إشارات:
تأجل موعد انعقاد قمة مجلس التعاون الخليجي (41) المعتاد في ديسمبر الى 5 يناير 2021، ومن المرجح أن يعقد في الرياض بدلا من المنامة، بحضور جميع قادة مجلس التعاون.
ونقلت صحيفة ” الرأي” الكويتي في 2 ديسمبر عن مصادر دبلوماسية ان القمة ستكون مغلقة، لافتة إلى أن تكون المصالحة الخليجية على رأس جدول الأعمال بعد التطورات الإيجابية التي شهدها هذا الملف مؤخرا بفضل وفعل الجهود الكبيرة والمضنية التي بذلتها دولة الكويت من الساعات الأولى لاندلاع الأزمة الخليجية في 5 يونيو 2017 حيث تولّت دور الوسيط « الرسمي” إلى جانب وسطاء آخرين وبالدرجة الأولى إدارة ترامب في هزيعها الأخير ومعها سلطنة عُمان.
لقد حرصت الدبلوماسية الكويتية الناجحة على إنهاء الأزمة التي كادت تطيح بكيان مجلس التعاون الخليجي، وتوجت ذلك بالإعلان رسميا مطلع ديسمبر 2020 عن « مباحثات مثمرة خلال الفترة الماضية، بشأن تحقيق المصالحة الخليجية”.
واوضح البيان الكويتي ان « كل الأطراف التي شاركت في مباحثات المصالحة اعربت عن حرصها على الإستقرار الخليجي » معربا عن تقديره لصهر الرئيس ترامب مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر.
في الأثناء، كان كوشنر قد قام بزيارة لكل من الرياض والدوحة، وأثار ملف الأزمة وضغطَ من اجل تحقيق تقدم باتجاه إنهاء النزاع مشددا على فتح الأجواء السعودية أمام الطيران القطري.
المعلوم أن هاجس إدارة ترامب في أيامها الأخيرة تركّز حول التصعيد مع إيران إلى ذروة تستدعي وحدة الصف الخليجي في مواجهة “مرتقبة” بين واشنطن وطهران. وهي مواجهة تستدعي فتح الأجواء السعودية والخليجية عموما أمام الرحلات الجوية القطرية لتجنيب الطائرات المدنية أخطار المواجهة, إضافة إلى أن فتح الأجواء سيحرم إيران من نحو 100مليون دولار سنويا هي عائدات مرور الطيران القطري عبر أجوائها.
لا شك ان المصالحة الخليجية ستحرم إيران الكثير من العوائد والفوائد، وستعود بالنفع على دول الخليج. كما أنها تعبر عن حاجة أمريكية بل حاجة ملحة لترامب في التوقيع على نهاية فترته الرئاسية بـ”ضربة”موجعة للاقتصاد الإيراني. ومن هنا كان الضغط الأمريكي قويا في الآونة الأخيرة على إطراف النزاع الخليجي للوصول إلى تسوية.
إن الإدارة الأمريكية على قناعة بأن الأموال التي تدفعها قطر لإيران تغذي الاقتصاد الإيراني المنهك، وتسمح لإيران بتمويل برامجها العسكرية بسهولة كبيرة، وتعتبر ذلك تهديدا . وقد نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”عن مصادر مسؤولة ان النزاع الخليجي يعد مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، ليس لأنه بين حلفاء إقليميين يعتمد عليهم الأمريكيون في النفط والقواعد العسكرية، بل لأنه يؤدي إلى تفتيت جهود ترامب لعزل إيران في الشرق الأوسط والعالم. خاصة وأن المعركة الأكثر أهمية لهذه الإدارة هي ضد إيران. وعليه، ترجح أوساط عربية أن تشهد القمة الخليجية توقيعا بالحروف الأولى على وثيقة مبادئ لإرساء أسس جديدة لمصالحة قطرية مع دول المقاطعة الأربع، ومع السعودية بمفردها كخطوة أولى.
وفيما تتواصل المساعي الحثيثة لإبرام المصالحة الخليجية لا تلوح في الأفق أية بشائر بخروج دخان أبيض من ثنايا هذه المساعي نحو اليمن.
