بين “حركة أمل” و “حزب الله” ما صنع الحداد! فالحركيون لم ينسوا يوما ان الحزب الإيراني انبثق من رحم « حركة المحرومين »، التي أسسها الامام موسى الصدر، لينقلب لاحقا على « الحركة » بقرار ايراني مدعوم من سلطات الوصاية السورية على لبنان! فأمسك رئيس نظام دمشق حافظ الاسد، ومن بعده إبنه بشار، عصا الخلافات الشيعية-الشيعية من الوسط، مع ارجحية لـ « الحزب » على « الحركة »، بسبب من التدخلات الايرانية و »المَونة » الزائدة على دمشق، خصوصا في مرحلة ما بعد وفاة الرئيس السوري حافظ الاسد!
الحزب الايراني انقض على « الحركة » اولا، في « إقليم التفّاح »، عبر خطوط « جيش لبنان الجنوبي » التي فتحها الجيش الإسرائيلي له!
ودارت معارك بينهما ادت الى مقتل العديد من الحركيين، من بينهم قادة عسكريين، الى حد خروج رئيس « الحركة » نبيه بري يوما عن طوره ليتهم الحزب الايراني بقتل عناصر من حركته «أضعاف ما قتلت اسرائيل »!
ومن بعد « الحركة »، انقض الحزب بقيادة حسن نصرالله على نفسه!
فدارت معارك بين انصار الامين العام السابق صبحي الطفيلي ومؤيدي نصرالله المدعوم من طهران، ابرزها في حوزة “عين بورضاي” البقاعية، حيث قتل النائب السابق خضر طليس وضابط من الجيش اللبناني، والعديد من انصاره، ومن اتباع الحزب الايراني، بعد تولي نصرالله امانته العامة، خلفا لعباس الموسوي الذي اغتالته اسرائيل بصاروخ موجه اصاب سيارته من بين سيارات موكبه!
بعد ان استتب الامر لنصرالله، استتبع “حركة أمل” بقوة السلاح والمال الايراني ودعم سلطات الوصاية السورية التي حفظت للرئيس نبيه بري دورا وموقعا محددا بالاتفاق مع الحزب الايراني، لا يزيد ولا ينقص الا بأمر الولي الفقيه في طهران!
الى اليوم، لم ينسَ ابناء “حركة أمل”، ما الحقه بهم الحزب الايراني! ولدى اول بارقة أمل، سيسعون الى استعادة ماضي الخلاف المؤلم بين الطرفين، للانقضاض على الحزب واسترداد ما يعتبره “الحركيون” حقهم السليب.
فهل لاحت بارقة الامل أخيرا؟
مؤخرا، وفي اعقاب الحديث الاخير للامين العام للحزب الايراني، وعلى خلفية ازمة تشكيل الحكومة اللبنانية، حيث نسف نصرالله كل المعايير التي كان يان يتم العمل عليها لتشكيل الحكومة واعاد موضوع التشكيل الى نقطة الضفر، أصدرت “حركة أمل” بيانا، أقرب الى منطق الرئيس الحريري و « المبادرة الفرنسية »- بياناً يختلف جذريا مع ما طالب به نصرالله.
“أمل” طالبت بحكومة اختصاصيين مستقلين برئاسة الرئيس سعد الحريري، في حين طلب نصرالله حكومة تكنوسياسية « كتافها عراض »!
تزامنا، بدا واضحا ان الرئيس الحريري يستند الى دعم قوي من الرئيس نبيه بري في وجه العهد ومحاولات العرقلة التي يبتدعها الرئيس عون وفريقه الرئاسي بقيادة صهره جبران باسيل، ومن خلفهما الحزب الايراني.
بري عمل على تحييد حليفه التاريخي رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، لان جنبلاط محاصر بين فكي كماشة الحزب الايراني من جهة، والتيار العوني من جهة ثانية، ومحاولات افتعال الاحداث الامنية الدرزية-الدرزية، بين الحين والآخر، من « الفساقين » الى « الشويفات » الى « خلده »، حيث يقف انصار وئام وهاب وطلال ارسلان في مواجهة مفتوحة مع انصار الحزب الاشتراكي، لصالح الحزب الايراني.
وبالتزامن مع الازمة الاقتصادية المستشرية، بدأت المعاناة تضرب جمهور الشيعة، وسط زيف ادعاءات نصرالله بأن “بيئته المقاومة”، لن تتأثر لا بعقوبات دولية ولا بازمة اقتصادية. فشيعة لبنان يُعانون، اسوةً بمواطنيهم من المسيحيين والسنّة والدروز » من انعكاسات الحصار الاقتصادي على لبنان ومطاردة الولايات المتحدة لكل اشكل التحويلات المالية الى لبنان خصوصا تلك الموجهة الى الحزب الايراني، وعموم الشيعة.
