ترجمة الشفاف نقلاً عن ترجمة « ميمري » من الروسية إلى الإنكليزية، لمقال مراسل « نوفايا غازيتا »، الأستاذ وديع الحايك، المقيم في روسيا)
كان حزب الله مسروراً لتلقّى دعوة لزيارة روسيا تشمل اجتماعات في وزارة الخارجية، و « الدوما »، ومجلس الأمن القومي، لأن الحزب يواجه الآن ظروفاً صعبة (كان لروسيا يدٌ فيها!).
وكان واضحاً أن زيارة الـ ٤ أيام سوف تُخَصّص لبحث الوضع السائد في سوريا حالياً. وليس سرّاً أن روسيا قد تَعِبَت من الحرب السورية المستمرة منذ ١١ سنة، والتي تحوّلت إلى اشتباكات داخلية بين اللاعبين الميدانيين.
وحتى في الإجتماع الأخير لما يسمّى « مسار آستانا »، الذي انعقد في شهر فبراير في « سوتشي »، كانت اللازمة التي لم يتوقّف الجانب الروسي عن تردادها هي الدعوة إلى وقف الحرب في سوريا والشروع بمسار سياسي سلمي.
والمشكلة أن الخطة التي تقترحها روسيا لا تناسب إيران، ولا تناسب حزب الله الخاضع كلياً لإيران!
والواقع أن مصالح إيران في سوريا أصبحت مهدّدة منذ وصول قوة عسكرية روسية إلى سوريا في آخر شهر أيلول/سبتمبر ٢٠١٥.
على المستوى التكتيكي، فإن كلاً من روسيا وإيران وحزب الله تدعم حكومة بشار الأسد. ولكن كل واحد من هؤلاء الفرقاء يعمل لأهداف استراتيجية مختلفة.
فقد وجد نظام الأسد (الذي تتوجّب عليه ديون كبيرة جداً لإيران) حبلَ إنقاذ في روسيا ليس على الصعيد المالي فحسب (تدين القيادة السورية الحالية لروسيا بمبالغ خيالية)، وإنما بالأحرى لأن التدخّل الروسي سمح بخفض النفوذ الإيراني.
وتقيم إيران الشيعية علاقات طويلة الأمد مع عائلة الأسد العلوية. ويشير المحلّلون، بلطف متعمّد، إلى جوهر العلاقات الراهنة مع سوريا بشار الأسد حينما يصفونها بأنها « مَحمية »! ولكن وضعية « المحمية » لا تترك للأسد خياراتٍ متعددة. فطوال سنوات، كانت سوريا واجهةَ المخطط الجيوبوليتيكي الإيراني لتوحيد الدول التي تضم جماعات شيعية كبيرة ضمن ما يسمّى « الهلال الشيعي ».
ويمتد ذلك « الهلال » من إيران عبر العراق وسوريا وحتى لبنان. وهو لا يشمل إسرائيل التي يقول حزب الله أن تدميرها هو المبرّر الأخير لوجوده.
كانت الحرب في سوريا مفيدة لإيران. ومنذ سنوات، شرع ناشطو حقوق الإنسان بالحديث عن « هندسة ديمغرافية” (سكّانية) في سوريا: عبر إسكان شيعةمن لبنان، وإيران، والعراق، في مناطق معيّنة يغلب فيها «السُنَّة » في سوريا. بالمقابل، يتم حرمان السكّان الأصليين، الميّالين للمعارضة، من أية حقوق ومن أي فرص للعودة بفعل القوانين القاسية التي أقرّها النظام.
لا يرتاح بشار الأسد كثيراً إلى دوره الفاعِل في تشييد « الهلال الشيعي »! وقد وفّرت مشاركة روسيا في الحرب فُرَصاً أكبر لبشّار للمساومة (مع الإيرانيين) ولاختيار حليفه.
بذلك، فإن مجرّد دخول روسيا إلى الحرب السورية أثّر في مخطّطات الفرقاء الآخرين.
ومثلاً، فقد تم إقفال معظم طرق التهريب الواقعة على الحدود اللبنانية-السورية. ومعروف أن تهريب الأسلحة، والمخدّرات، يمتلك أهمية كبرى بالنسبة لحزب الله!
ومؤخراً، وبفضل نفوذ روسيا، تم تشكيل فيلق الإقتحام الخامس في الجيش السوري. ولم ينظر هذا الفيلق، الذي يتألّف بالدرجة الأولى من متطوعين سوريين ولبنانيين، بارتياح إلى الأساليب التي يعتمدها حزب الله. وغالباً ما ينخرط عناصر الفيلق الخامس، الذين يقاتلون إلى جانب القوات الروسية، في اشتباكات مسلّحة مباشرة مع حزب الله ومع التشكيلات الأخرى الموالية لإيران!
