في الثامن والعشرين من شهر حزيران/يونيو من العام 2015، انتخبت الهيئة العامة التحضيرية لـ « المجلس الوطني لقوى 14 آذار » النائبَ الراحل سمير فرنجية رئيسا للمجلس بعد جلسات نقاش لتحديد وظيفة المجلس والغاية منه والاهداف الكامنة وراء إنشائه.
حقيقة ذلك المجلس ان الراحل سمير فرنجيه، مبتكر المبادرات والخلاق في تدوير الزوايا، أدرك عمقَ ازمة قوى 14 آذار، في تلك المرحلة، بعد ان غادرها وليد جنبلاط، وغاب عنها الحضور الفاعل للرئيس سعد الحريري، وراح كل طرف فيها يبحث عن تسوية على حسابها! من دون أن يجرؤ اي طرف، حتى يومنا هذا، على التنكر لدماء وشهداء تلك القضية التي جمعت اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، فوق جثة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فعملوا لتحقيق الاستقلال الثاني بخروج جيوش الاحتلال السوري من لبنان.
أدرك فرنجية عمق ازمة قيادات قوى 14 آذار، فحاول الخروج بصيغة تبقي على الحد الادنى من الحزبيين، او مظلة الاحزاب فوق قوى 14 آذار من المستقلين وغير الحزبيين، في اطار غير حزبي، تشاوري، تحت مسمى “المجلس الوطني لقوى 14 آذار“، كي يحافظ على « أمانة الدم »، وكي لا تضيع قضية شعب 14 آذار في تسويات ومطامح ومطامع هذا الفريق او ذاك.
انطلقت فكرة المجلس الوطني من مكتب الامانة العامة لقوى 14 آذار، في الاشرفيه، وعمل رفيق دربه الدكتور فارس سعيد على الاتصال بالقوى الحزبية المنضوية في إطار 14 آذار كافة للمشاركة في الاجتماعات التحضيرية لاطلاق عمل المجلس. واستطاع « سعيد » انتزاع موافقة جميع الاحزاب على المشاركة في الاجتماعات التحضيرية وفي المجلس على حد سواء.
ما فات سعيد وفرنجيه يومها، او لعلهما أدركاه، ان « حزب القوات اللبنانية » لم يكن من المتحمسين لانشاء هذا المجلس، في حين ابدى تيار المستقبل حماساً له، مقابل غياب الحزب الاشتراكي عن الاجتماعات التحضيرية ومشاركة النائب مروان حماده! ومحاضر الاجتماعات في تلك الفترة ما زالت تشهد على محاولات إفراغ المجلس من مضمونه، وصولا الى تسميته « محلس وطني لمستقلي 14 آذار »! فتتبرّأ الاحزاب من المجلس عند الضرورة وتدعي أبوّتها له عند الحاجة!
حقيقة الامر في تلك الفترة ان الاحزاب لم تكن ترغب باعطاء اي دور للمستقلين، وسعت الى استلحاقهم باطاراتها الحزبية او تهميشهم.
انتُخِبَ سمير فرنجيه رئيس للمجلس الوطني، ولكنه لم يستطع التقدم خطوة واحدة الى الامام في مجال خلق الاطر المنظمة لعمل المجلس ولا لجان عمله، التي أقرت في الاجتماع الانتخابي والجلسات التحضيرية. وذلك لاسباب عدة، ابرزها الخلافات التي نشبت في وجه فرنجيه حول « من سيتبوأ رئاسة هذه اللجنة او تلك »، فضلا عن سعي من يسمون انفسهم “الشيعة المعارضين” لسطوة حزب الله، للفوز بدور اكبر من حجمهم كـ« تعويض لهم » على مناصبتهم الخصومة السياسية لـ « حزب الله »!
سعى فرنجيه بما كان يكنه له الجميع من احترام، الى لملمة ما يمكن لملمته، إلا أن التسويات الرئاسية كانت سبقت اي محاولة لفرنجية لاعادة لملمة صفوف قوى 14 آذار.
