بدأت تتكشف الغيوم والضوضاء التي احاطت بحوادث عين الرمانة الاسبوع الماضي في العاصمة اللبنانية بيروت! ومع انقشاع الرؤية، تظهر تباعا جملة حقائق تدحض المغالطات، والتسرع في الحكم والاستنتاجات، على ما رافق تلك الاحداث من تداعيات سوف ترخي بظلالها على السياسة اللبنانية حتى إشعار آخر.
في الوقائع، أن لا « قناصين » قاموا باطلاق النار على المتظاهرين!
فالجيش اوقف من قال إنه « مساعد قناص”، ثم اطلق سراحه لاحقا، ليتبين انه « ناطور بناية » من الجنسية السورية فتحَ مدخل البناية لعناصر من مخابرات الجيش، قاموا باستطلاع البناية. ثم، لاحقاً، دخل عناصر من الجيش الى البناء واقتحوا شقة خالية، ولم يثبت وجود اي قناص فيها. كما ان « ناطور البناية » أكد اكثر من مرة، في حديث مع إحدى المحطات التلفزيونية، ان البناء المستهدف بقطنه مواطنون شيعة! وتالياً، هناك استحالة لوجود « قناص » فيه يطلق النار على متظاهرين يصرخون بتوتّر موصوف، “شيعة شيعة شيعة“!
فرضيات وجود « قناصين » لم يتم اثباتها الى اليوم! كما ان جميع الفيديوهات واللقطات المصورة التي تم تصويرها اثناء الاحداث كانت تظهر المسلحين الشيعة وهم يطلقون النار عشوائيا على بنايات اتضح لاحقا انها مأهولة بمدنيين ولا وجود لمسلحين فيها. هذا، في حين لم يُظهر اي فيديو لقطة واحدة لمسلحين او حتى اماكن تمركز « قناصين » يطلقون النار.
دور الجيش؟
سقوط فرضية القناصين تزامن مع تسريب فيديو يظهر ان احد عناصر القوى الامنية اطلق النار على المتظاهرين في احد زواريب عين الزمانة فأرداه، ثم ساد هرج ومرج، واخلي الشارع من المسلحين ومن عناصر القوى الامنية. واعلنت قيادة الجيش ان العنصر الذي اطلق النار تم توقيفه وهو يخضع للتحقيق.
يتدوال بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مسجل من كاميرا مراقبة في محلة الطيونة لجندي من الجيش اللبناني اثناء كمين اول امس و "هو يقوم باطلاق النار على مواطن غير مسلح" فيما يُتأكد من صحة الفيديو ومن الفرضية او التحليل المتداول بانتظار اصدار بيان من الجيش يوضح فيه حقيقة الامر. pic.twitter.com/BPFHOpcrHT
— موقع جنوب 24 (@janoub24website) October 16, 2021
وفي الوقائع ايضا، ان تظاهرة الثنائي المعترضة على استمرار تولي القاضي بيطار التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، انقسمت الى شقين: واحد لعناصر « حركة أمل »، والثاني لعناصر “حزب الله“.
وفي حين تجنّب عناصرُ الحزب المرور في مناطق المسيحيين، عبر سلوك مسار “سباق الخيل“، نحو مقر العدليه، انتشر عناصر “حركة امل” بشكل عشوائي، في الازقة والزواريب المؤدية الى العدلية، ودخلوا في زواريب احياء ضاحية “عين الرمانة” التي تقطنها غالبية مسيحية، توالي الاحزاب المسيحية خصوصا حزب “ألقوات اللبنانية“، الذي له نفوذ كبير في المنطقة، وكذلك « حزب الكتائب » وبعض العناصر من الموالين للتيار العوني.
وفي الوقائع ايضا ان القوى الامنية كانت اتخذت تدابير فصل بين المتظاهرين وامكان دخولهم او تعرضهم للمنطقة المسيحية، مع تطمينات بأن التظاهرة سلمية، ولن تتوجه الى مناطق المسيحيين، الذين يدعمون بقاء القاضي بيطار على رأس عمله.
وفي الوقائع ان عددا من المتظاهرين يركبون دراجات نارية، دخلوا احد الازقة في عين الرمانة، ولا يعرف ما اذا كان دخولهم متعمدا، او لاختصار طريق العودة الى الضاحية الشيعية، وعمدوا اثناء مرورهم في الزاروب المسيحي، الى اطلاق شعرات استفزازية في حق ابناء الحي. فما كان من شبان الحي الا ان تجمعوا واوسعوهم ضربا ثم اطلقوا سراحهم، ليعودوا لاحقا مع قرابة مئتي مسلح خرقوا الحاجز الامني على مدخل الحي، وراحوا يعيثون فسادا في الشارع من تكسير سيارات وواجهات المحلات، واطلاق شعارات طائفية، فتصدى لهم ابناء الحي، والقوى الامنية على قلة عناصرها. فسقط اربعة جرحى من الحي المسيحي باطلاق نار عشوائي، في حين أن متظاهرين آخرين كانوا يحاولون اقتحام حي عين الرمانة، مدججين بالسلاح المتوسط والفردي، من اكثر من مدخل، ومن « شارع بدارو » المسيحي ايضا، على طريقتهم في اقتحام الشوارع. فتصدى لهم الاهالي الذين كانوا يترقبون اي انحراف لمسار التظاهرة، وعند « مستديرة الطيونة »، سُمع اطلاق نار، سقط فيه احد المتظاهرين، ثم تفلتت الامور من عقالها وبدأ اطلاق النار، بين المسلحين الشيعة، وآخرين مجهولين، سقط فيه سبعة مسلحين وثلاثة من المدنيين، وعدد غير محدد من الجرحى، أشارت معلومات الى انهم بالعشرات بين مدنيين كانوا يتواجدون في منطقة الاشتباك واهالي المنطقة والمسلحين.