إن كل اتفاق خليجي أو افتراق كان، في الغالب، يستبطن ما يشبه الإجماع غير المعلن على ان يبقى اليمن وأهله كالأيتام على موائد اللئام، من غير أن يعني ذلك التهوين من مسؤولية اليمنيين عن انحدارهم إلى قاع هاوية سوداء لا قرار لها.
كعب أخيل اليمني
كانت اليمن ولا زالت هي المتضرر الأكبر من تصدع وانقسام “تحالف دعم الشرعية” الذي لم ينجز الهدف الذي برر تدخله وإعلانه في 25 مارس 2017 الحرب على المليشيات الحوثية المدعومة إيرانيا لدحر انقلابها وإعادة الشرعية والرئيس هادي إلى صنعاء.
ما تحقق على الأرض، وما تمخضت عنه الحرب التي دخلت عامها السادس هو تحطيم وتمزيق بقايا الدولة والكيان اليمني وإعطاب تأثير وجدوى المعطيات والمزايا الجيو إستراتيجية اللصيقة بهذا الكيان، وتعطيل إمكانية قيام أي نظام قادم قادر على القيام بدور مؤثر في المنطقة.
و”لم تعد الدولة موجودة في اليمن”، وفقا لتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة.
لقد تقوضت الشرعية بفعل الانقلاب الحوثي أولا، وبفعل الحرب التي شنها التحالف العربي بهدف صرب الانقلاب وأفضت إلى تمكين الحوثي ومد نفوذه، بقصد ومن غير قصد! وتحولت اليمن إلى فريسة وغيمة حرب، وتشرذمت إلى كانتونات وإمارات ومليشيات متكاثرة ومتناحرة.
ومن الأيام الأولى لحرب “تحالف دعم الشرعية”بدت نقاط التقاطع بين أطرافه أقل من نقاط ومناطق الافتراق والتضارب التي برزت وتوسعت مع مضي الأيام والأعوام. وتقلصت مكوناته إلى أن تصدّع بصورة خطيرة مع الإعلان عن تعليق عضوية قطر لأنها ـ بحسب بيان دول التحالف الأربع ـ “تدعم الإرهاب وتتدخل في الشؤون الداخلية لدول التحالف”.
وكانت تداعيات التصدع الخليجي وخيمة على اليمن.
إذ سرعان ما احتمت المعارك الطاحنة بين المتنازعين الخليجيين في الساحة اليمنية عبر أدواتهم ووكلائهم المرتزقة، وسرعان ما انقسمت جلّ الأحزاب وخرجت عن نطاق الخدمة والتغطية الوطنية.
وبعد الأزمة الخليجية تفرغت دول التحالف لتنفيذ استراتيجياتها الخاصة بشراء الولاءات وبناء المليشيات والجيوش الموازية وبسط السيطرة على الموانئ والجزر اليمنية وتأمين الحدود البرية الطويلة مع اليمن.
وظهرت أطماع أمراء ومشائخ الإمبرياليات الفرعية الجامحة في الإقليم شرهةَ بلا حدود مع أن دورهم المرسوم هو أن يكونوا وكلاء، أيضا، لمن يوفر لهم غطاء الحماية ويهندس لهم الأدوار والوظائف.
وقد تفرغت دولة الإمارات لتنفيذ إستراتيجيتها الخاصة بالسيطرة على الموانئ والسواحل والجزر في بلد يمتلك ساحلا بحريا يصل مداه إلى 2200 كم مربع وما يزيد على 100 جزيرة بما فيها جزر ذات طبيعة إستراتيجية واقتصادية وايكولوجية فريدة كأرخبيل «سقطرى » الذي أصبح مغلقا في وجه اليمنيين و”الحكومة الشرعية” ومفتوحا للضباط الإماراتيين وضيوفهم من الخبراء الأجانب ولعمليات شراء واسعة للمزارع والأراضي والمنازل.
وبالتوازي، قامت بتشكيل وتمويل وتدريب أحزمة ونخب أمنية وعسكرية تجاوز عددها 90 ألف مقاتل، واستحوذت على اكبر منشأة لتصدير الغاز وحولتها إلى معسكر وسجن. كما هيمنت على ميناء عدن ومطار عدن في مضاهاة للحرس الثوري الإيراني الذي يهيمن على مطار صنعاء الدولي ويشرف ويتابع حركة الدخول والخروج لرحلات الطيران الأممية.
