خاص بـ «الشفاف »
يتذكر اللبنانيون عددا من الاطباء، الذين غلبّوا انسانيتهم على مهنتهم، فأطلقوا عليهم تسميات من نوع “طبيب الفقراء” او “طبيب المساكين“، او “طبيب الشعب“!
ومن ابرز هؤلاء الاطباء الدكتور رشيد معتوق من اوائل الذين الذين انضموا الى صفوف الحزب الشيوعي، من قرية « كفرحلدا » في جرود قضاء البترون، الذي كان يجمع المال من العراق ثم يأتي الى منطقته ليعاين ويطبب ويداوي المزارعين مجانا. ومنهم الدكتور عبد المجيد الرافعي، القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي فرع العراق، من طرابلس، ولا زال اهالي المدينة يتذكرونه حاملا سمّاعته وقاصدا عيادته سيرا على الاقدام، وهو طريق كان يستهلكه وقتا طويلا لان الرافعي كان يعاين المرضى على الطريق وفي مداخل الابنية وعلى “درج الرفاعية“.
ومنهم ايضا الدكتور الدستوري، انطون سعيد الذي توفي على دين كبير، والطبيب الكتلوي البير مخيبر الذي كانت عيادته مقصدا لابناء منطقته والجوار من الذين لا يملكون بدل معاينة او ثمن دواء.
واليوم طبيب الفقراء الامين على رسالة وقسم “أبوقراط” الطبي بقدر امانته على الحريرية السياسية، بعد تجربة يسارية متطرفة في شوارع طرابلس وأزقتها.
من افقر احيائها، « باب التبانة »، خرج الطبيب الجراح مصطفى علوش، ومن تظاهراتها التي شارك في معظمها، الى ساحات العمل الوطني في ظلال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن بعده الى جانب الرئيس سعد الحريري، لم يتخلف الطبيب الجراح عن واجب سياسي، ولم يسأل يوما عن مردود، ولا عمولة.
مصطفى علوش، بقي الوحيد الذي يجيب على هاتفه، من كل قيادات التيار الازرق! يحاور، يناقش، حتى وهو يجري عمليات جراحية، لا يتخلف عن وسيلة اعلامية يوضح مواقف « تيار المستقبل »، يطلق تفسيراته نيابة عن رئيس التيار المتواجد–الغائب، عن الساحة السياسية، قبل قرار تعليق العمل السياسي وبعده. هذا، في حين اقفل قادة التيار هواتفهم، في انتظار كلمة سر، لم تأتِ، ولن تأتي، بعد ان استقر رئيس التيار في ابو ظبي، وعلّق كل انشطته السياسية.
وعلى الرغم من محاولات عدد من مسؤولي التيار التمسك بقرار تعليق العمل السياسي، والتسويق له، إلا أن هدوء ما بعد عاصفة التعليق، أرخى بظلاله الثقيلة على واقع العمل الوطني والسياسي، في لبنان، في حين ان الحريري يتفرج من بعيد ولا يحرك ساكنا!
وحده الرئيس فؤاد السنيورة، الضنّين ايضا بما يسمّى « الحريرية السياسية »، يسعى لايجاد مخرج يقي التيار الازرق شرّ الانحلال التدريجي. فأيّ قيمة لتيار سياسي، علّقَ عمله السياسي؟ علماً انه كان علّق سابقا كل انشطته الاخرى الاجتماعية والاعلامية!
ومَن غير الطبيب الجراح، الذي يشرّح المواقف السياسية بمبضع الجراح ودقته، يلاقي الرئيس السنيورة في حمأة التكالب على أصوات المقترعين السُنّة؟ فكان مصطفى علوش خير رفيق للسنيورة في المشوار الجديد للحفاظ على الحريرية السياسية وانتشالها من براثن الاقربين، من جماعة تبييض الطناجر، والابعدين من الطامحين الى الانقضاض على كل ما بناه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما سعى الرئيس سعد الحريري للحفاظ عليه.
الدكتور علوش المحترم والامين الصادق، سعى للتوفيق بين التزامه بتيار المستقبل، وموقعه كنائب للرئيس، وبين مواجهة السلاح الايرني بيد حزب الله المتفلت في طول البلاد وعرضها. وأدرك أن الانتخابات النيابية تشكل فرصة اضافية للانقضاض على البلد وعلى ارث الحريرية السياسية، بتكريس هيمنة السلاح وتشريعه.
محاولة التوفيق لم تنجح! حيث انقضّت على الطبيب، جوقة المزايدين من تيار المستقبل، وصولا الى حملة تخوين ارتدّت سلبا عليهم. ونسي هؤلاء وتناسوا كل تضحيات الطبيب الخلوق في سبيل التيار ورئيسه، وكل نضالاته الحريرية، الامر الذي دفع بالدكتور مصطفى علوش الى وضع استقالته من التيار بيد رئيسه سعد الحريري، الذي قبل الاستقالة مُطلِقاً يد علوش في التحرك سياسيا وفق ما يراه مناسبا! وفي الوقت نفسه، دعا الحريري الى وقف حملات التخوين في حق اي مسؤول في تيار المستقبل يريد المشاركة في الانتخابات النيابية ترشيحا او اقتراعا، بعد ان يكون قد استقال من مهامه الحزبية في التيار.
ولكن على الطريقة اللبنانية، الحريري ارتضى بالهمّ، ولم يرتضِه بعض جمهوره من المزايدين الذين يريدون تنفيذ قرار التعليق بحذافيره من دون حتى مناقشة تداعيات هذا القرار على التيار وعلى البلد!
