في التسجيل الصوتي أدناه، يذكّر الدكتور فارس سعيد، رئيس “المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني”، بأن مقاطعة حزب الله للبطريرك الماروني بدأت في سنة 2015 حينما قام البطريرك بمرافقة البابا فرانسيس في زيارته للقدس. وبأن حزب الله عطّل إمكانية عقد أية “قمة روحية” منذ ذلك التاريخ حينما حظر على المفتي الشيخ قبلان حضورها. كما يذكّر أنه في العام 2015، تم وضع وثيقة “معاً من أجل القدس”، الصادرة عن “خلوة سيدة الجبل”، التي يعيد “الشفاف” نشرها أدناه.
يضيف: لعل من أقدار “سيدة الجبل” أنها تستبق الأحداث. وقد قلنا منذ سنوات “لا تسمحوا بأبلسة الطائفة الشيعية وأن تُلصق بها تُهّم الإرهاب والفساد، وتركها لوحدها وكأن هذا الموضوع لا يعني أي فريق آخر من اللبنانيين”! انا ذهبت إلى عرسال في 2012 (الصورة أعلاه) حينما اتُهمت “عرسال” بالإرهاب لأقول أن هذه البلدة التي منها 1000 عنصر من الأمن العام والأمن الداخلي والجيش ظُلم أن نتهمها بأنها بلدة إرهابية. وفي حينه، ووجهت بمعارضة مسيحية شرسة لأنني تضامنت مع “عرسال”! اليوم تواجه طائفة أخرى تهم “عمالة”، وطبيعي أن نرى “برودة وطنية”.. في وجه الهجمة الجديدة التي تطال الطائفة المارونية الآن!
إن “لقاء سيدة الجبل” ينبغي أن يكون حريصاً على “العيش المشترك” وأمينة على التضامن اللبناني اللبناني, في وجه مخططات حزب الله الذي يهدف إلى تثبيت الإحتلال الإيراني. هذا الإحتلال لا يأخذ مداه فقط من قدرة السلاح وحده، بل كذلك من تعقيم وتعطيل كل الطوائف في لبنان.
أ
معاً من أجل القدس
“أتمنّى أن يتمكّن مؤمنو الشرق الأوسط أن يصبحوا هم أنفسهم حجاجاً في هذه الأماكن التي قدّسها الربُّ نفسه، ويستطيعوا الوصول بحرية وبدون تقييد إلى الأماكن المقدسة. إلى ذلك فلتساعد زيارات الحج… في مؤازرة وتشجيع الجماعات المسيحية على البقاء بأمانة وإقدام في هذه الأراضي المباركة.”
من الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس
الكنيسة في الشرق الأوسط
لقداسة البابا بنديكتس السادس عشر
أيلول 2012
أيلول 2012
نحن الموقّعين على هذا البيان، نرحب أجمل ترحيب بزيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية، قداسة البابا فرنسيس، للأراضي المقدسة في فلسطين المحتلّة، كما يُسعدنا أن يستقبله أهلنا في فلسطين، وعلى رأسهم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة مع إخوته أحبار الكنائس الشرقية، ورئيسُ دولة فلسطين مع مفتي القدس والديار الفلسطينية، إلى مؤمنين يهود لم تطوّعهم عنجهية الحكم الاسرائيلي وخطَّته العنصرية.
إن هذه الزيارة المباركة، فضلاً عن كونها حجّاً يجسّد الارتباط الروحي الوثيق والدائم بجذور المسيحية والأماكن التي شهدت أحداث الخلاص، لهي دعمٌ أكيد وعظيم الشأن لصمود أهلنا في الأراضي المحتلة، مسيحيين ومسلمين ويهوداً غير متصهينين. فقداسةُ القدس لا تنفكُّ عن كرامة إنسانها وثباته على أرضه، كما أن زيارة السجين ليست بحال من الأحوال تأييداً للسجَّان، على قول بيان “التجمّع الوطني المسيحي في القدس” بتاريخ 8 أيار الجاري.
كذلك فإننا نشدّد، مع البيان المذكور، على أن “مقاطعة القدس والمقدسيين، بذريعة مقاطعة الاحتلال، ما هي إلا موقفٌ سلبيّ عقيم، يخدم مخططات الاحتلال التهويدية، عبر المشاركة في حصارها وعزل أهلها، بصرف النظر عن تبريرات هذه المقاطعة ودوافعها السياسية، أكانت مجرّد مزايدات أو مواقف أيديولوجية”.
إن المواقف الايديولوجية المعترضة تقول بالفم الملآن: إنما خُلق الإنسانُ من أجل السبت، ولم يُخلق السبتُ من أجل الإنسان! لذا نقول لهؤلاء: كفى ابتزازاً لقضايانا وأهلنا، بشعارات تزايد على جراح الشعب الفلسطيني، ولا ترضى له إلا النَّزْفَ الدائم على خشبة الصليب! إنه لمن غير العروبي، وغير الإنساني، وغير الإسلامي، وغير المسيحي، وغير الأخلاقي، وغير الحقّاني، أنْ ينبريَ أحدٌ باسم هذه القيم ليقول للشعب الفلسطيني: أنا أحدّدُ لك مطالبك والطريق إليها!