كذلك توجهت السعودية، وإن على نحو متأخر، نحو تنفيذ استراتيجيها الخاصة! فهي ترتبط مع اليمن بحدود برية تصل إلى 1800كم، وقد هيمنت على معظم الشريط الحدودي وتركزت هيمنتها على ثلاث محافظات تشكل اكثر من 60 في المئة من المساحة الجغرافية لليمن ـ المهرة، حضرموت والجوف.
واعتبارا من 2019، تركز جهد المملكة على إحكام سيطرة تامة على محافظة “المهرة” التي يعد ساحلها البالغ طوله 560 كم هو الأطول من أي ساحل في محافظة يمنية بإطلالته على بحر العرب الذي طالما حلمت السعودية بمد خط أنابيب النفط إليه لتصدير نفطها منه. إذ “,من المحتمل أن ينطوي ذلك على فوائد اقتصادية وأمنية كبيرة للرياض حيث سيتم تخفيض التكاليف المتعلقة بنقل النفط من الآبار السعودية على سواحل الخليج العربي والمناطق الجنوبية المحاذية لليمن عبر السماح للناقلات بتجنب مضيق هرمز وبالنظر الى التهديدات الإيرانية بإغلاق الممر المائي الذي يمر به خمس نفط العالم في حال اندلاع صراع مستقبلي” .ـ تقرير مركز صنعاء للدراسات الاسترتيجية حول المهرهـ .
مطلع هذا الشهر قام السفير الأمريكي في اليمن ـ مقيم في الرياض ـ بزيارة إلى محافظة المهرة بترتيب واستضافة سعودية. وفي الأثناء كانت دولة الإمارات ترتب وتستضيف الخبراء الأجانب في “سقطرى”.
لقد دفعت الهيمنة السعودية على « المهرة » سلطنةَ عمان إلى التماهي أكثر فأكثر مع محور قطرـ تركيا ـ طهران لأن تلك المحافظة كانت تشكل مجُال النفوذ الحيوي والتقليدي لسلطنة عمان.
برز محور الدوحة ـ انقره ـ طهران عشية اندلاع الأزمة الخليجية، وأصبحت الدوحة العاصمة الخليجية الثانية، بعد مسقط، المفتوحة لاستقبال القيادات الحوثية. وعملت على التنسيق بين الجناح التركي لإخوان اليمن من أتباع المرشد العام للإخوان اردوغان وأتباع المرشد الولي الفقيه خامئني الحوثيين، وفتحت باب الدعم الإعلامي اللامحدود للحوثيين. وتحولت قناة ” الجزيرة” وغيرها من القنوات القطرية ومعها القنوات” الثورية” اليمنية الممولة قطريا إلى منصات هجوم على “تحالف دعم الشرعية” ومحطات لاستضافة وبث الفعاليات الحوثية وخطابات “السيد” عبد الملك الحوثي.
في السياق، استمر خط الدوحة مفتوحا لقسم كبير من القيادات السياسية والمليشاوية التابعة لـ”حزب الإصلاح” ـ الإخوان ـ ودفعت بقادة بارزين في” المقومة” لإنشاء معسكر في”يفرس” بـ”تعز” التي صارت مسرحا لمواجهات بين قوى « المقاومة” وللتصفيات والاغتيالات بين أتباع قطر والإمارت. وقد ورد في بعض التقارير ان “جيش حمد” نسبة إلى والد أمير قطر تميم، يضم اكثر من خمسة الآف مقاتل، سلحتهم تركيا وأمنت لهم قطر المرتبات والغطاء المالي. وبدت قطر حريصة على أن تكون أدواتها في مناطق التماس مع مناطق النفوذ الإماراتي أو في خاصرة تلك المناطق، وهي حريصة أكثر على أن تكون مناطق النفوذ الإماراتي في تعز وعدن مخترقة وملتهبة على الدوام. وفي تلك المناطق، تجري معارك تحت الشمس وتصفيات واغتيالات وكلها عبر وكلاء ومرتزقة الدولتين اللتين تدفعان بسخاء وأحيانا تدفعان الفتات لإتباع جياع.
