هناك اهتمام من قبل فرنسا وألمانيا لتأمين عقود إعادة إعمار مرفأ بيروت. وبغض النظر عمن ينتهي به المطاف في قيادة جهود إعادة الإعمار، يجب على واشنطن أن تبقى على علم بكل ما يستجد من تطورات لضمان تطبيق المتطلبات الدولية للإصلاح والمراقبة – ولمنع الصين من استغلال الصعوبات التي يواجهها لبنان.
في 8 نيسان/أبريل، عرض وفدٌ يضم ممثلين عن شركات ألمانية مبادرة إلى الحكومة اللبنانية تشمل تعهداً لضمان إعادة إعمار مرفأ بيروت. وتم ذكر الاقتراح من قبل دبلوماسيين ألمان قبل ذلك التاريخ بأيام، أشاروا فيه إلى أن المبادرة ستتوقف على قيام لبنان بتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات. إنّ إعادة بناء المرفأ أمر بالغ الأهمية لتعافي الدولة – فقد كان تدميره في آب/أغسطس الماضي بمثابة رصاصة الرحمة التي قضت على الاقتصاد اللبناني المترنح بالفعل، مما أدى إلى انخفاض كبير في قيمة العملة المحلية، وتضخم مفرط، وارتفاع في معدلات البطالة. وتبع ذلك أيضاً نقص كبير في السلع الاستهلاكية التي تشتد الحاجة إليها، حيث كان الموقع المدمَّر نقطة دخول 80 في المائة من واردات الدولة.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يؤدي الإعلان الألماني إلى تحفيز النخب السياسية التعساء في لبنان إلى التحرك، إلا أنه قد يثير غضب فرنسا، التي تطمح أيضاً إلى إعادة بناء المرفأ. فخلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت بعد وقت قصير من حدوث الانفجار، أفادت بعض التقارير أنه أعرب عن رغبته في القيام بذلك. ورافقه في زيارته رودولف سعادة، رئيس مجلس إدارة شركة الشحن والخدمات اللوجستية الرائدة “مجموعة سي إم ايه – سي جي أم” CMA CGM Group)). وفي أعقاب الزيارة كتب سعادة في تغريدة نشرها على موقع تويتر، “تستطيع فرنسا ولبنان الاعتماد على المجموعة للاستجابة لحالة الطوارئ والعمل على إعادة إعمار بيروت. إن التزامنا كامل”.
ولا شكّ أنّ باريس مهتمّة بحشد الشركات الفرنسية لتأمين عقود إعادة إعمار المرفأ – ولكن فقط إذا تولّت جهة أخرى دفع التكاليف. ولم تقدّم الحكومة الفرنسية أيّ مؤشّر على نيّتها تمويل المشروع. وعلى الرغم من مشاركتها بشكل كبير في سياسات مستعمرتها السابقة، إلّا أن ما يثير الاستغراب هو عدم تقديم باريس سوى القليل من المساعدة المالية للبنان. على سبيل المثال، وفقاً لـ “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”، قدمت فرنسا للبنان 45 مليون دولار فقط من تمويل التنمية الثنائية و 17 مليون دولار من المساعدات العسكرية في عام 2018. وفي المقابل، قدمت ألمانيا المزيد من المساعدات الثنائية في ذلك العام – 67 مليون دولار – على الرغم من عدم كونها جهة فاعلة تقليدية في لبنان.
ويقيناً أن الدولتين تقدمان أيضاً مساهمات إضافية من خلال أموال مساعدات “الاتحاد الأوروبي”. وقد اقترحت ألمانيا تمويل المشروع – بتكلفة تتراوح بين 2.36 و 3.54 مليار دولار – من خلال “بنك الاستثمار الأوروبي”، مما يعني مشاركة دول “الاتحاد الأوروبي” الأخرى، بما فيها فرنسا.
