(الصورة: مسلمون يفرّون من نيودلهي، في ١٩٤٧. مؤسّس باكستان « محمد علي جناح » كان علمانياً، واقترح عليه « غاندي » أن يكون أول رئيس للهند « مُسلِماً »! إصراره على قيام دولة للمسلمين تسبّب بمقتل مئات الألوف، وهجرة وتهجير ملايين الهنود والمسلمين والسيخ! وصراع هندي- باكستاني مستمر إلى يومنا..)
*
قال لي صديق عزيز ونحن نأكل البرتقال أبو صرة: “البرتقال « أبو صرّة » المصري أفضل وأطعم برتقال في العالم”، طبعا شعرت بالسرور والفخر لكوني مصريا افخر ببرتقال بلادي “الأبو صرة” ولكني سالته: “هل أكلت البرتقال المغربي او الإسباني”؟ فقال: “لا لم أجربه”، فسألته: هل جربت أي برتقال اخر غير البرتقال المصري؟ فقال: “لا”، فسألته: “إذاً، كيف حكمت انه أفضل برتقال في العالم بدون ان تجرب غيره؟” فقال: “ده إحساس يا أستاذ” ! فسكت عن طرح مزيد من الأسئلة لكوني مصريا افتخر ببرتقال بلدي وأهل بلدي.
وما دمنا نتحدث عن مصر، لا بد ان نتحدث عن مقولة: “مصر أم الدنيا”. وهي مقولة أعتز بها جدا بل وأؤمن بها، وان كان هذا لا يمنع من مناقشتها بصدر رحب، مع وعدي اني سوف احتفظ بلافتة “مصر ام الدنيا” واعلقها في الصالون. فإذا كانت مصر هي فعلا ام الدنيا، فهذا يثبت ان مصر مؤنث وأيضا يجعلنا نسال أنفسنا من هو “أبو الدنيا”، ومن هي “أخت الدنيا”، وإذا صدقنا أغنية المطربة المصرية عفاف راضي “مصر هي امي” ، وإذا صدقنا ان مصر هي أم الدنيا في نفس الوقت، إذاً بمعادلة رياضية بسيطة نستطيع إثبات ان “الدنيا هي امي”. والسؤال الذي يطرح نفسه، اذا كانت مصر هي ام الدنيا، وكانت سوريا مثلا هي أخت مصر (منذ أيام الوحدة بين مصر وسوريا)، هل يعني هذا ان “سوريا خالة الدنيا”؟!!
وانا شخصيا عندي نوع من التعصب الشخصي ليس فقط لبلدي مصر والتي هي أمي حسب نظرية عفاف راضي. فأنا متعصب لأمي مصر ومتعصب أيضا لأمي التي ولدتني، وكنت وما زلت اعتبر ان “أمي هي اعظم ام في الدنيا” بل وأحيانا اعتبرها اعظم ام في التاريخ (الله يرحمها) وانا مؤمن تماما بهذا، رغم ان الطريقة العلمية الوحيدة لإثبات ان أمي هي اعظم أم في الدنيا هي أن أقوم بعمل مقابلة شخصية مع كل أم عبر التاريخ وبعدها أقوم بوضع درجات تقييم لكل أم وأقارن تلك الدرجات مع درجات التقييم التي سبق ان وضعتها لأمي، والحل الأفضل بالطبع هو تعيين مكتب استشاري متخصص محايد لعمل تقييم لأمي وتقييم لكل الأمهات عبر التاريخ وبعدها سوف أثبت للعالم بأن أمي هي أفضل أم في التاريخ.
والحقيقة بان التعصب للبرتقال أبو صرة المصري او التعصب لمصر ام الدنيا او التعصب لامي، كل هذا التعصب ناتج عن الحب الشديد للبرتقال « أبو صرة » والحب الشديد لمصر وحبي الشديد لامي، وهذا النوع من التعصب في أسوأ الأحوال غير مؤذي ولا يضر صاحبه ولا يضر الآخرين. فمن الواضح بان تعصبي للبرتقال أبو صرة لا يضرّ أي برتقال اخر حول العالم سواء كان بصرة أو لم يكن له صرة، ولن أطالب بتدمير كل البرتقال في العالم باستثناء البرتقال أبو صرة المصري، وحبي لامي لا يستوجب مقاطعة او محاولة إقصاء كل أمهات العالم، واقتناعي بأن « مصر أم الدنيا » لا يمنع أي شخص ألماني مثلا بأن يفتخر بأن “ألمانيا أم الدنيا” لأن الدنيا كبيرة وتحتمل أكثر من أم!
ولكن هناك نوعا اخر من التعصب الناتج عن الكراهية وليس عن الحب!
والتاريخ مملوء بالمذابح الكبرى الناتجة عن التعصب المملوء بالكراهية والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى ومعظمها ناتج عن التعصب الديني.
والكتب الدينية المقدسة تحدثنا عن التعصب ضد يهود موسى، الامر الذي أدى الى طرد موسى والعبرانيين من مصر. والسبب كان تعصب فرعون مصر وكهنته للديانة المصرية القديمة وشعروا بان ديانة موسى الجديدة فيها تهديد كبير لديانتهم ومراكزهم، لذلك كان طرد العبرانيين من مصر امرا حتمياً. ولو كان لدى فرعون مصر سعة صدر لاستيعاب وفهم ديانة موسى لربما استمر العبرانييون في استيطان مصر حتى اليوم، ولما كنّا عانينا من مشكلة فلسطين التي نعاني منها منذ قرن من الزمان!
وكان من نتيجة تعصب بعض المسيحيين في القرون الوسطى تمويلهم للحملات الصليبية التي قامت بغزو بلاد المشرق وخاصة مدينة القدس (أورشليم). وقد استمرت تلك الحملات ما يقرب من مائتي سنة منذ عام ١٠٩٦ وحتى عام ١٢٩١ ميلادية وكان يقودها فرسان من أوروبا يرتدون علامة الصليب على قمصانهم وذلك لتعصبهم الشديد للديانة المسيحية وخشيتهم من وقوع القدس في أيدي ديانة أخرى. ولو آمن هولاء الفرسان المسيحيون وأيضا لو آمن أيضا فرسان المسلمين بانه يمكن للديانتين ان يعيشا سويا في سلام في القدس وغيرها، لما استمر الصراع حول القدس حتى يومنا هذا.
وبالمناسبة فإن الكل يرفع شعار “القدس لنا”!
والتعصب الإسلامي القديم قام بوضع ثلاثة شروط صعبة للبلاد التي تم غزوها: إما الدخول في الإسلام وأما الحرب وإما دفع الجزية “عن يد وهم صاغرون”، وكلها شروط صعبة جدا يفرضها المنتصر على المهزوم! وتخيلوا لو كان الدخول للإسلام بالدعوة الطيبة فقط مثلما انتشر الإسلام في إندونيسيا وفي بلاد شرق اسيا وكثير من بلاد أفريقيا تطبيقا للآية “ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”، لما كنا نعاني حتى اليوم من إرهابيين يؤمنون بحتمية دخول الإسلام إلى كل بلاد العالم إما بالسلم أو بالحرب أو بدفع الجزية.
والحروب العنصرية الناتجة عن التعصب بين الكاثوليك والبروتستانت كانت حروبا دامية استمرت حتى بداية القرن الواحد والعشرين عندما أنهاها الرئيس الأمريكي كلينتون باتفاقية الجمعة الشهيرة بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا.
ومن اكبر الجرائم تلك التي حدثت في التاريخ حدثت في أعقاب اعلان استقلال الهند. فبعد ان كانت الهند بلدا واحدة انقسمت الى ثلاثة بلدان هي الهند وباكستان وبنجلاديش. ورفض زملاء غاندي المسلمون الحفاظ على وحدة الهند بالرغم من دعم غاندي بان يكون اول رئيس للهند مسلماً! وبعد ان رفض الزعيم المسلم محمد علي جناح هذا الحل وأصر على الاستقلال عن الهند. لذلك بدا ملايين من الهنود المسلمون الذين يعيشون في الهند وملايين من الهنود السيخ الذين يعيشون في باكستان بمغادرة بيوتهم، وقامت مجموعة متعصبة تقودها الكراهية للتصادم بين المسلمين والسيخ الامر الذي أدى لوقوع ربع مليون ضحية التعصب والكراهية.
وأيضا نتيجة التعصب الشديد للديانة الاسلامية من جانب الدولة العثمانية دفع ضريبة ذلك التعصب والكراهية آلاف ضحايا الأرمن والذين تفرقوا وطردوا من بلادهم وتشتتوا الى كل بلاد العالم. وحتى اليوم يرفض الأتراك الاعتراف بمذابح الأرمن والإعتذار عنها!
وللأسف، بعد نشاة دولة إسرائيل حدث نفس الشيء لليهود الذين يعيشون في البلاد العربية. فقد تم طرد معظمهم من بلادهم وتم نهب أموالهم. حتى مقابرهم لم تسلم من النهب والسرقة! كل هذا بسبب التعصب ضد اليهود. والشيء بالشيء يذكر، فقد استولى المستوطنون اليهود في الضفة الغربية على أراضي الفلسطينيين وتم طردهم من بلادهم، وتم بناء مستوطنات يهودية في القرى والمدن العربية حتى بلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية ما يقارب المليون نسمة.
وحتى اليوم نرى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا حروبا وضحايا نتيجة التعصب الديني بين الشيعة والسُنّة في اليمن وسوريا والعراق.
ومعظم جرائم التعصب والكراهية عبر التاريخ كانت لها جذور وخلفيات دينية، وأحيانا مطامع سياسية تختبئ خلف شعارات دينية. وهناك أمثلة اقل للتعصب العنصري مثلما حدث ويحدث في أمريكا من تعصب بعض البيض ضد السود رغم ان معظم الأمريكان يدينون بالديانة المسيحية التي تدعو للمحبة والتسامح.
ومن أفظع الجرايم التي حدثت في تاريخ البشرية جريمة الحزب النازي والذي حكم ألمانيا من عام ١٩٣٣ وحتى عام ١٩٤٥ وتبنى فكرة عنصرية مقيتة وهي ان الجنس الآري الألماني هو ارقى الاجناس، وقام بارتكاب مذابح وفظائع ضد اليهود وغيرهم من الأقليات. وقام النازيون باشعال الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها ملايين البشر معظمهم من الأبرياء كل هذا بسبب تعصب مقيت.
واتباع الديانات السماوية الثلاث الكبرى يتفاخرون على بعضهم البعض. فاليهود يقولون أنهم “شعب الله المختار”، والمسلمون يؤمنون انهم “خير أمة أخرجت للناس” والمسيحيون يؤمنون بان “الله والانسان والروح القدس تجسدت جميعا في جسد عيسى”. وكل هذا لا غبار عليه وممكن ان يكون تعصبا حميدا مدفوعا بالحب للديانة وللرسول وحب الله، ولكننا نرى أنه في بعض الأحيان يتحول هذا التعصب الى تعصب مليء بالكراهية الى درجة قتل الاخر!
وهذه دعوة للمحبة والبعد عن الكراهية، ورغم كل شيء فإن المانجو المصرية لا يعلو عليها أي مانجو أخرى!
“وهذه دعوة للمحبة والبعد عن الكراهية” من اسمى الدعوات على الاطلاق