لماذا تساءل البطريرك الراعي عمن يقتل « مسيحيين” في لبنان؟
أين أصبحت التحقيقات في جريمة « إعدام » المصور اللبناني جو بجاني على مسافة مئات الأمتار من القصر الجمهوري ومن وزارة الدفاع، أي في « المربّع الأمني » لرئاسة الجمهورية والجيش! حتى الآن، لم يصدر بيان لا عن رئاسة الجمهورية، ولا عن الجيش، حول عملية « الإعدام بكواتم صوت » التي هزّت لبنان، وشكّلت صفعة مدوّية للدولة، ونسبَها معظم اللبنانيين إلى الحزب الوحيد « المتخصّص بالإغتيالات » وهو حزب الله الإيراني!
وزير داخلية لبنان برّأ حزب الله من الجريمة بنسبة 99%، واتهمه بنسبة ١ في المئة! الغريب في مداخلة الوزير هو كلامه عن العثور على « هاتف القاتل » قرب مكان الإغتيال مع أن معلومات التحقيق الأولية تحدثت عن العثور على « هاتف القتيل » في القماطية! أيهما أصحّ؟ واستطراداً، قال معالي الوزير محمد « سبع البورومبو » فهمي أنه ليس هنالك « مربّع أمني » لحزب علي خامنئي في الضاحية! لافِتًا إلى أنّ “كل الأحزاب لديها مناطق تتخذ فيها إجراءات أمنية »! « خوش وزير »!
— Theresia Rahme (@theresia_rahme) December 21, 2020
بيان عائلة جو بجّاني لا يقنع الرأي العام
بعد ايام على اغتياله بطريقة مافيوية موصوفة على يد عناصر ملثمين مزودين بكواتم للصوت، صدر عن عائلة المغدور جوزف بجاني بيان توضيحي، جاء فبه:
1_ “بعد المصاب الجلل الذي اصاب عائلتنا باستشهاد ابننا جوزف بجاني بطريقة مأساوية، يهم العائلة ان توضح للرأي العام ما تتداوله بعض وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي و منها أنّ المغدور كان من أوّل الواصلين الى المرفأ فور حصول الانفجار.
« يهم العائلة أن توضّح أنّ الشهيد المغدور كان في 4 آب أثناء الانفجار في مستشفى أوتيل ديو (مستشفى النهاري) لمتابعة علاج والده جورج بجاني وكانوا من القلائل الذين نجوا من تساقط الردم في المستشفى، كما ان الشهيد المغدور لم يصور في المرفأ لا قبل الانفجار ولا اثناء الانفجار ولا بعده اذ لم يحصل على ترخيص من المراجع المختصة.
« ان الشهيد المغدور كان يعمل في شركة ALFA للاتصالات في القسم التجاري ولا علاقة له في داتا الاتصالات
« وان زيارته الى الجنوب كانت حصرا لشراء الزيت من اقاربه في ابل السقي.
« ان الشهيد المغدور ليس منتميا الى اية جهة حزبية، وليس له اي عداوات أو أحقاد مع أي كان.
فهل تلقت عائلة المصور لجاني تهديدات جدية دفعتها الى اصدار بيان ينفي علاقة المصور المغدور بمرفأ بيروت من قريب او بعيد؟
وإذا كان المصور المغدور مواطنا عاديا يمارس حياته بهدوء وسكينة، فلماذا تم تجنيد 10 اشخاص ملثمين مجهزين بكواتم للصوت، يقتلونه بدم بارد، في وضح النهار، ويسرقون هاتفه النقال وكاميرته؟
ولماذا استقبل البطريرك الراعي عائلة جو بجاني، ونوّه بوجودها في القداس البطريركي الأحد الماضي؟ ولماذا تساءل البطريريك الراعي عمن يقتل « مسيحيين” في لبنان؟
فيديو « الجناح » صحيح أم مفَبرّك؟
ومع اعلان العائلة ان كل ما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمت الى الحقيقة بصلة، تم تسريب مقاطع فيديو على شبكة “الواتس آب“، تظهر ما قيل إنه مصنع صواريخ للحزب الايراني في في منطقة « الجناح » صوّره بجاني (حسب من سرّبوا الفيديو) اثناء جولة نظمها الحزب الايراني للإعلاميين داخل منشأة لتصنيع وصهر الحديد ردا على إدعاء رئيس وزراء اسرائيل بأن المنشأة هي لتصنيع الصواريخ وحسب من سرّبوا الفيديو فان بجاني استطاع تصوير ما قيل انه اسطوانات صاروخية! الا ان لا شيء يربط المغدور بجاني بالمقاطع المسربة ولا بأن ما يظهر من خلالها هو فعلاً اسطوانات صواريخـ علماً ان الجولة الاعلامية كانت في ٢٩ ايلول/سبتمبر المنصرم اي قبل انفجار مرفا بيروت بحوالي خمسة ايام!