وبغض النظر عن الجهة التي ينتهي بها الأمر بتمويل المشروع، فإن الخبر السار هو أن باريس وبرلين أوضحتا أن المضي قدماً في الخطة و / أو دعم خطة إنقاذ أوسع نطاقاً من “صندوق النقد الدولي” بمليارات الدولارات سيتطلب من لبنان إجراء إصلاحات جادة والحد من الفساد المستشري. وهذه مهمة صعبة بالطبع: فلبنان يحتل المرتبة 149 من بين 180 دولة في “مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية”، ولم يتبنَّ قادته الإصلاح قط. وفي الواقع، إن معظم النخب – خاصة تلك التي تمثّل ميليشيا «حزب الله» المدعومة من إيران – تستفيدبشكل كبير من النظام الحالي.
وبالتوازي مع هذه المتطلبات المرهقة على بيروت، وضعت جهات فاعلة أجنبية أخرى ربما تتمتع بنفوذ مالي أكبر من فرنسا وألمانيا شروطها الأساسية. ففي كانون الأول/ديسمبر، أوضح “البنك الدولي” ما هي الإصلاحات التي من الضروري أن تقوم بيروت بتنفيذها قبل إعادة بناء المرفأ، مثل إنشاء إطار مؤسسي جديد لقطاع الموانئ، وسن تشريعات جديدة ذات صلة، وإعادة تنظيم إدارة الجمارك، وضمان عملية مناقصة تنافسية، واستخدام مشغّلي محطات خاصة. كما للولايات المتحدة شرط لا غنى عنه أيضاً – وهو أن توافق بيروت مسبقاً على قيام مراقبة مستقلة للمرفأ الجديد من أجل ضمان ألا يصبح مرة أخرى أحد أصول «حزب الله» لتهريب المواد والأفراد العسكريين. قد لا تصر باريس وبرلين على هذه المراقبة المسبقة، ولكن قد يكون لواشنطن المزيد من التأثير بالنظر إلى مساهماتها السنوية الأكبر – على سبيل المثال، في عام 2018، قدمت لبيروت 118 مليون دولار كمساعدات إنمائية و 128 مليون دولار كمساعدات أمنية، بالإضافة إلى مساهمات كبيرة إلى “برنامج الغذاء العالمي” التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى العاملة في لبنان.
وهناك جانب إيجابي آخر محتمل وهو أنّ أيّ مشاركة فرنسية ألمانية في المشروع ستمنع على الأرجح الصين – الشريك المفضل لـ «حزب الله» – من توسيع شبكة موانئها العالمية أو ما يُعرف بـ استراتيجية «خيط اللؤلؤ». ونظراً لاستهداف بكين للدول الضعيفة من أجل الإيقاع بها في فخّ ديون الاستثمار، لا شكّ في أنّها تنظر إلى لبنان المعرّض للخطر باعتباره خياراً جذّاباً.
وفي الوقت الحالي، تُعتبر المقترحات الفرنسية والألمانية عرضاً جانبياً للانهيار البطيء للبنان، لكن واقع مشاركة كلا الحكومتين في التزام واشنطن الواضح بربط المساعدة غير الإنسانية بالإصلاح يجب أن يُنظر إليه على أنه فرصة سياسية للولايات المتحدة. وفي النهاية، هناك مجال واسع للتعاون الأوروبي بشأن تمويل المرفأ وإعادة بنائه، وعلى واشنطن العمل عن كثب مع كل دولة لضمان أن يتم تنسيق المشروع – عندما ومتى يتم المضي قدماً فيه – بشكل متعدد الأطراف ويكون هناك التزام بمبدأ الإصلاح قبل إعادة الإعمار. وفي المقابل، من شأن نفور بكين من الشفافية و[سياستها] المتضاربة تجاه «حزب الله» أن يجعلا دوراً صينياً في إعادة البناء النتيجة الأسوأ لأوروبا والولايات المتحدة ولبنان على حدٍ سواء.
ديفيد شينكر هو زميل أقدم في معهد واشنطن. وشغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى في الفترة 2019-2021.