بخطى واثقة تقود السلطات المتربعة على عرش لبنان الدولة إلى حتفها. وعلى رأسها السيد نصرالله الذي يملي إرادته على متنفذيه في الدولة العلية، فيطلق مزيدا من اللاءات: “لا حكومة ولا اعتذار ولا استقالة ولا انتخابات”؛ لا أدري لم احتاج لأن يلعب دور المعارض ويتحفنا بتهديده باستيراد النفط من إيران!! كان بإمكانه إغلاق المعابر التي يحرسها لتهريب نفطنا وأدويتنا المدعومة بدولاراتنا، مفرغاً خزنة المصرف المركزي من العملات الصعبة.
وما دامت بواخر إيران جاهزة غب الطلب للحضور إلى المرفأ (المُعاد اكتشافه)، فلماذا لا تكمل طريقها إلى سوريا بدل تهريبه من لبنان؟ هل تمنع ذلك إسرائيل؟ فكيف ستسمح لها باستخدام مرفأ بيروت المهدم إذا؟ أم أن السيد نصرالله يقصد طلب إذن إسرائيل؟ أم هو لاستجلاب عقوبات قيصر علينا؟ أم تربيح جميل للشعب اللبناني من كيسه؟ إذ يقال إن الحزب امتلك مؤخرا شركة نفط، فترسل له إيران النفط ويبيعنا إياه ويربح فرق الدعم من مصرف لبنان. ناهيك عن نوعية البنزين السيئة بسبب بقائه طويلاً في البواخر وفي الشمس.
يُستكمل استعباد الناس وإذلالهم، بعد البنزين، بصحتهم، التي لم تثر اهتمامه، ما استدعى مناشدة البطريرك لمنظمة الصحة العالمية، وتبعته « مجموعة القمصان البيض » و« سيدة الجبل »، لوضع يدها على الملف وحماية صحة الشعب اللبناني.
كل هذا الحصار استعادة لنموذج حكم حافظ الاسد الذي مارس كذبة الحصار الاقتصادي في الثمانينات فألهى شعبه بالبحث عن لقمة العيش ليتحكم به.
كل ما يجري يشعر اللبناني أنه في معتقل كبير اسمه لبنان!!
في فيديو لعمر الشغري الهارب من سجن صيدانيا الشهير، يسرد تجربته مع التعذيب.
ومعروف عن سجن صيدنايا أنه الخزي الأقصى الذي توصلت إليه المخيلة المريضة لمجرمي سوريا. السجن المطلي بدم السجناء الذين حاولوا الهرب الجماعي عام 2008.
من يدخل هذا السجن من المرجح ألا يخرج منه حياً، إلا إذا دفع ثمن تهريبه. الموت فيه متعدد الأسباب، إذا لم يمت من التعذيب، فخوفاً من فكرة التعذيب، كعبد الوهاب الذي مات دون أن يُعَذّب. حتى الأمراض الجلدية مميتة بتسببّها بنزف كمية من السوائل تفوق كأس الماء الوحيد المسموح به.
ومن وسائل التعذيب إفقاد الثقة بين المساجين. يعيّنون منهم رئيساً للمهجع، معروف أنه حرامي، يعطوه 50 حبة بطاطا يحتفظ بـ25 لنفسه ويوزع الباقي. ويعيّن البعض الآخر سُخْرَة، هؤلاء يوزعون الطعام وينظفون، كما عليهم تعذيب رفاقهم، وإلا سيُعذَّبون هم أنفسهم، ليصبحوا خاضعين وأولويتهم النجاة بأنفسهم. فدماغ السجين يبرر له اي شيء تقوم به. تصبح آليات النجاة هي اسلوب العيش الوحيد.
ألا ينطبق هذا علينا؟ تستخدم جميع وسائل الإذلال، أغرقونا بالنفايات، سرقوا أموالنا قطعوا الوقود والكهرباء والماء والغذاء ومن ثم الدواء. يريدون اللبناني عبداً يلاحق الرغيف والدواء تحت حراسة وكلائهم من السياسيين والسُّخْرة المكلفين اضطهادنا، ومعظمهم جمهور الحزب من الشيعة الذين يصدقون كذبة قوّتهم.
ما خدّر اللبنانيين واختزل وجودهم بالتكيف مع الأوضاع. فكيف سنقاوم هذا الاستعباد؟ وكيف ننجو؟
يقول عمر إنه كان يعود من التعذيب منهكا، وبجانبه شخص يكلمه همساً (الكلام ممنوع). لم يكن يستمع إليه. وازداد ابتعادا عنه عندما علم انه طبيب عقلي، فهؤلاء للمجانين وهو ليس مجنونا. كان الطبيب يضع يده على جروحه كلما عاد من التعذيب، ويقول “أنا بعرف الظروف اللي عمتعيشها محبِطة”؛ ثم قال إن أفضل ما نعيشه في السجن هو التعذيب والضرب الذي نناله يومياً! هو اللي مخلانا نعيش!!