المسلحون القتلى، توزعوا بين “حركة أمل” و “حزب الله“، في حين أشارت معلومات الى ان عددا من الجرحى حالتهم خطرة.
تعميم فرضية وجود « قناصين » بداية اندلاع الاشتباك، جاء على يد مراسلي وسائل الاعلام، الذين كانوا يغطون الاحداث. وربما كانت بتسريب مقصود، ليسهل اتهام حزب “القوات اللبنانية، بنشر « قناصين » على اسطح البنايات التي زُعم ان طلقات القنص انطلقت منها، لان للـ« القوات تواجدا حزبيا وازنا في المنطقة.
اتهام “ألقوات” سرى كالنار في الهشيم، على خلفية خلفية تصريح لرئيس الحزب سمير جعجع، عشية التظاهرة، حذر فيه من فرض إرادة الثنائي الشيعي في تنحية القاضي بيطار، ومشيرا الى ان “القوات” ستعترض سليما على هذا القرار في حال حصوله، من خلال الدعوة الى اقفال عام واقفال تام للبلاد.
رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، نفى في حديث تلفزيوني ان يكون حزبه قد نشر « قناصين » او مسلحين في عين الرمانة، مشيرا الى ان عناصر الحزب في المنطقة هم من ابناء المنطقة، وهم يرفضون ان يتم الاعتداء عليهم، الا انهم يولون امرهم للقوى الامنية فقط دون سواها.
« الحزب » يتوجّس من تفاهم ايراني-سعودي ومن « خيانة » باسيل!
معلومات تشير الى ان الثنائي الشيعي المأزوم، خصوصا “حزب الله” المتوجس من التسويات الاقليمية، والتقارب الايراني السعودي، يبحث عن تصريف فائض قوته الذي ظهر بعض منه في احداث عين الرمانه. وذلك، بعد ان تلقى في الاسابيع الماضية صفعتين داخليتين: في « خلدة » على يد « عشائر العرب »، حيث سقط له قتلى وجرحى، والثاني في بلدة “شويا” في قضاء حاصبيا، حيث اوقف مواطنون من الدروز راجمة صواريخ للحزب كانت عائدة من حفلة إطلاق دفعة صواريخ على اسرائيل.
وتشير المعلومات الى ان الحزب يتوجس من سلوكيات رئيس التيار العوني جبران باسيل، الذي يسعى محموما الى رفع العقوبات الاميركية عنه، من خلال تقديم اوراق اعتماد للادارة الاميركية. لذلك، اختار التمسك بالقاضي بيطار على رأس التحقيق خلافا لرغبة ثنائي أمل-حزب الله الذي طالبَ بـ« قبعِهِ » كما نُقل عن “وفيق صفا“، مسؤول ما يسمى “وحدة الارتباط والتنسيق” في الحزب الايراني.
تمسك باسيل بالبيطار، وعدم توقيع رئيس الجمهورية مرسوم فتح دورة للمجلس النيابي، ما يفسح المجال للقاضي بيطار، بالاستمرار في مطالبته بمثول النواب امامه، خصوصا علي حسن خليل وغازي زعيتر المحسوبين على حركة “امل“، حتى يوم غد الثلاثاء، اثار ريبة وتحفظ الثنائي، مما يخفيه باسيل، وعمه الرئيس! و
طبقا لما تشير المعلومات فإن الثنائي قرر توجيه رسالة صاعقة للتيار العوني من خلال استهداف المسيحيين في عين الرمانة، واتهام “القوات اللبنانية“، وتسعير الخلاف المسيحي – المسيحي، ما يعيد باسيل الى بيت الطاعة العوني. وريسالة دموية لايقاف الاعيبه والالتفاف على تحالف ما يسمى “مار مخايل“، بين التيار والحزب الايراني.
وتضيف المعلومات ان استهداف المسيحيين من قبل الثنائي يحرج حلفاء الحزب الايراني. ولذلك، استعان الحزب بهم خلال الاحداث. فكان اتصال صوتي، مع رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيه، خلال الاحداث، أشاد فيه الاخير بحكمة الحزب الايراني!! في حين ومن لا مكان، اتصل رئيس الجمهورية ايضا خلال الاحداث برئيس “ألقوات اللينانية” طالبا منه “وقف الاعيبه“، في عين الرمانة، في سعي من الرئيس لاتهام “القوات” بالتورط المباشر في تبادل اطلاق النار.
رئيس التيار العوني، جبران باسيل، بدوره، استكمل الهجوم على “القوات” في اليوم التاللي لاندلاع الاشتباكات، في خطاب القاه بمناسبة استسلام عمه وفراره الى سفارة فرنسا هربا من المواجهة مع الجيش السوري. فشن هجوما على “القوات” ورئيسها، مكرسا من جديد اعادة تموضعه، وخيّر اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، بين ما أسماه “مشهد مار مخايل »، و »مشهد الطيونة” على حد تعبيره.