عدد الفارّين من الخدمة في الجيش وأجهزة الأمن بلغ بضع مئات بعد خسارة رواتبهم ٩٠ بالمئة من قيمتها!
فجأة وبعد تقطيع اوصال البلاد لثلاثة ايام متواصلة، قامت قوى الجيش اللبناني بفتح جميع الطرقات اليوم، الأربعاء، بعد أن خلت من المحتجين ومضرمي النار بالدواليب! وتم فتح الطرقات بسهولة تامة، بعد ان اختفى المحتجون ليلاً، مثلما كانوا ظهروا على الطرقات باعداد متواضعة!
اللافت في الاحتجاجات الاخيرة، غياب “الثوار“، الذين كانوا يحتلون الساحات منذ 17 تشرين من العام 2019، وظهور « نوعية جديدة من المحتجين » تظهر للمرة الاولى في الطرقات باعداد متواضعه جداًَ
واللافت ايضا أن العديد من متقاعدي الجيش اللبناني تصدروا الشاشات، وكان يتحدث نيابة عن هؤلاء العميد خليل الحلو، والعميد جورج نادر، وسواهما!
واللافت ايضا ان عناصر الجيش، وقفوا يتفرجون على بضع عشرات من المحتجين، يقومون بحرق الدواليب وقطع الطرقات من دون ان يقدموا على منعهم بالقوة المفرطة احيانا، جريا على عادتهم منذ اكثر من سنة ونصف السنة!
وهذا عدا أن مراسلين ميدانيين نقلوا مشاهدات عينية عن ضباط في الجيش طلبوا من المحتجين عدم مغادرة الشارع.
واللافت ايضا، ان المحتجين كانوا يُخلون المواقع التي يقطعون فيها الطرقات أثناء الليل، وتسهر قوى الجيش على الخيم التي نصبوها لقطع الطرقات!
واللافت ايضا، دقة التنظيم، على مساحة الاراضي اللبنانية، حيث وفي ساعة الصفر، نزل المحتجون في اكثر من موقع وطريق وتقاطع واشعلوا النيران بالاطارات ومكبات النفايات. وكما كانت ساعة الصفر واحدة لاشعال الحرائق وقطع الطرقات، كانت هناك ايضا ساعة صفر للانسحاب من الطرقات وترك امر ازالة رواسب الاطارات والمكبات المحترقة وشطف الطرقات لعناصر من الجيش، معززين بمدرعات وناقلات جنود.
معلومات تتساءل بشأن ما حصل، وهل كان التحرك محصورا بمتقاعدي الجيش اللبناني؟
وهل ما حصل كان تمهيدا للقاء المتلفز لقائد الجيش مع قادة الالوية وكبار الضباط ليعلن فيه مواقف منها إداري، ومنها سياسي؟
وفي اعقاب الاحتجاجات نشر وزير الماليه السابق علي حسن خليل، على صفحته على موقع تويتر، تغريدة تضمنت إنه تقدم اليوم باقتراح قانون معجل مكرر بإعطاء دفعة مالية بقيمة مليون ليرة لبنانية شهرياً لكل ضباط وعناصر القوى العسكرية والأمنية لمدة ٦ أشهر نظراً للظروف الاجتماعية والمالية ولأهمية الدور الاستثنائي الذي تقوم به“.
إميل لحّود اقتحم وزارة المالية وفرض، فعلاً، « زيادات باهظة »، وغير مستحقة، على خزينة الدولة!
ما حصل في الايام الماضية يعيد اللبنانيين بالذاكرة، الى العام 1992، حين كان فؤاد السنيورة وزيرا للمالية، وطالب يومها قائد الجيش اميل لحود، بزيادة رواتب العسكريين، فرفض الوزير السنيورة، لاسباب مالية تتعلق بعجز خزينة الدولة. فما كان من قائد الجيش حينذاك (غير المغفور له) العماد اميل لحود، الا ان عمد الى تطويق وزارة المال واقتحامها، والاعتداء على عدد من الموظفين لارهاب السنيورة، الذي عاد ليقر زيادة الرواتب للعسكريين!
وبعكس ما ورد في الخطاب التلفزيوني لقائد الجيش قبل يومين، فالواقع هو أن قائد الجيش ثم الرئيس الأسبق إميل لحّود فرض زيادات « باهظة » لرواتب الضباط « ومخصصات تقاعدهم » أثارت، في حينه، استهجان قيادات محترمة في الجيش و« الشعبة الثانية » القديمة!!
لماذا انتفض قائد الجيش؟
بالامس توهم اللبنانيون ان قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، انتفض على السلطة السياسية، وضرب يده على الطاولة، في اعقاب اجتماع امني اقتصادي، دعا اليه الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، بعد ان بلغ سعر صرف الدولار الاميركي رقما قياسيا تجاوز العشرة آلأف ليرة لبنانية، ما أدى الى نزول محتجين على تقاعس السلطة واستهتارها، الى الشوارع وقطع الطرقات لثلاثة ايام متتالية.
المعلومات تشير الى ان اللقاء في بعبدا الذي ضم الى الرئيس عون قادة الاجهزة الامنية، وحاكم المصرف المركزي، ورئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، وعدد من الوزراء، هو لقاء يحمل في افضل حالاته صفة اللقاء التشاوري، إذا لا صفة تقريرية له ولا تنفيذية، حيث ان القرارات التي صدرت في اعقابه، منوطة بالحكومة وليس بلقاء يدعو اليه الرئيس.
