أين يقع الخيط الفاصل بين “الشخصية” المتعصّبة المؤمنة بالعنف “بحد ذاته ومن أجل ذاته” (مثل “القومي السوري” الذي أصبح بصورة طبيعية “مناضلاً” في جبهة وديع حداد!)، و”المناضل”، أو “الناشط”، أو “الكاتب”، الذي يؤمن بـ”قضية” تستحق النضال، سلماً بالدرجة الأولى، أو بالعنف “إضطراراً” فقط؟ وما هو “الأذى” الذي تسبّبت به الشخصيات الإرهابية، من “بول بوت” في كمبوديا، إلى “كارلوس” و”الجيش الأحمر الياباني” المتولّد من “الجبهة الشعبية-وديع حداد” في لبنان بالذات؟ “الأذى” ليس فقط لأشخاص أبرياء، بل ولـ”أوطان” مثل لبنان، الذي تقاسمه نظام الأسد مع “المنظمات”، والذي يحتله الآن “الذراع الإرهابي” أيضاً لنظام الملات!
عدا “الحزب” الإيراني، هل يصدّق أحد اليوم أن “الثورة (أو السلطة) تخرج من فوهة البندقية”.. الروسية الصنع؟
موضوع يستحق النقاش، خصوصاً أن مشروع تدمير إسرائيل نجح في “تدمير” سوريا والعراق ولبنان واليمن وإيران، ونجح بصورة خاصة في “استئصال” فكرة الديمقراطية والليبرالية التي “زرعها الإستعمار” في بلدان الشرق الأوسط!
“الشفاف” يشجّع النقاش حول هذه المسائل. المجال مفتوح.
ب.ع.
*
انتهت محكومية مؤسسة “الجيش الأحمر” الياباني فوساكو شيغينوبو التي اشتهرت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بتخطيط لعمليات احتجاز رهائن، ويشتبه بأنها كانت وراء عملية مطار اللد في تل أبيب.
أُطلق اليوم السبت (28 كايو/ايار 2022) سراح فوساكو شيغينوبو مؤسِّسة “الجيش الأحمر” الياباني الذي زرع الرعب خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين باسم الدفاع عن القضية الفلسطينية، بعدما أمضت عقوبة بالسجن لمدة 20 عاما في اليابان.
وأوقفت فوساكو (76 عاما) التي كانت تُلقب بـ”الملكة الحمراء” أو “إمبراطورة الإرهاب” في العام 2000 في بلدها الأصلي حيث عادت سرا بعدما عاشت 30 عاما في الشرق الأدنى. وهي أعلنت حل الجيش الأحمر الياباني من زنزانتها في 2001.
وخرجت شيغينوبو من سجنها في طوكيو واستقلت سيارة سوداء مع ابنتها ماي بينما حمل العديد من مناصريها لافتة كتب عليها “نحن نحب فوساكو”.
وقالت شيغينوبو للصحافيين بعد إطلاق سراحها “أعتذر عن الإزعاج الذي تسبب فيه اعتقالي لكثير من الناس”. وأضافت “مضى نصف قرن (…) لكننا تسببنا بآلام لأشخاص أبرياء لا نعرفهم عبر إعطاء الأولوية لمعركتنا، مثل احتجاز مدنيين رهائن”.
وحُكم على هذه اليسارية المتطرفة التي دعت إلى الثورة العالمية من خلال الكفاح المسلح، عام 2006 في اليابان بالسجن 20 عاما لتنظيمها عملية احتجاز رهائن في السفارة الفرنسية في هولندا في 1974 استمرت مئة ساعة.
وأدت عملية احتجاز الرهائن التي لم تشارك فيها فوساكو شيغينوبو بشكل مباشر إلى جرح عدد من رجال الشرطة وأجبرت فرنسا على إطلاق سراح أحد أعضاء الجيش الأحمر الياباني.
تواصل الشرطة اليابانية البحث عن سبعة أعضاء سابقين في الجيش الأحمر الياباني، بمن فيهم كوزو أوكاموتو، الناجي الوحيد من مرتكبي مجزرة مطار اللد قبل 50 عاما والذي حصل على حق اللجوء السياسي في لبنان.
خلال هذه الأحداث في لاهاي، أسفر هجوم بقنبلة يدوية في متجر “دراغستور بوبليسيس” في باريس عن مقتل شخصين وإصابة 34 آخرين بجروح.
وحُكم على إيليتش راميريز سانشيز المعروف باسم كارلوس، بالسجن مدى الحياة في أيلول/سبتمبر 2021 بسبب هذا الهجوم.
وكان الجيش الأحمر الياباني مقربا من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي أصبح كارلوس من أذرعها المسلحة في أوروبا.
ويُعتقد أن شيغينوبو تقف وراء التخطيط لعملية مطار اللد في تل أبيب التي أسفرت في 1972 عن مقتل 26 شخصا وإصابة حوالى 80 آخرين بجروح.
من تكون شيغينوبو؟
وُلدت شيغينوبو لأسرة فقيرة في طوكيو عام 1945 في حقبة ما بعد الحرب، وكانت ابنة ضابط شارك في الحرب العالمية الثانية وعمل بقّالا بعد هزيمة اليابان.
وبدأت رحلتها مع الشرق الأوسط عن طريق الصدفة عندما مرت وهي في العشرين باعتصام في إحدى جامعات طوكيو بينما كانت تشهد اليابان تحركات طلابية في الستينات والسبعينات للاحتجاج على حرب فيتنام وخطط الحكومة اليابانية للسماح للجيش الأميركي بالبقاء في البلاد.
وسرعان ما انخرطت شيغينوبو في الحركة اليسارية وقررت مغادرة اليابان وهي في سن الخامسة والعشرين، واتخذت اتجاه الفرع الدولي لمجموعة ثورية يابانية زالت بعد بضع سنوات، ثم أسست الجيش الأحمر الياباني في لبنان في 1971 حيث استقبلتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
قالت شيغينوبو في كتاب أهدته لابنتها الوحيدة المولودة عام 1973 في لبنان من علاقة مع أحد ناشطي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “في البداية، لم أكن مؤيدة للعرب أو معادية لإسرائيل. لكن (في ذلك الوقت) كان للقضية الفلسطينية صدى فينا، نحن الشباب الذين عارضوا حرب فيتنام والذين كانوا متعطشين للعدالة الاجتماعية”.
وتعيش ابنتها ماي شيغينوبو في اليابان منذ 2001. وقد جاءت فورا للدفاع عن والدتها ودعمتها طوال فترة احتجازها.
من دون أن تقر بتورطها في عملية احتجاز الرهائن في لاهاي، أعربت فوساكو شيغينوبو عن أسفها في السجن بسبب الكفاح المسلح لتحقيق مُثلها الثورية. وقالت في رسالة إلى صحيفة “جابان تايمز” في 2017 “آمالنا لم تتحقق وكانت النهاية قبيحة”.
وأضافت “أعتقد أن اليابانيين الآن أصبحوا أقل اكتراثا بالقضايا السياسية (…)، وأعتقد أن أفعالي وأفعال آخرين (ثوار يابانيون) ساهمت في ذلك”.
وحتى أواخر الثمانينات، نفذ الجيش الأحمر الياباني عمليات احتجاز رهائن وخطف طائرات وعمليات سطو على مصارف وهجمات على سفارات في آسيا وأوروبا. لكن الخلافات الداخلية مزقت المنظمة التي فقدت نفوذها تدريجا، حتى حلّها في 2001.
ع.ا/ف.ا ( أ ف ب )