غيّب الموت، اليوم، رمزا من رموز السياسة اللبنانية عموماً، وعلامة فارقة في زمن وصاية نظام الاسد الاب على لبنان، النائب ميشال المر، الذي كرس نفسه زعيما متنيا بكل الوسائل التي ملكتها يداه، وصولا الى إسقاط شقيقه غبريال زوراً في الانتخابات النيابية، وإبطال نيابته، لصالح غسان مخيبر، واستصدار قرار باقفال محطته التلفزيونية “ام تي في”!
ميشال المر ليس شخصية سجالية سياسية لبنانية!
انه واضح وضوح الشمس، لا يخفي خياراته السياسية. منذ البدايات الكتائبية مع الشيخ موريس الجميل، وصولا الى بشير الجميل! ولم يوفر الجنرال عون ( قائد الجيش الذي أنقذ إبنه « الياس » من القتل حينما سقط مقر إيلي حبيقة في « الكرنتينا » أمام « انقلاب » جعجع!) بالتحالف معه فترشح على لوائحه، وانضم الى تكتله، الذي لم يحتمل « مغرورين » اثنين، فغادر المر « تكتل الاصلاح والتغيير » ليعلن انه مستقل، ولكن بعد ان استوعب « تسونامي عون »، وانتخب نائبا.
كان المر ساعيا ولاهثا للموقع والمركز.
للمقارنة: حين انتخب الرئيس الشهيد رينيه انيس بك معوض رئيسا للحمهورية اللبنانية، ساء الامر منافسيه التقليديين في زغرتا الذين كانوا منشغلين بخلافاتهم بين زعامة الراحل روبير فرنجيه، الذي كان يجاهر بـ”عونيته” وابن شقيقه سليمان، الذي انتدب نفسه للمحافظة على “الخط”. وحينها قال آل فرنجيه “اختلفوا بيت فرنجيه ببعض، فخلع ابن انيس بيك حذاءه وتسلل ليأخذ منصب رئيس الجمهورية“.
ميشال المر، لم يتسلل الى المتن فهو ابن كاهن الرعية في بلدة « بتغرين » المتنية، انتزع زعامة المتن بساعده، بثروته، بعلاقاته المتشعبة والمتقلبة.
عراب الاتفاق الثلاثي، عراب ايلي حبيقه المنقلب على « قواتيته »! دفع حبيقه ثمن الاتفاق وأُخرج من المنطقة الشرقية حينها، وبقي المر صامدا في المتن!
ثمن الاتفاق الثلاثي قبضه المر بتكريسه زعيما على المتن ولاعبا رئيسيا على الساحة السياسية بزنود رئيس ما كان يُسمى « جهاز الامن والاستطلاع السوري في لبنان » (المخابرات السورية) اللواء غازي كنعان، الذي سلط المر على كل الوزارات، فكانت طلباته اوامر ورغباته اوامر وجميع الوزراء يريدون كسب وده. لا خشية من قوته بل من ردة فعل غازي كنعان، الذي لم يوفر المر يوما حين كان وزيرا للداخليه، فـ”نقعه” ساعة في مقره في عنجر قبل ان يستقبله، لانه اراد الوشاية على جميل السيد! فعاقبه كنعان باقصائه عن وزارة الداخلية واستبدله بنجله، الياس.
المر الذي اشتهر بالغرور رفض التخلي لنجله، ولم يثق به، فهو لا يثق الا بنفسه.
المر وعلى الرغم من تقدم العمر به، رفض التخلي عن مقعده النيابي، وأسر لانصاره انه يريد ان يتوفاه الله نائبا!!
رفض ان يترشح نجله الياس في الدورة الانتخابية الاخيرة وكان له ما اراد فأصابته الجائحة وهزمته.
« طابِق المرّ »!
ميشال المر راكم ثروة مع شقيقه من اعمال المقاولات في افريقيا، وعاد الى لبنان ليفاقم ثروته، مستفيدا من المناصب الوزارية التي تولاها، وطبع مرحلة الفساد باسمه من خلال ما يعرف في لبنان اليوم بـ”طابق المر”، وهو تعديل فرضه المر على قانون الهندسة المدنية ليوم واحد فقط، ليجيز لنفسه بناء طابق اضافي على استثماراته العقارية، فأجاز لنفسه الترخيص لمخالفة بناء فـ« قوننها »!
المر عمل على استتباع اهالي المتن. فكانت الوظائف تمر عبر « العمارة”، مقر مكاتبه السياسية. فلا بلدية تستطيع ان تحصل على اموالها من دون المر، ولا طريق يتم تعبيده من دن موافقة المر، ولا مأمور احراج يتم تعيينه من دون موافقة المر، ولا ترقيات في القوى الامنية من دون المر، ولا توظيفات من دون المر. وكان يتباهى بانه خلال حملاته الانتخابية يُحمل على اكتاف مناصريه.
صاحب مرسوم « تجنيس السوريين »
اما ابرز تقديمات المر لنظام الوصاية كان مرسوم التجنيس الذي بموجبه زرع “المُجنَّسين السوريين » في قرى المتن وبلداته، وكان يستقدمهم بالباصات اثناء الانتخابات النيابية ليعزز اصوات ناخبيه.
برحيل المر تطوى صفحة رمز من رموز الوصاية السورية على لبنان، كان فيها المر شريكا مع الرئيس الراحل الياس الهراوي والسابق اميل لحود، وسليمان وفرنجيه وايلي حبيقه وايلي الفرزلي مسيحيا، ونبيه بري ووليد جنبلاط وسليم الحص وعمر كرامي وسواهم من الذين ساروا في ركب الوصاية، كل لحساباته ترهيبا او ترغيبا.