وتضيف المعلومات ان الرئيس طلب من قادة الاجهزة الامنية قمع المحتجين وفتح الطرقات على جري العادة، باعتبار ان حرية التنقبل للمواطنين يكفلها الدستور. ولكن حصل ما لم يكن في حساب الجنرال الهرم، حيث رفض قائد الجيش العماد جوزف عون، التعرض للمحتجين طالما ان هؤلاء لا يعتدون على الاملاك الخاصة والعامة!
وتشير المعلومات الى ان عون عرض باسهاب لواقع الجيش، الذي يتعرض لنزف بشري، بفرار العناصر واستقالات لكبار الضباط بسبب الازمة الاقتصادية. حيث ان راتب الجندي تراجع من حدود 500 دولار شهريا الى 50 دولار في اقل من سنة، وبما ان القيادة ترفض قبول استقالات العناصر في المرحلة الراهنة، فهذا ما ادى ويؤدي الى حالات فرار سواء داخل البلاد او الى خارجها، بحثا عن فرص عمل وعيش كريم.
وأسهب عون في شرح معاناة الجنود، وان من بقي منهم في السلك العسكري، يعمل في اوقات فراغه، سائقا لسيارة اجرة، او عامل تنظيف في سوبر ماركت او عنصر امن في المراكز التجارية الكبيرة، او حتى عامل تنظيفات وهذا ما يضر بسمعة المؤسسة العسكرية، ويؤثر سلبا على معنويات الجنود .
وفي حين تجاوز عدد الفارين من المؤسسات الامنية 200 عنصر من مختلف الرتب، طالب قائد الجيش الرئيس عون والمجتمعين بوضع خارطة طريق لحل الازمة المالية في البلاد. وعندما لم يسفر الاجتماع عن اي نتجية عملية وعلمية، سارع قائد الجيش الى طلب عقد اجتماع لكبار الضباط في مقر قيادة الجيش، وأعلن عبر اللقاء المصور تلفزيونيا، عن ان الجيش لن يقوم بقمع المتظاهرين، طالما انه لا يوجد اي اعتداء على الاملاك العامة والخاصة.
قائد الجيش سأل اهل السلطة “هل تريدون جيشا أم لا؟“.
وسأل الكثير من الاسئلة التي يجاهر بها قائد للجيش للمرة الاولى في لبنان .
وما لم يقله القائد جوزف عون، عبرت عنه مصادر اطلعت على تفاصيل ما جرى في لقاء بعبدا، حيث ان الرئيس عون اعتبر ان الازمة المالية بحت تقنية، وهي ناتجة عن تلاعب بعض المنصات الالكترونية بسعر صرف الدولار، رغم كل الشروحات الاقتصادية التي لطالما كررها حاكم المركزي على مسامعه.
الرئيس عون يعيش حالة انكار، وهو يرفض ان يصدق ان عهده فشل على كل المستويات، وان الازمة الحالية من طبيعة سياسية، وليست تقنية، وهو لا يريد ان يرى ان البلد محاصر بفعل سياسات صهره في وزارة الخارجية، وانقلاب عون على ادبيات تياره، فبعد ان استثمر سياسيا في محاربة الدويلة وسلاح الميليشيا لصالح الدولة، انقلب على ذاته واصبح يدافع عن الميليشيا على حساب الدولة! ولا يرى الرئيس عون ان عدم تشكيل حكومة وتعطيل المبادرة الفرنسية هو من مسؤولية صهره.
وفي غياب المبادرات لاي حل مقبل، خصوصا في ضوء ما نقل عن الرئيس عون، من انه « لم يستسلم للمدفع، وبالتالي لن يرضخ تحت ضغط ارتفاع سعر صرف الدولار »، فهل سيرضى قائد الجيش بـ« رشوة” المليون ليرة لجنوده وضباطه لمدة ستة أشهر؟
والآن..؟
كيف سيتصرف الجيش يوم السبت المقبل، حيث دعا ثوار 17 تشرين الى احتجاجات تصاعدية؟ وهل سيتعامل معهم كما تعامل مع محتجي الايام السابقة اي ان يتفرج عليهم يقطعون الطرقات ولا يمنعهم طالما انهم لا يعتدون على الاملاك العامة والخاصة؟
اسئلة عدة تطرح في ضوء ما جرى في الايام السابقة!
بينها سؤال عما إذا كانت الاحتجاجات التي اندلعت على مدى ٣ ايام الماضية مقدمة لكي يمسك قائد الجيش بزمام المبادرة في الشارع على قاعدة “الامر لي“، ويُطل بخطاب سياسي إداري يمكن أن يكون بداية الشروع في مشروع لخلافة سلفه الجنرال عون في قصر بعبدا؟
*
إقرأ أيضاً في نفس السياق:
« الإنقلاب » متى؟: لماذا يسعى حزب إيران لإسقاط الجيش وقائده؟
(واللبنانيون أيضاً!) لوكوانتر نقل إلى قائد الجيش رسالة ماكرون: « نعول عليكم »!
الأمن “ينتفض”؟: الأمن أحبط أكبر عملية تهريب مخدرات في تاريخ لبنان!