سعادة حاكم البنك المركزي السيد رياض سلامة المحترم،
من الطبيعي ان تطلق قرارتك وتعاميمك جولات من النقاش والتعليقات لما لها من تأثير على حياة اللبنانيين عموما والمودعين منهم بشكل خاص، خصوصا مع بدء تطبيق التعميم 158 وانتهاء مدة التعميم 151، فضلا عن موضوع الدعم وآثاره والتباساته.
لا بد من الاقرار بداية بان التعميم 158 يحتوي على ايجابية ملموسة كونه يفرج عن “فريش” دولار للمرة الاولى منذ ان توقفت البنوك عن دفع الدولار للمودعين العاديين في اعقاب تخلف السلطة الفعلية عن دفع اليوروبوند في 9 أذار 2020.
اقول السلطة الفعلية لان حكومة حسان دياب شكلت واجهة لفائض القوة القاهرة في حارة حريك وبلاط بعبدا. واقول المودعين العاديين لان المودعين الاقوياء والشبيحة ما زالوا، وبالتواطؤ مع ادارات البنوك وتجاهل مقصود من البنك المركزي والقضاء وهيئة التحقيق الخاصة يحولون الاموال للخارج منذ اقفلت هذه البنوك ابوابها بوجه المودعين في ذلك اليوم الاسود. فقد تصرفت جمعية المصارف وكانها عصبة سرية تتهيأ للرد على تداعيات الانتفاضة البيضاء التي اخرجت الازمة من دهاليز السلطات المتصارعة والمتحاصصة الى الفضاء اللبناني الواسع.
وأود أن أطرح بعض الأسئلة والملاحظات على سعادة الحاكم:
1- لقد قسم التعميم 158 المودعين بالعملة الاجنبية قسمين بطريقة قسرية، معتمدا تاريخ 31 تشرين الأولى 2019 كمنطلق، علما ان الانهيار المتسارع في سعر العملة الوطنية ترافق مع التخلف عن الدفع، وقد ابتدعت انت شخصيا فكرة الاموال الجديدة لتخفيف حجم الصدمة. والغريب انك اعتبرت السبب في اختياركم هذا التقسيم ان الدولار المكون من الليرة بعد هذا التاريخ قد اصبح “لولارا”، علما ان التحويل للدولار قد تم بموافقة سلطة النقد التي ترأسها، وفي بلد يعتمد النطام الاقتصادي الحر ويقدس الملكية الفردية.
وعلى هامش هذا الموضوع نسأل، هل تحققت سعادتك او لجنة الرقابة على المصارف اذا كانت الاموال التي حولها شبيحة السلطة واقطاب البنوك الى الخارج بعد 31 تشرين الأول 2019 هي “لولار” او دولار؟ ام تحولت لجنة الرقابة على المصارف الى الرقابة على المودعين العاديين الذين مارست عليهم هذه المصارف اذلالا وسرقة، لا يماثلهم سوى سرقة واذلال السلطات الجائرة للمواطنين في البنزين والكهرباء وصولا للدواء والغذاء وكل ما يمت للحياة اليومية بصلة.