الازمة الاقتصادية، كشفت ايضا الفروقات الاجتماعية بين اتباع الحزب الايراني، وابناء “حركة أمل”. فما زال المحظيون من اتباع الحزب الإيراني يتقاضون الى الآن معاشات بالعملات الصعبة، في حين ان انصار « الحركة » يتقاضون رشوتهم من رئيسها عبر توظيفات في القطاع العام، ورواتبهم بالليرة اللبنانية التي خسرت اكثر من 80% من قيمتها وقدرتها الشرائية في اقل من عام. وتالياً، بدأت الازمة تطرق ابواب هؤلاء في ظل عجز الرئيس نبيه بري عن تلبية احتياجات عموم ابناء الطائفة من غير المحظيين من انصار الحزب الايراني.
مع اشتداد الازمة الاقتصادية، سعى انصار الحركة الى التظاهر احتجاجا! وبدأت ملامح احتجاجات في ضاحية بيروت الجنوبية، الامر الذي استدعى ان ينفذ ما يسمى “عناصر الانضباط”، التابعين لـ« الحزب الايراني” انتشارا كثيفا في شوراع الضاحية، وصولاً الى طريق المطار ومحيطه، لمنع اي احتجاج او تظاهر او قطع طريق قد يقوم به مواطنون شيعة مدعومين من « الحركة ».
وعلى اثر بيان “حركة أمل” الذي طالب بحكومة اختصاصيين من 18 وزيرا وتأييد المبادرة الفرنسية خلافا لما يريده امين عام الحزب الايراني، « اشتعلت » الحرب على جبهات التواصل الاجتماعي بين الحركيين وانصار الحزب الايراني، ما استدعى عقد اجتماع على وجه السرعة بين ما يعرف بـ« الخليلين”، اي علي حسن خليل مساعد الرئيس بري، وحسين خليل مساعد امين عام الحزب الإيراني، بحضور وفيق صفا مسؤول ما يسمى “وحدة الارتباط والتنسيق”، في الحزب الايراني، لاحتواء الخلاف القديم المستجد بين عناصر الحركة والحزب.
هل استشعر نبيه بري ان الوقت اخيرا قد حان لتحصين المكتسبات التي سعى واستطاع تحصيلها للطائفة الشيعية بعد ان تأكد ان امين عام حزب الله حسن نصرالله سيضيعها في سياساته الانتحارية التابعة كليا لايران؟
بين الرئيس الراحل كميل شمعون والرئيس نبيه بري!
يحكى ان الرئيس نبيه بري تعلم اول درس في السياسة على يد الرئيس كميل شمعون، في « مؤتمر لوزان » الذي عقد عام 1984، حيث كان بري نزيل الطبقة الثالثة من الفندق، والرئيس شمعون في الطبقة الخامسة. واثناء توجه الرئيس شمعون بالمصعد ليلا الى “لوبي” الفندق، توقف المصعد في الطبقة الثالثة ودخل نبيه بري، فتجاهله الرئيس شمعون، الى ان لفت نظره احد المتواجدين في المصعد، الى دخول بري المصعد. فسأل الرئيس شمعون عن من يكون دخيل المصعد فقيل له نبيه بري، فربت على كتفه، وقال له « لم لا نلتقي ليلا في غرفتي »، فوافق بري.
وليلا قصد بري غرفة الرئيس شمعون، فبادره الى السؤال عن مطالبه فعدد بري خمسة مطالب، فقال له الرئيس شمعون « لك ما تريد، وغدا في الجلسة سترى »!
وفي اليوم التالي، بدأ بري يعدد، مطالبه، فكان شمعون يوافق على أول طلب لبري ويرفض التالي، وكان ان تمت الموافقة على ثلاث مطالب لنبيه بري من اصل خمسة.
بري فوجيء برفض شمعون لطلبين من مطالبه بعد ان كان وافق على المطالب الخمسة ليلا! وعندما التقاه لاحقا، سأله لماذا اعترضت على المطلبين؟
فبادره الرئيس شمعون بالقول، لو وافقت على المطالب الخمسة لما كنت حصلت على اي من مطالبك! وهكذا استطعت تمرير ثلاثة مطالب من اصل خمسة!
هكذا هي السياسة يا نبيه!
فها استشعر بري اخيراً، ان كل ما جمعه بضرب السيف سيبدّده نصرالله بـ”مرحبا يا خال” كرمى لمصالح ملالي طهران، فقرر استعادة زمام المبادرة؟
الايام المقبلة كفيلة بتبيان حقيقة الخلاف بين بري وامين عام الحزب الايراني.