محنة الطبيب في صدق التزامه، في انتخابات العام 2009 النيابية، وفي عز تداعيات صفقة ما سمي “السين–سين“، بين السعودية وسوريا، والتي كانت اول مسمار في نعش قوى 14 آذار، من خلال احد ابرز بنودها، استبعاد من عرفوا بـ« صقور” 14 آذار، عن اللوائح الانتخابية، فكان الدكتور مصطفى اول المبعدين، الى جانب الدكتور فارس سعيد والراحل سمير فرنجيه والياس عطالله وسواهم. فارتضى الدكتور علوش، الانكفاء، بعد ان كان افتتح مكاتب انتخابية في مدينة طرابلس، بناء على اتصال مع الرئيس سعد الحريري، ليترك وحيدا في معركته الانتخابية، إلا أن علوش أدرك وحدانيته الانتخابية، فسارع الى إقفال مكاتبه، وعاد الى صفوف التيار الازرق مناضلا، من دون ان “يحرَد“، او يعاتب.
في الانتخابات الاخيرة، التي جاءت عقب التسوية الرئاسية المشؤومة، وقف علوش ضد التسوية من داخل صفوف التيار، بعد ان كان انتخب عضوا في المكتب السياسي للتيار، وتم تعيينه نائبا للرئيس، وبقي امينا على رسالة الحريرية السياسية من داخل صفوفها، يدافع ويدوّر زوايا لابقاء نبض التيار الازرق الذي اصيب بصدمة التسوية الرئاسية، وتجند علوش في حملة النائبة المستقيلة “ديما جمالي” النيابية، يشارك في اللقاءات الانتخابية لجمالي، ويحث الناخبين غير المقتنعين بترشيحها على التصويت للتيار وخياراته الانتخابية التي استبعدته لدورتين انتخابيتين، من دون وجه حق.
زاهد مصطفى علوش بالمناصب، مع انه كان احق بتولي حقيبة وزارية، نيابية عن التيار الازرق، الامر الذي لم يسأله فيه احد! ولو سُؤل لكان رفض، لأن الوزراة ستبعده عن معالجة المرضى الذين هم في حاجة اليه بينهم، اكثر من حاجتهم الى وجوده على رأس حقيبة وزارية سيكون فيها مثيرا للشغب بطبعه الرافض للتسويات والمبادلات النفعية بين الوزراء.
مع قرار التعليق السياسي، في صفوف التيار الازرق، وجد الجراح الامين، ان التيار سيضمحل بعد اربع سنوات، متفقا في الرؤية مع الرئيس السنيورة، وان الاغلبية النيابية ستتعزز لدى خصوم التيار. وأن اربع سنوات من تعليق العمل السياسي ستكون كافيه لينسى الناس كل الجهد الذي بذلته الحريرية السياسية منذ اول يوم وطأت فيه أقدام الرئيس الشهيد لبنان وصولا الى قرار التعليق، بكل نجاحاتها وخيباتها.
ولأنه سياسي ورؤيوي رفض ان تترك الساحة السياسية لحزب الله، وهو الذي يعارضه بشدة، ويقف بوجه سلاحه وهيمنته بقوة، ورفض التسوية الرئاسية التي جاءت برئيس موال للهيمنة وسطوة السلاح. فقرر مع كثيرين الحفاظ على الحريرية وحمايتها من قرار التعليق، وترك المعلقين ينسجمون مع انفسهم، ويلتزمون بقرارهم. ولكن جمهور التيار الازرق لن يكون نهبا لا لحزب الله ولا لحلفائه، ومَن غير السنيورة ومصطفى علوش، ومن يشبههم، قادر على الحفاظ على هذا الارث الكبير، من التهاوي والتهالك.
غريب امر المزايدين من التيار الازرق، لو لم يكن في صفوفهم فؤاد السنيورة ومصطفى وعلوش، لكان عليهم البحث عنهما، لا تخوينهما مجانا!
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، سيكون للسنيورة ومصطفى علوش لوائح انتخابية في كل لبنان، تكون بمثابة حافظة للدور والمكانة للحريرية السياسية، وبعد ان ينجلي قرار التعليق، ويتم تعليقه. سيكون هؤلاء استكمالا لما بدأه الرئيس الشهيد، وواق من عثرات التسويات وخيباتها وتداعياتها الكارثية على التيار الازرق والبلاد.
وسيعرف الشتامون والمخونون حجم الخطا الذي ارتكبوه.
تخوين السنيورة ومصطفى علوش، لصالح اللاشيء، فيه جهل وقلة معرفة ودراية، وقلة وفاء لمن رافق الرئيس الشهيد وكان خير امين الى جانب الرئيس سعد الحريري.
وهل يعلم الذين ينتقدون استقالة الدكتور علوش ويتهمونه بمخالفة قرار الإنكفاء ، هل يعلمون باجتماع أحمد الحريري وأحمد هاشمية والبحث في تشكيل لائحة سرية في بيروت الثانية ؟ هل يفكرون بما يعنيه هذا التصرف ؟ إنه مؤامرة على الصوت السني لتشتيته لمصلحة أعداء تيار المستقبل . هل يعلم هؤلاء بمضمون زيارة أحمد الحريري إلى بعلبك ولقائه بالأمين العام لحزب البعث علي حجازي ؟ إذا كانوا يعلمون فليخبرونا
الله ينصرك دكتور وأما معك ومصالح انتخب غيرك