2- لنسلم جدلا مع سعادتك بأن 31 تشرين الأول 2019 هو اليوم الفاصل، كيف يحق لك ان تستثني الاموال الاجنبية المكونة قبل هذا التاريخ، والتي حولها اصحابها الى بنوك لبنانية أخرى او الى اشخاص آخرين بعده، خصوصا انه ترافق ذلك مع ارتباك المصارف وتصاعد مخاطرها وشح دولارها، فضلا عن اعتماد سقوف منخفضة للدفع بالليرة. فهل تتغير قيمتها بمجرد الانتقال من مصرف لمصرف أو من حساب لآخر؟ اي سلطة فرعونية هذه؟ وكيف يحق لك وللمجلس المركزي ان تغيروا قيمة اموال الناس بشحطة قلم؟
لنأخذ المثل التالي:
اذا كان لأحدهم بضعة حسابات في مصرف ما، بينها وديعة بالدولار قبل 31 تشرين الأول 2019 وحساب بالليرة وحساب بالدولار المحول بعد هذا التاريخ وراتب موطن في نفس المصرف (ملاحظة: لم يكن هناك تمييز بالدولار قبل التعميم 158 الا في الاموال الجديدة) والبنوك لا تدفع دولارات وللدفع بالليرة سقوف، ماذا يفعل صاحب الحسابات اذا استحقت وديعته الدولارية المذكورة؟ هل يضيفها الى الاموال الراكدة في المصرف، خصوصا اذا كان عنده التزامات؟ ما المعصية في تحويلها لبنك اخر؟ اليس تحويل الحسابات ضمن البنوك هو عمل مصرفي طبيعي؟
بعض المودعين باع شيكات مصرفية، والبعض اشترى عقارات او اوفى ديون وبالتالي تصرف بها على طريقته ولم تعد موجودة باسمه في المصارف. ولكن الأكثرية لم تدخل سوق الشيكات السوداء، كما صاحب المثل الذي حول وديعة لبنك اخر، فهل يعاقب بتغيير قيمتها واصلها وطبيعتها؟ علما ان مصارف كثيرة دخلت في تجارة الشيكات والعملة التي ادارها مودعون اقوياء ومحميون. وعوض مراقبة المصارف وتجاوزاتها في تعاملها مع المودعين انهمك جماعة البنك المركزي باحصاء انفاس المودعين العاديين ومراقبة كل دولار سحبوه وكل تحويل لاولادهم الطلاب قاموا به وكل قسط دفعوه.
بعض المصارف اجبرت بعض المودعين اغلاق حساباتها، ومعظمها حسابات بالدولار او بالعملة الاجنبية المقيدة قبل 31 تشرين الأول 2019، ما اضطرهم لنقلها وبشق النفس لبنوك أخرى، مما حرمهم من اعتماد التعميم 158 (أفضل استعمال كلمة اعتماد وليس استفادة لانه من المعيب ان نسمي استعادة جزء بسيط من الحقوق استفادة).
والأرجح أن يكون إعتماد التاريخ اعلاه كمعيار قياس الدولار عو عمل مقصود، نسق مع المصارف وقوى السلطة الجائرة التي لها جماعتها في المجلس المركزي اصلا، فضلا عن انه عمل غير دستوري ويقسم المودعين قسمين، وربما ثلاثة اذا اضفنا موطني الرواتب ومودعي الليرة الذين وثقوا بالحاكم ولم يتسنى لهم التحويل للدولار نتيجة مزاجية واستنسابية بعض ادارات المصارف.
3- من المفترض ان هذا التعميم يساعد المودعين الصغار ويخفف من المحتاجين للبطاقة التمويلية، الا أنّ سعادتك خضعت لابتزاز جمعية المصارف وشروطها المجحفة في تكوين رصيد المودع المعني لجهة مزيد من التنزيلات من الرصيد المكون حتى التاريخ، خصوصا في حسم حفنة الدولارات التي قبضوها في شهور الاذلال الأولى، فضلا عن حسم ما صرفوه من بطاقات الصرف بالعملة الاجنبية قبل الغائها التعسفي وسرقة بعض ما تبقى منها، كما حسم التحويلات للطلاب. مما ادى الى تخفيضات جذرية في تكون الرصيد وصدمات عند كثير من المودعين الصغار. حتى ان بعض المودعين اكتشف انه اصبح عنده رصيدا سلبيا وخرج عمليا من التعميم.
سعادة الحاكم، إحدى الأرامل اكتشفت حجم استفادتها من حسابها، الذي يقارب 5000 دولار، حوالي 1000 دولار بعد التنزيلات. ولولا ابتزازها من أصحاب المصارف لاستطاعت هذه الارملة وعشرات الالوف غيرها الاستفادة الكاملة من التعميم ولخرج معظمهم من مشروع البطاقة التمويلية.
4- إنّ اعتماد بطاقة شراء بالليرة كجزء من المدفوعات الشهرية الواردة في التعميم 158 له ناحية إيجابية، إذ يساهم في إنعاش الاقتصاد دون آثار تضخمية، اما دفع جزء بالليرة الكاش وطبع العملة فهو عمل تضخمي والافضل أن تزاد قيمة الدفع بالدولارعلى أن ترمى مزيد من الليرات في سوق الصرف الموازي .علما أن سقوف الدفع المنخفضة بالليرة قد تحجز هذا الجزء داخل البنوك، وبعضها يحجز عمليا جزءا من الراتب الموطن.