“عندما تسمع هذا الكلام بصير بدك تخبطو. يعني كتر خيرك على هالحكي”. لكنه تحت التعذيب فكّر انه لولا التعذيب كان حقاً مات. فهم يعيشون في مربعات صغيرة دون حركة 14 ساعة بالنهار، ما يجمّد الدم في الجسم وقد يشلّ الشخص.. عند الضرب تتحرك العضلات بنوع من التمرين. أيضا الضرب أثناء الذهاب الى الحمامات والعودة منها. “هيدا أحسن شي عايشه، عندما فكرت بهالطريقة ارتحت أثناء التعذيب. الضرب مؤذي فيزيائيا، لكن عندما تستعد له وتتقبله تقوى نفسياً أكثر من الشخص المرعوب والخيفان. تسيطر على خوفك. وبعد 6 أشهر من التعذيب جسمك يتخدر، ان ما يجعلنا نتألم هو دماغنا”.
ويبدو أن ما يمرّ بالشعب اللبناني خدّره، فصارت خبطات الممسكين بالسلطة كجرعات تعذيب متصاعدة؛ فقط لتذكيره انه موجود، كي يتألّم. لكن الألم وحده لا يكفي.
ما ساعد عمر على النجاة من هذا القبر استخدامه آليات للمواجهة والصمود. ذكرتني بكتاب برونو بتلهايم “Le Coeur conscient“، وهو الخارج من معتقلات النازية. بتلهايم اخترع عفويا طريقة للنجاة survival من الجنون والموت، تنفع البشر المهددين أمثالنا بالخضوع للتوتاليتارية. النجاة أو تحقيق الذات، يمر بتحريك وتيقّظ جميع القوى النفسية والأخلاقية والذهنية والفيزيائية كي يتصالح القلب والعقل.
عند وصوله إلى أميركا استطاع أن يجلس بهدوء ويدوّن بشكل علمي وبأسلوب تحليلي شهادة يرميها بوجه العالم. عُرّف كتابه بـ”دليل النجاة”.
ما حصل في معتقلات ألمانيا ليس حادثاً عرضياً، أيضاً في لبنان، بل هو النتيجة الطبيعية والحتمية لسيستيم توتاليتاري ولدولة الحشود. ولأن هكذا نظام يريد تفكيك سيستيمي للشخصية وللكرامة الانسانية، فهو غير قابل للحياة.
عالج بتلهايم الأطفال المتوحدين استناداً لتجربته. تصرف أمام “جنون” الأطفال بعدم الخوف من جنونهم. إن أحد العناصر التي تجعل المجنون يتصرف كمجنون، والـSS (الوحدات الخاصة النازية) يتصرف كـ SS ، والديكتاتور كديكتاتور، هو هلعه أمام نفسه واضطرابه ايضاً أمام الخوف الذي يثيره. وكلما خافت الضحية وخضعت كلما ازداد عنفهم. إن عدم مقاومتهم سيزيدهم عنفا.
فضعوا حزب الله بدل الـSS وستعرفون ما يتوجب عمله.
السياسيون المتحالفون مع الحزب يستفيدون من دورهم كوكلاء السجان في العنبر، لكن الشيعة الملتفين حول الحزب، والمستقوين به على الآخرين، لم يعرفوا بعد أنهم مجرد “سُخرة”، أي مهما فعلوا يظلون مجرد معتقلين مصيرهم كمصير باقي السجناء.
المشكلة أن بقية اللبنانيين من الطوائف الأخرى مقيدو الايدي، وأي نقد لشيعة الحزب ستعتبر حرباً ومؤامرة طائفية.
أفضل نصيحة لهم ما عبرت عنه شخصية عراقية في فيديو متداول: “البعض يريد تغيير الدول الخليجية لمصلحة إيران. هل لدى الواحد من هؤلاء دماغ للتفكير أم لا؟ لماذا لا ترى ما حصل في العراق؟ منذ سقوط صدام سقط مليون قتيل إضافة الى التفجيرات والاقتتال الذي حصل من 2006 إلى 2010. ألا ترى عائلاتنا واعراضنا تمزقت وأولادنا يتامى ونساءنا أرامل؟ تريد أن تقضي على شعبك ومصلحته لأجل إيران ليش؟ روح اخلص لمصلحة بلدك وليس لمصلحة نظام أوصلنا إلى هنا. انت المواطن اللي بلدك هالقدر (كالقبضة) إذا أدخلت إيران ما الذي يخرجها؟”.
أي مصلحة في طوابير الذل والموت على أبواب المستشفيات وفقدان مقومات الحياة المحتشمة؟
أيها اللبنانيون يريدون تيئيسنا لنستسلم ونضيّع لبناننا. ليس أمامنا سوى مقاومتهم وعدم الخوف منهم. استنهضوا قواكم. لكننا سنحتاج أيضاً لكل الدعم الخارجي من المجتمع الدولي والعربي.
monafayad@hotmail.com