فبدأت مفاوضات « النوايا الحسنة » بين « القوات » و« التيار العوني »، التي افضت الى انتخاب ميشال عون رئيسا بعد 16 شهرا من تأسيس « المجلس الوطني »، تخللها عتاب علني في مناسبة 14 آذار، في العام 2016، بين زعيم المستقبل ورئيس القوات في مهرجان المستقبل إحياءً للمناسبة.
كما ان ظروف مرض فرنجيه، الذي كان بدأ يشتد عليه، وترقّب نتائج التسويات الرئاسية حالا دون نجاح مبادرته الاخيرة قبل وفاته.
خطيئة الساعين الى المجلس الوطني لقوى 14 آذار، انهم ارتضوا ان يكونوا رهينة للاحزاب، بحيث انبرى المسؤولين في تلك الاحزاب الى التهكم على المشاركين، ونعتهم بـ« المستقلين » تارة، وبالتهكّم على « تمثيلهم الشعبي » طورا، وأن قرار قوى 14 آذار كان، ويجب ان يبقى، في عهدة قادة الاحزاب! فإذا اتفقوا، بقيت تلك القوى حية، وإذا اختلفوا دفنوا المجلس وما كان يعرف بـ« قوى 14 آذار »!
كيان سياسي مستقل.. ومستمر!
مناسبة الكلام، الدعوة الى مجلس وطني جديد، بعد أيام، لرفع وصاية ايران واحتلالها المقنّع عن لبنان، ودعوة صريحة للمنظمين والمشاركين الى الافادة من اخطاء المجلس السابق وعدم الوقوع في فخ المحظور والارتهان للاحزاب، وتمثيلها وقدراتها الشعبية! وخير دليل على ذلك، الاثر الذي تركه لقاء “قرنة شهوان“، في حين كانت الاحزاب تعاني الملاحقة والتشريد والسجن والنفي، فكان اللقاء ضميرا لبنانيا صرفا هيأ الارض لاجتماع اللبنانيين في 14 آذار، وكان صلة وصل بين الفرقاء اللبنانين وصوتهم الصارخ في لبنان والخارج.
المطلوب من المجلس الوطني الجديد، ان لا يقبل بأقل من السعي لقرار اممي، لا يقل حضورا وسطوة ونفوذا عن القرار 1559.
المطلوب منه ان يكون شخصية مستقلة، لا لاعباً بين الاحزاب، ولا « منسّقا » بين طموحاتها لتعمل على انتقاء من تريد منه ورفض من لا تريد.
المجلس المرتقب، يجب ان يكون كيانا سياسيا، وأن يكون أعضاؤه « أولياء القضية اللبنانية »، فوق التسويات المصلحية لهذا الحزب او ذاك، لا مطية يستفيد منها رئيس هذا الحزب او ذاك! وفي حال أرادت الاحزاب المشاركة، فعليها ان تشارك وفق شروط المجلس وليس وفق شروطها واحجامها وحساباتها المحلية في انتخابات اختيارية او بلدية او حتى نيابية، فتستفيد منه لتعزيز حصصها في التركيبة اللبنانية الحالية او المستقبلية.
إن على المجلس ان يحمل هم تحرير لبنان من وصاية ايران واحتلالها المقنع للبنان. وأن لا « ينكفىء » بعد تحقيق ذلك الإنجاز الوطني العظيم لصالح هذا الحزب او الفريق السياسي او ذاك! بل يجب ان يظل في المشهد الوطني، على المستويات كافة!
فبعد الإنجاز العظيم، إنجاز رفع الإحتلال الإيراني عن لبنان، ستأتي مرحلة البناء الديمقراطي الحديث! وسيكون لتلك المرحلة القادمة « إشكالياتها » أيضاً، وستفرز « قياداتها الجديدة » ايضاً. هنا ايضا يمكن لـ« المجلس الوطني » أن يكون إطاراً تعمل من خلاله أجيال شابة على بناء لبنان ديمقراطي وحديث.
باختصار، يصعب تصوّر أن « الزهد السياسي » أو « الإنكفاء » لصالح أي من « الأحزاب » (التي تعتبر الآن أن « الإنتخابات هي الحل »!) سيكون مطروحاً في مرحلة الإستقلال الثالث! بالعكس!
*
إقرأ أيضاً:
محنة سعد الحريري!