إننا ننظر إلى هذه الزيارة وما سبقها من كلام الإرشاد الرسولي الخاص بسلام الشرق الأوسط (لا سيما تحت عنوان: الصلاة والحج)، على أنها بمثابة اقتحام مسيحي، بالسلام والمحبة والشركة والرجاء، لجدران السجن الاسرائيلي الذي يأسر أهلنا في فلسطين، مثلما يأسر سلام الشرق الأوسط برمّته. وهذه إشارة كبرى – على ما نرى ونرجو – لعزم الكنيسة الجامعة على حماية الوجود المسيحي في الشرق، باعتباره مكوّناً أصيلاً في هوية المنطقة الثقافية والحضارية، كما على استعادة الحضور المسيحي باعتباره رافعةً أساسية من رافعات النهوض العربي المرتجى. وبالمناسبة قد يؤسفنا أننا لم نسمع حتى الآن دعوةً إسلاميةً عربية صريحة لجميع المسلمين في العالم كي يحجّوا بصورة دائمة إلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، من أجل أن تكون القدس مدينةً مفتوحة لجميع المؤمنين، دونَ ترهيب سياسي أو ايديولوجي أو عنصري!
إن الوجود المسيحي في الشرق الأوسط “ليس عرضياً أو حديثاً، وإنما هو تاريخي”، على ما جاء في الإرشاد (مقطع 24)، أو على قول بعض الآباء اللبنانيين: “نحن نمثّل أعتق ما في هذا الشرق وأحدثَ ما في الغرب”، أي الأصالة والتجدُّد (الأب ميشال حايك). لذا “من واجب المسيحيين وحقّهم المشاركة التامة في حياة أوطانهم، كما ينبغي أن يتمتّعوا بمواطَنة كاملة، لا أن يُعامَلوا كمواطنين أو مؤمنين من درجة ثانية” (مقطع 25). وإذا كان حقُّهم هذا يرتّب واجباً على شركائهم المسلمين – ليس بوصف هؤلاء الأكثر عدداً، وإنما من باب “مسؤولية الجميع عن بعضهم بعضاً أمام الله والتاريخ” (مقطع 31) – فإنه يرتّب على المسيحيين العرب أنفسهم واجب المثابرة على المطالبة بالحقّ، دون فتور أو نزعة انسحابية، مهما كانت الصعوبات.
غير أن موضوع السلام في الشرق الأوسط لا يفترض المحافظة على الوجود المسيحي فحسب، بل يتطلَّب أيضاً وخصوصاً الحرص على الحضور والفاعلية. ذلك أن اقتصار الحرص على الوجود، مجرَّد الوجود، قد لا يعصم المسيحيين من خطر التهميش مع تطور الأحوال بمتغيّرات كبرى (من مثل تحولات “الربيع العربي”) وما لم يواكبوا هذا التطور ويشاركوا في رسم آفاقه.
ومما يدلّل على اهتمام الكنيسة بالحضور، وليس بمجرّد الوجود، استحضارُ الإرشاد الرسولي في أيلول 2012 مثالَ دور المسيحيين العرب في القرن التاسع عشر، حيث يقول: “وكما كانت الحال في الماضي، إذ كانوا من روّاد النهضة العربية، وكانوا جزءاً لا يتجزّأ من الحياة الثقافية والاقتصادية والعلمية لمختلف حضارات المنطقة، ها هم يرغبون، اليوم وعلى الدوام، في مقاسمة خبراتهم مع المسلمين، مقدّمين إسهاماتهم الخاصة” (مقطع 25).
إن هذا التشديد على الحضور والفاعلية المسيحيّين في المنطقة يلتقي مع مواقف المرجعيات الإسلامية السَّمْحة والمتنوّرة، لا سيما الأزهر الشريف، انطلاقاً من حرصها على إسلام معافى، وعلى شراكة متكافئة مع المسيحيين، سواءٌ في إطار عروبة حضارية أو في رحاب الإيمان الإبراهيمي الكبير. وفي هذا الصدد تحضرنا كلمات الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين في وصاياه الأخيرة: “وأنا أرى أنَّ من مسؤولية العرب والمسلمين أن يشجّعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفاعليتها ودورها في صنع القرارات، وفي تسيير حركة التاريخ، وأن تكون هناك شراكة كاملة في هذا الشأن بين المسلمين والمسيحيين في كل أوطانهم وفي كل مجتمعاتهم” الوصايا، ص. 50).
لتكن هذه المبادرة الفاتيكانية مساهمةً فعّالة في حماية القدس من التهويد، وفاتحةَ حضورٍ مسيحي مستَحقّ، ودعماً لحق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم، وانتصاراً لقيام دولة فلسطين المستقلّة.