أين أصبحت التحقيقات في ٥ إغتيالات سابقة؟
في أي حال، كان سبق اغتيال المصور بجاني قتل 5 اشخاص لا يرتبطون بعضهم ببعض، جميعهم من « المسيحيين »، في المناطق التي كانت تُعرف سابقا بـ « المنطقة الشرقية »، وهم حسب التسلسل الزمني لقتلهم:
– في آذار/مارس من العام 2017، تم اغتيال العقيد المتقاعد في شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك اللبنانية في مرفأ بيروت جوزف سكاف، بعد تعرضه لهجوم من قبل مجهولين انهالوا عليه بالضرب بألآت حادة، بعد ان ركن سيارته في موقف البناء الذي يقطنه في محلة « بيت الشعار » في المتن الشمالي.
وكان سكاف حذر من وجود نترات الامونيوم في مرفأ بيروت في وثيقة رسمية ممهورة بتوقيعه وموجهة الى الى رئاسة مصلحة التدقيق والبحث عن التهريب جاء فيها: “نحيطكم علماً انه وردت لهذه الشعبة معلومات عن وجود الباخرة RHOSUS وهي راسية على الرصيف رقم 11 في مرفأ بيروت، محملة بنيترات الامونيوم الذي يستعمل للتفجير وهو شديد الخطورة ويشكل خطراً على السلامة العامة، علماً أن الباخرة كانت قد دخلت المرفأ بتاريخ 19 تشرين الثاني 2013 بالحمولة المذكورة حيث كانت متوجهة الى الموزامبيق احد دول افريقيا… لذلك نقترح الايعاز الى رئاسة ضابطة بيروت العمل مع السلطات الامنية لابعاد هذه الباخرة عن الرصيف الى كاسر الموج واذا امكن وضعها تحت الرقابة من قبل تلك الاجهزة الموجودة في المرفأ“.
– انطوان داغر الموظف في بنك بيبلوس وهو كان يرأس “دائرة الاخلاقيات وومخاطر الاحتيال” في البنك، هو وجد مقتولا في موقف سيارات في الحازمية، في 4 حزيران/يونيو 2020، نتيجة اصابته بآلة حالة على رأسه.
– وفي ١ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠، تم العثور على العقيد المتقاعد في الجمارك اللبنانية منير ابو رجيلي جثة هامدة في بلدة قرطبا في بلاد جبيل، حيث اشار تحقيقات الطبيب الشرعي الى انه تعرض لضرب بآلة حادة على رأسه.
والمثير للاستهجان ان قوى الامن الداخلي اللبناني نفت خبر القاء القبض على قاتل العقيد ابو رجيلي بعد صدور بيان يعلن عن القاء القبض عليه، وأن « أسباب القتل شخصية”!
وجاء في بيان النفي الذي نشرته قوى الامن الداخلي عبر حسابها على “تويتر“: “تداولت بعض وسائل الاعلام خبراً عن توقيف شعبة المعلومات المشتبه به بقتل العقيد المتقاعد في الجمارك منير ابو رجيلي في محلة قرطبا، إن هذا الخبر عارٍ من الصحة وما زالت التحقيقات جارية بإشراف القضاء المختص“.
وكان سبق اغتيال المصور جو بجاني بيوم واحد قتل قبطان يخوت في مدينة جونيه شمال بيروت، حيث كشفت قناة العربية :”عن وفاة شاب لبناني يُدعى إيلي صفير بحادث “مشبوه”. وربطت القناة بين وفاة صفير (36 عاماً) وجريمتي قتل العقيد أبو رجيلي والمصوّر الشاب جو بجاني.
وكتبت القناة: “من بين هذه الجرائم “الغامضة” بتوقيتها وعلاقتها بانفجار المرفأ، ما أشارت إليه مصادر مطّلعة لـ”العربية” حول وفاة “مشبوهة” لسائق يخوت في ميناء جونيه التي تقع شمال بيروت في محافظة جبل لبنان، وذلك قبل يوم واحد من مقتل جوزف بجاني”.
ولفتت المصادر، بحسب “العربية”، إلى أنّ صفير “كان يقود يوم 4 آب يختاً كان يرسو في عرض البحر على مقربة من مرفأ بيروت، وربما كان يملك معطيات حول ما حصل هناك في تلك اللحظة”.
الجرائم الخمس دفعت بالبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للتساؤل عن معنى مسلسل قتل مسيحيين!
المغدورون لا يرتبطون بعضهم ببعض سوى من زاوية علاقتهم بقضايا تتصل بدور وممارسات الحزب الايراني، حيث ان انطوان داعر الموظف في بنك بيبلوس، ربما كان يعمل عل ملفات حساسة تتصل بمهامه المصرفية، المتعلقة بتبييض اموال واحتيال، في حين ان الاربعة الآخرين يتصلون بجريمة تفجير مرفأ بيروت.
بعد هذا « المسلسل » الذي يشبه « فيلم إيراني طويل »، قال امين عام الحزب الايراني حسن نصرالله في مقابلة تلفزيونية ان “أكثر من جهة حذرتنا من استهداف شخصي خاصة بعد اغتيال قاسم سليماني واستهداف قادة حزب الله هدف إسرائيلي أميركي سعودي مشترك” وشدد على ان “مصادر خاصة قالت لي أن محمد بن سلمان في أول زيارة له إلى واشنطن ولقاء ترامب طلب اغتيالي شخصياً“.