ثم أن اتفاقات تسيير دوريات مشتركة في ضواحي « إدلب » التي توصّلت إليها روسيا وتركيا في العام الماضي لم تكن في صالح إيران. فحتى توقيع إتفاقات تسيير دوريات روسية-تركية مشتركة كانت إيران تعتبر، عن حق، أنها القوة المسيطرة في منطقة « إدلب ».
يُضاف إلى ما سبق أن محادثات السلام بين نظام الأسد والمعارضة السورية، التي رعتها روسيا، تشكّل تهديداً مباشراً للنفوذ الإيراني في سوريا.
وقد وصل الخطر الآن إلى آخر ورقة تملكها إيران في المنطقة وهي لبنان، أي الحلقة الأخيرة في « الهلال الشيعي »!
في الأسبوع الماضي (قبل ١٧ مارس) التقى وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، برئيس حكومة لبنان المُكَلَّف سعد الحريري في دولة الإمارات. وكانت رسالة لافروف واضحة: أن روسيا ستدعم جهود الحريري لتأليف حكومة مستقلة، وأن على حزب الله أن ينضبط وأن يتوقف تقويض عملية بناء الدولة اللبنانية.
وفي الوقت الراهن يحتكر حزب الله عملياً السوق السياسي المحلّي. ومنذ انسحاب الجيش السوري في سنة ٢٠٠٥، كان تشكيل أي حكومة في لبنان مرهوناً بموافقة حزب الله عليها.
وباتت وزارات رئيسية مثل وزارة المالية، والصحة، والدفاع، والطاقة، تحت سيطرة حزب الله وحلفائه. إن التحركات الشعبية المستمرة في لبنان منذ سنة ونصف قد شلّت إقتصاد البلاد عملياً، وأدّت إلى زيادة « شد البراغي »! فعزّز حزب الله سيطرته على مختلف نواحي الحياة العامة عبر جناحه المسلّح، الأقوى والأفضل تجهيزاً من الجيش اللبناني.
لكن هذه الإجراءات لن تنفع كثيراً، لأن الحزب بدأ يخسر « قاعدته الشعبية ». ومثلاً، قبل أسبوعين تقريباً، طرد شكان بعلبك من الشيعة نائب حزب الله حسين الحاج حسن من منزله بعد ان اتهموه بالفساد. وقد حاصر الأهالي بيت النائب، وأحرقوا الدواليب أمامه، وسدّوا مداخله، مما أجبر النائب على الفرار.
لقد خلق حزب الله، على امتداد سنوات طويلة من الهيمنة على المنطقة، مرافق إدارية قوية. فالحزب يملك رجال شرطة ميدانيين تابعين له، ونظام ضرائب خاصا ًبه، كما يملك سجونا وأماكن احتجاز خاصة به يودَع فيها من يوجّهون له الإنتقاد.
ولكن سجون حزب الله لم تعد تتّسع لكل المنتقدين بعد انفجار المرفأ في شهر آب/أغسطس ٢٠٢٠.
وللتذكير، فقد أدى انفجار مرفأ بيروت إلى مقتل٢٠٠ شخص، وإلى تدمير عدة أحياء في وسط بيروت. وحسب إحدى الروايات، فإن الإنفجار ربما نجم عن اشتعال ذخائر تابعة لحزب الله كانت مخزّنة في نفس الهنغار الذي كان يحتويال على ٢،٧ آلف طن من نيترات الأمونيوم المخزونة فيه منذ سنة ٢٠١٣. وفد توصل تحقيق دولي إلى أن نيترات الأمونيوم، التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت بحراسة عناصر من حزب الله، كانت معدّة لصنع البراميل المتفجرة التي استخدمها الأسد ضد المدنيين في سوريا.
إن كل الظروف التي تطرقنا إليها أعلاه تدفع حزب الله الذي لا يحظى بتقدير كبير في المجتمع الدولي، إلى الإذعان وإلى الإنصات للإشارات الديبلوماسية التي سمعها من روسيا!
هل لهذا السبب قتل حزب الله لقمان سليم؟
لاحظت في مقال « الشفاف » عبارة: “أن التحركات الشعبية المستمرة في لبنان منذ سنة ونصف قد شلّت إقتصاد البلاد عملياً، وأدّت إلى زيادة « شد البراغي »! فعزّز حزب الله سيطرته على مختلف نواحي الحياة العامة عبر جناحه المسلّح. ».!
تصوّرت أن المراسل يقصد أن اغتيال الشهيد لقمان سليم كان ضمن عمليات « شد البراغي » التي لجأ إليها حزب إيران لإرهاب الشيعة واللبنانيين وقمع التحركات الشعبية؟
هل يكو ن اغتيال لقمان سليم الآن، وكان بإمكانهم اغتياله قبل سنوات، رسالة تخويف للناس لأن الحزب يشعر بالخوف؟