5- من المعروف ان مدة التعميم 151 الممددة والذي يجبر المودعون به على “هيركات” وصل احيانا ل90% على ودائعهم، ستنتهي في اخر ايلول، ويدور لغط كبير حول مآله. يرافق ذلك استعراضات حسابية فارغة من لجنة المال ورئيسها مع قرب الإنتخابات، والتي تذكرنا باستعراضات جوفاء مشابهة في مواضيع “الكابيتال كونترول”، وفي بيع الاوهام للمودعين في صراع الفجوة المالية مع حكومة حسان دياب المشؤومة، اوهام تبخرت كلها في الهواء اللبناني الموبوء.
ويلازم هذه الإستعراضات نوع من التقية وصمت صاخب من الحاكم وجماعة المصارف، تترافق مع انخفاض مؤقت وبعضه مشغول لسعر الصرف مع تشكيل الحكومة وقرب الإنتخابات، مما يضع المودع القلق بين مطرقة الحاكم وسندان المصارف والصرافين وداعميهم من الميليشيا والمافيا.
6- لطالما أشرت يا سعادة الحاكم الى خطورة وفشل وحتى عبثية سياسة ما يسمى زورا بالدعم، مظهرا وبالارقام خسائر تتعدى 7 مليارات في السنتين الأخيرتين، عدا الخسائر السنوية السابقة. وقد ضخ معظمها في شرايين النظام السوري المجرم، وبعضها ذهب للشبيحة وللمحتكرين وحماتهم، كما خلقت اقتصادا مشوها واسواقا موازية من كل الألوان والأجناس يصعب الخلاص من آثارها، حتى أصبحنا أقرب للصوملة من الفنزولة، فضلا عن انه افاد الطبقة الميسورة اكثر من الطبقات الفقيرة المتواضعة الإستهلاك. ومع أن السلطة القاهرة والمتسلطة تتحمل المسؤولية الاولى، إلاّ أنّ سعادتك تتحمل مسؤولية أساسية بالخضوع او المسايرة اوالتواطؤ، خصوصا انك ما تزال تخضع للتهويل والابتزاز والمناورات وتنز الاموال من فلس الارملة او بوسائل تضخمية.
ألم يكن أكثر عدلا أن تضخ الـ 225 مليون دولار الأخيرة وما تبعها في جيوب المودعين عوض أن تذهب للشبيحة دون أن تخفف من طوابير الإذلال؟
ومع أعادة التأكيد انه لا يوجد حل اقتصادي ومالي ونقدي حقيقي مع سيادة منتهكة بفائض القوة ومع سلطة ذمية ومفككة، ومعظمها فاسد سياسيا قبل ان يكون فاسد ماليا، إلاّ أنه لا يمكن لسعادة الحاكم ومجلسه المركزي الاستمرار في تجاهل اصحاب المصلحة في اخذ القرارات واصدار التعاميم التي تطال حياتهم وجنى عمرهم، فضلا عن أنها تؤثر على حياة جميع اللبنانيين.
علما أنّ دور حكومة المحاصصة الرديئة التي يديرها حزب الله وبتواطؤ دولي على انغام حفارات هليبرتون وتوتال، لن يكون سوى ابطاء الانهيار في سياق اعادة تدوير الطبقة السياسية، التي قد تطعم بنكهة من طائفة المجتمع المدني من خارج البيئة الشيعية اذا ما حصلت الانتخابات. وللمفارقة فإنّ بعض النتائج قد يساعد الحزب المدجج ورعاته الايرانيين على مزيد من ابتزاز القوى الطائفية الأخرى في متابعة القضاء على دور لبنان وانتمائه العربي، ومحاولة تحويله لجرم في الفضاء الفارسي.
لذا نرى ضرورة مواجهة تحفز الطبقة السياسية نحو استنزاف اموال حقوق السحب وعصر فلس الارملة وتحويل البطاقة التمويلية التي طال انتظارها الى بطاقة انتخابية وغير ذلك من مآثر، بما فيها تسخيف وتهديد القضاء كما حصل مع القاضي بيطار وجولة الحاج وفيق السياحية داخل العدلية. فلنتحفز وننتبه من الضفة الأخرى ولنتوقف عن البحث في جنس الملائكة ونتحول للبحث في خطة للمواجهة قبل ان تفترسنا الشياطين.
talalkhawaja8@gmail.com
طرابلس