهة الجيوسياسية وتحيي التكتلات النمطية”.
كلام الرئيس الأوزبكي هذا لا تنقصه الصراحة، لكنه يظل مجرد نصائح وينبغيات مكررة وآماني من الصعب تحقيقها.
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي