تناقلت وسائل إعلام إيرانية مقطع لثلاث ساعات من المقابلة المثيرة للجدل والتي قيل إنها استغرقت سبع ساعات حسب تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده. وعلق ظريف في هذه المقابلة التي أجراها معه الخبير الاقتصادي سعيد ليلاز في مارس( آذار) الماضي، على قضايا مختلفة وأجاب على أسئلة متعددة حول سياسات وزارة الخارجية خلال فترة توليه لمنصب وزير الخارجية لفترتين من رئاسة حسن روحاني.
في ما يلي جانب من مقابلة ظريف:
- س-: هل الهجوم على السفارة السعودية كان يفتقر إلى الإحساس بالمسؤولية؟
ظريف: أعتقد أن الهجوم على السفارة السعودية كان « خيانة ». منذ أن بلغ الاتفاق النووي مراحله النهائية فی 14 من یونیو/ تموز لعام 2015 إلى اليوم الذي أصبح الاتفاق النووي ساري المفعول فی السادس عشر من يناير عام 2016، أي قرابة الستة شهور، يكفيك فقط أن تتطلع على الأحداث التي وقعت في هذه الفترة، وكان آخرها الهجوم على السفارة السعودية والاستيلاء على سفينة أو سفينتين أميركيتين لكن أول هذه الأحداث فكان هو سفر الجنرال سليماني إلى موسكو وهي زيارة تمت بإرادة موسكو وليست إرادتنا نحن.
- س- ألم تكن تلك الزيارة تحت إشراف منكم؟
ظريف: لا
- س- ألم يكن الأولى بروسيا أن تطلب هذه الزيارة من بوابة وزارة الخارجية؟
ظريف: عندما تكون رغبة روسيا هو القضاء على إنجازات الخارجية الإيرانية فبكل تأكيد لن تبادر من بوابة الخارجية.
- س- : يا سعادة الوزير ما تتفضلون به كبير للغاية؟ هل هذا يعني أن رغبة روسيا كانت ضد مصالح الجمهورية الإسلامية واستطاعت أن تجر اللواء سليماني إلى موسكو؟
ظريف: اللواء قاسم سليماني في الفترة الحساسة التي كانت تمر بها سوريا طلب أن يتوجه إلى روسيا لكي يقنع بوتين بحضور أكثر فاعلية في سوريا. لكن، قبل ذلك، وعند زيارة وزير الخارجية الروسي إلى طهران رتّبت أنا اجتماعا بين لافروف وسليماني وكان بينهما لقاء مفصل، والمعروف أن سليماني كانت له شخصية قوية وقد أثّر في ذلك اللقاء على شخص لافروف. لكن دعنا نسأل: متى وافقت روسيا على أن يتوجه سليماني إلى موسكو؟ عندما تم التوقيع على الاتفاق النووي.
إن روسيا وفي الأسبوع الأخير ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي بذلت قصارى جهدها لكي لا يتم إبرام الاتفاق النووي، وهذه المعلومات لا يمكنك أن تنشرها في أي مكان.
- س- لماذا الروس لم يكونوا راضين عن التوقيع على الاتفاق النووي؟
ظريف: كان الروس في البداية يعتقدون أن الاتفاق النووي لن يتحقق، وفي ذلك الحين طرحوا فكرة التخصيب، فقلنا نحن أن التخصيب سيكون في مفاعل « بوشهر » وليس « نطنز ». والأميركيون قد وافقوا في مفاوضات جنيف على أن يكون التخصيب منسجما مع حاجات البلاد، وأول ضربة وجهتها روسيا إلى الاتفاق النووي هي إعلانها عن رغبتها في أن ترعى مفاعل بوشهر النووية بشكل دائم لكننا لم نكن نرغب في أن نكون معتمدين بشكل دائم على الروس، فوجّه الروس ضربتهم الثانية عندما قالوا بأننا لن نسمح لإيران بأن تستخدم وقودها لمفاعل « بوشهر » النووي.
- س: هل هذا ضمن حق روسيا وفق اتفاقية « بوشهر »؟
ظريف: يحق لهم ذلك لمدة عشر سنوات وليس بشكل دائم، على كل حال فإن الروس لم يكونوا يعتقدون بأن الاتفاق النووي سينجح.
- س: إذاً، محاولات إفشال الاتفاق النووي كانت أكثر مما يظنها الناس؟
ظريف: أنا شخصيا من أنصار العلاقات مع روسيا والصين. فروسيا هي دولة مجاورة لإيران والعلاقات معها هامة، والصين أيضا دولة صاعدة وفي السنين القادمة ستكون القوة الأكبر في العالم. مع ذلك، أعتقد أن علاقتنا مع الدول يجب أن تكون مبنية على الوعي واليقظة. فمن مصلحة روسيا أن لا تكون علاقات إيران مع الغرب متأزمة لكن ليس من مصلحتها كذلك أن تكون علاقات إيران مع الغرب علاقات طبيعية، لأنه لو أصبحت علاقات إيران مع الغرب طبيعية فروسيا تتضرر من جانبين: الأول هو أن تصبح روسيا والصين أولوية في سياسة ترامب الخارجية لو تم حل الأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ثانيا، لو كنا في حاجة إلى روسيا والصين في عدائنا مع الغرب، فيستطيعون حينها الحصول على المزيد من الامتيازات منا.
أنا أقول إنه يجب أن تكون لدينا علاقات مع روسيا والصين وفي نفس الوقت نملك علاقات مع الغرب، ولا يكون لدينا مع الولايات المتحدة توتر وتصعيد. أحاول هنا أن أنتقي مفرداتي بدقة وعناية.
عموما الروس لم يكونوا يظنون أن الاتفاق النووي سينجح لكن وفي الأسابيع الأخيرة وعندما شعروا أن الاتفاق النووي بات قريبا من النجاح شرعوا في تقديم المقترحات الجديدة. وعندما اتفقنا مع الولايات المتحدة على « آلية الزناد » جاء وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، وأعطى الوفد الإيراني نصّاً قال إنه مقترح من جانب روسيا وفرنسا وإن الولايات المتحدة توافق على هذا المقترح.
وعندما رأيت هذا المقترح قلت إنه أخطر نص يمكن أن يضاف على الاتفاق النووي، لأنه ووفق هذا المقترح كان علينا أن نرجع إلى مجلس الأمن ونحصل على تصويت منه كل ستة شهور لكي يستمر الاتفاق النووي، وهذا كان مقترح من جانب روسيا وفرنسا، وقد شعرت واشنطن أن ذلك في صالحها لأنه وبموجب هذا المقترح كان على إيران أن تذهب وكل ستة شهور إلى مجلس الأمن وتحصل على آراء 11 عضوا من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي البالغ عددهم 15 عضوا.
- س: هل كانت مصلحة روسيا تقتضي ذلك؟
ظريف: عندما أدرك الروس بأن إيران أوشكت على إبرام الاتفاق وتخطت جميع العراقيل الموجودة بدأوا أنفسهم بوضع العراقيل. فروسيا في تلك المرحلة تحولت من دولة مساعدة على إنجاح الاتفاق النووي إلى دولة معرقلة. فهي اقترحت فكرة التخصيب لكي لا نستطيع أن نحصل على التخصيب. وبالمناسبة لم تكن تنوي أن لا نستطيع تخصيب اليورانيوم، وإنما كانت تهدف أن لا يتم الاتفاق. وفي الشهور الثلاث الأخيرة وعندما أدركت أن الاتفاق النووي أوشك على النهاية دخلت إلى الميدان بكل قواها.
وفي الليلة الأخيرة كنت جالسا في المطعم وكنت مع زملائي نتحدث حول رفع العقوبات عن المسؤولين الإيرانيين، فجاء شخص وذكر أن السيد جون كيري يريد لقائي، فذهبنا إلى محل اللقاء وتفاجأت برؤية السيد جون كيري وبجانبه سيرغي لافروف والسيدة فدريكا موغريني، وقد جاء السيد لافروف لكي يفشل هذا الاجتماع. وكان في ذلك الوقت قد حدد الكونغرس الأمريكي موعدا معينا، وذكر أنه لو لم يتم الاتفاق حتى ذلك الحين، فإنه سيوافق على العقوبات التي لا يستطيع الرئيس إلغائها، وتبين أن لافروف طلب من كيري وموغريني الاجتماع وأخبرهما بنيته العودة إلى بلاده ليعود بعد ذلك بأربعة أيام.
فسألني جون كيري عن رأيي في موضوع التخصيب الذي اقترحته روسيا فقلت ليس مقبولا على الإطلاق، فقال لافروف بأنك لا تملك الصلاحية في البت في هذا الموضوع فقلت له: ليس ذلك من شأنك أبدا، بهذه اللهجة تحديدا، وهي لهجة غير دبلوماسية وتفتقر إلى اللياقة، كنت أعرفه منذ عام 1994.
وبعد ذلك بقينا نحن الثلاثة فقط، فقلت للافروف ما شأنك أنت بأنني أملك الصلاحية في هذا الموضوع أو لا؟ قال ذلك يعنيني، فقلت متى ما رأيتُ الوقت مناسبا أطلب موافقة قيادة بلادي والآن لا أرى ذلك ممكنا، فقال أنت بذلك تهدر وقتي. قلت له: ماذا تقول، أعطوني ما أريده، من هنا أذهب وأحصل على الموافقة المطلوبة، هنا دافع عني كيري وقال السيد جواد لم يقل شيئا إلا ونفذه.
انتهى الاجتماع في تلك الحالة. وبعد دقائق عدتُ وقلت حصلت على الموافقة. أنا في الواقع كنت مخولا وأملك الاختيار في الموافقة أو الرفض، ثم جاء السيد لافروف وجلسنا على طاولة واحدة والتقطنا الصور التذكارية. وعندما عاد لافروف إلى بلاده تعرّض إلى انتقادات واسعة من وسائل الإعلام الروسية كونه لم يَحُل دون نجاح الاتفاق النووي وسمح لإيران بالتقارب مع الغرب.
في شهر بهمن (يناير) من ذلك العام طلب اللواء سليماني زيارة إلى روسيا وقد وافقت روسيا على هذه الزيارة بعد أن رأت أن حاجتنا انتهت، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حسم قراره حول التدخل في سوريا.
جميع هذه الأحداث مثل اقتحام السفارة السعودية، واحتجاز سفن أميركية وغيرها من الأحداث كان الهدف الرئيسي منها هو عدم السماح بنجاح الاتفاق النووي.
لقد تم التوقيع على الاتفاق النووي في يوليو/ تموز 2015 و في يناير عام 2016 أصبح الاتفاق النووي ساريا، ومنذ ذلك الحين بدأنا بالعمل على شراء طائرات بيونغ الأميركية كما تم الاتفاق على حذف شركة طيران الجمهورية الإسلامية (« هما ») من قائمة العقوبات لكي يسهل عمليات شراء طائرات « بوينغ ».
قال لی جون کيری فی یونیو/ حزیران لعام 2016 بأنه، ومنذ أن تم شطب الشركة من قوائم العقوبات، زادت من طيرانها إلى سوريا ستة أضعاف، قلت هذا لا يمكن، لأن الرحلات إلى سوريا تقوم بها شركة “ماهان” وليس « هما »، فسألت وزير الطرق آنذاك السيد آخوندي، فقال هو الآخر بأن ذلك غير صحيح. فسأل رئيس شركة « هما » السيد برورش فأيد هذه المعلومات، وقال إن ذلك صحيح وأن السيد سليماني قد ضغط عليهم، فزادوا من عدد الطيران إلى سوريا.
- س: هل يحق لمدير شركة طيران أن يسمح بحدوث ذلك؟؟
ظريف: لقد قلت لكم عندما يكون الميدان هو صاحب القرار تقع مثل هذه الأمور
- س: هذا يدل على وجود شرخ في الحكومة؟
ظريف: عموما، السيد برورش قال لقد ضغطوا عليّ وقد سمحت بأن يتم زيادة عدد الطيران، وأنا كنت أرى السيد سليماني مرة في الأسبوع، وكانت تربطني به علاقات قوية. فقلت له لماذا تستخدم طيران (« هما ») بدل (ماهان)؟ فقال لأن (« هما ») أكثر أمنا؟ أي بهذا المستوى نرى أن الدبلوماسية يتم التضحية بها في سبيل الميدان.
- س: يا سعادة الوزير هل تقول إن مجموعة من داخل النظام الإيراني تحاول أن تتعاون مع أعداء استراتيجيين أو منافسين استراتيجيين للبلاد لكي تفشل الاتفاق النووي؟
ظريف: لا أنا لم أقل ذلك على الإطلاق. على الناس أن يعرفوا أنه عندما تهيمن الأهداف الميدانية على استراتيجية البلاد يمكن لهم (روسيا وأميركا) أن يتلاعبوا بنا. أنا لم أقل أن سليماني ذهب إلى روسيا وتحالف معهم لكي..
- س: استخدام طيران شركة “هما” هو نوع من العناد، أليس كذلك؟
ظريف: لا، هو يقول لأن الميدان هو الأصل فإذا كانت نسبة الأمن في« هما » أكثر من “ماهان” باثنين بالمئة فقط فيجب أن استخدم « هما » حتى لو أضر ذلك بنسبة 200 بالمئة في الدبلوماسية.
- س: بذلك نكون أمام حكومتين؟
ظريف: لا لسنا أمام حكومتين وإنما هي حكومة واحدة هي « حكومة الميدان. ».
يتبع…