من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الربيع المقبل (بين ٢٢ مايو و٢١ يونيو). ويمكن الإشارة حتى الآن إلى عزم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الترشح، لكنه بطبيعة الحال لن يمثل التيار المحافظ، بل سيرفضه المحافظون وسيمثل تياره وجماعته (الذي يُعتبر في جزء كبير منه شريحة محرومة، غاضبة وساخطة على الأوضاع القائمة، حسب الباحثة فاطمة الصمادي).
فالمتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس كدخدايي، الذي ينتمي إلى المحافظين، قال ردا على أنباء عزم نجاد على الترشح: “من الناحية القانونية، يمكن للأفراد تسجيل الأسماء للترشح في أي وقت، ولكن نوصي بألا يقوم الأشخاص الذين جرى استبعادهم في الماضي بالتسجيل مجددا”، في إشارة إلى عدم المصادقة على ترشح أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في ٢٠١٧.
وفيما كانت الانتخابات الرئاسية في إيران تشهد دائما تنافسا تقليديا بين مرشحي التيارين البارزين المحافظ والإصلاحي، فلم يتم الاتفاق حتى اليوم على أسماء تمثّل كل تيار في الانتخابات.
وهناك أسباب عدة قد تفسّر تأخر ظهور الأسماء، ويبدو أن الملف النووي والتفاوض مع الأميركان بشأنه هو الأبرز بين هذه الأسباب.
وحسب بعض المتابعين، يبدو اسم وزير الخارجية محمد جواد ظريف مطروحا كمرشح رئاسي سيختاره الإصلاحيون شريطة أن يوافق هو على الترشح! فيما هناك عدة أسماء على الجانب الآخر المحافظ، كرئيس السلطة القضائية ابراهيم رئيسي ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف والرئيس الأسبق للمجلس علي لاريجاني ووزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي.
لكن، لماذا يطرح الإصلاحيون اسم ظريف كمرشح قد يمثلهم في الانتخابات، بالرغم من أنه لا ينتمي إليهم وإنما إلى ما يسمى بالتيار المعتدل أو الوسطي الذي ينتمي إليه الرئيس حسن روحاني؟
إن ترشّح ظريف باعتباره ينتمي للمعتدلين، إن تم، سيحظى بقبول المرشد آية الله علي خامنئي. فظريف قاد دفّة المفاوضات مع القوى الدولية حول الملف النووي وحقق ببراعة ما كان يصبو إليه خامنئي من توصّل بلاده لاتفاق، وقد تم ذلك في ٢٠١٥. وهو لا يزال ملتزما بتنفيذ وصايا المرشد فيما يخص مسألة الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني.
من جانب آخر، فإن ترشّح ظريف سيدفع الإصلاحيين وجماهيرهم الواسعة للمشاركة في الانتخابات بعد ضمان أن مرشحهم لن يتم استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور، في حين يخشون استبعاد أي مرشح إصلاحي. وفي ظل المشاركة الشعبية الكبيرة المتوقعة، سيتّحد الإصلاحيون في جبهة قوية مع التيار المعتدل وسيقوي ذلك من فرص فوزهم في الانتخابات.
إن تأكيد الإصلاحيين على أن يكون ظريف مرشحهم، إن صح ذلك وتم، سيكون فرصة مهمة لبقاء إحدى السلطات الثلاث (وهي الرئاسية/التنفيذية) بيدهم، بعدما فقدوا السيطرة على السلطة التشريعية، فيما استمرت هيمنة المحافظين على السلطة القضائية.
يبقى عامل مهم من شأنه أن يكون فاصلا في إعلان كل تيار، الإصلاحي والمحافظ، عن اسم مرشح أو أكثر للانتخابات الرئاسية. ويتمثّل ذلك في طبيعة موقف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من الملف النووي ومن العودة إلى الاتفاق النووي الذي مزقه الرئيس دونالد ترامب. فهذا الموقف إذا ما كان إيجابيا بالنسبة لطهران فمن شأنه بالنسبة للإصلاحيين أن يعزّز من مساعيهم للضغط على ظريف من أجل الترشح، بل إنه قد يكون نقطة فاصلة في تحديد موقف ظريف قبول الترشح من عدمه، باعتباره سيفتح له المجال لتحقيق إنجاز على الأرض لا يختلف كثيرا عمّا تم إنجازه في ٢٠١٥.
لذلك، سيتنافس الإصلاحيون والمحافظون لتبنّي مرشح رئاسي للإنتخابات الرئاسية قادر على التعاطي مع أي موقف أميركي إيجابي من الملف النووي. ومن المتوقع كذلك، خاصة إذا ما أرسل الأميركان رسائل إيجابية فيما يتعلق بهذا الملف، أن ينتظروا إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية لكي يقرروا بعدها كيفية التعاطي مع طهران.
إذ سيختلف هذا التعاطي مع الإصلاحيين في حال ترشح ظريف وفوزه بالانتخابات، عنه مع المحافظين الذين “يتشوّقون” للتوافق مع واشنطن لتحقيق نصر يحسب لهم ولمشاريعهم السياسية والاقتصادية.