وأصبحت اليمن بلا جزر ولا موانئ ولا سواحل ولا دواخل.
لقد أفضى انقسام التحالف إلى حرفِ بوصلة المواجهات، كما حوّل الحرب الى حروب داخل “المناطق المحررة” التي غدت تحت وصاية واحتلال من جاؤوا لتحريرها.
كما ساهم الانقسام في زيادة فساد الشرعية، الفاسدة أصلا، وفي استعار التكالب على مناصب ومغانم سلطة لا وجود لها. وتسابقت كل الأطراف إلى تشكيل كيانات ومؤسسات متنافسة على النفوذ. وبدلا من سلطة الفساد السابقة الواحدة، انفسح المجال لظهور دويلات القتل الجماعي والقتل على الهوية، والتشكيلات العسكرية المتنافسة والعصابات الإجرامية.
لقد تسبب انقسام التحالف وتضارب مصالح وأهواء أطرافه في تراجع هيبة ومكانة المملكة العربية السعودية، وانكماش حدود تحكّمها حتى على دائرة المتحالفين معها في الداخل اليمني وفي الإقليم.
وفيما كان من المنتظر أن تظهر لجهود الإعمار المعلن عنها نتائج ملموسة على الأرض، حدث العكس تماما وظهرت نتائج الاستثمار في المليشيات والفصائل والقبائل والكيانات التي قامت على أنقاض مجتمع مبعثر.
لقد خاضت دول الخليج، باستثناء الكويت، حربا شرسة في اليمن كلا تبعا لأجندته. ومن هنا كان تقاسم النفوذ على بلد طريح وذبيح، واستنساخ القماشة الملكية المتبعة في تلك البلدان في مجرى التعامل مع الجماعات اليمنية التي سارع بعض المتهافتين من رموزها إلى ارتداء الزي الخليجي و”العقال”! وكما درجت هذه الدول على التعامل مع بُنى وكيانات ما قبل الدولة، فقد توجهت خلال هذه الحرب نحو كيانات قبلية ومناطقية وعائلات ومجموعات ودويلات صغيرة, وطوحت بمظاهر الحياة السياسية ورتوشها الحداثية بضربات قاضية.
المضحك المبكي أن أطراف الأزمة انخرطت بجدّ في تقمص دور من يقف مؤيدا لـ”الثورة” او ما سمي “الربيع العربي” ويدعم جماعة الأخوان والتيار القبلي المشيخي بلا حدود، كما فعلت قطر. وفي مقابل ذلك انبرت الإمارات لتقف مع” الثورة المضادة” وسارعت إلى احتواء تركة النظام السابق وتدوير مخلفاته وتعبئة فلولة وحشدها في مجال جغرافي بالغ الحيوية هو الساحل الغربي و”ميناء المخاء”، كما احتضنت ابرز القيادات السياسية الموالية لصالح وأنجاله واستثماراته، و”بيّضت” أمواله.
لقد تسابق القطريون والإماراتيون على الكثير من أصحاب السوابق وكان لهم ما أرادوا. والواضح أنهم لم يتحسبوا للضربات المرتدة المتأتية عن هذا الضرب من الجموح.
في الأثناء كانت المليشيات الحوثية تزدهر وتتمدد، ودخلت المواجهات في الكثير من الجبهات في مد وجزر ومراوحات طويلة. وظهر جليا بان البنية التحتية للمليشيات الحوثية والإخوانية و”القاعده” والإرهابيين والمهربين في اليمن: واحدة.
كل ذلك يجري تحت نظر ورعاية وتمويل من أطراف وازنة في التحالف. وقد تخصبت البيئة اليمنية لنمو المليشيات وانتشارها في عموم البلاد من لحظة انفجار صيغة وبنية الدولةـ القبيلة في 2011 حينما عصفت بها رجة الاحتجاجات الشبابية والشعبية قبل أن تفقد براءتها.
ولأن القابلية للتدخل الخارجي متلازمة يمنية، وسمة ملازمة للشخصية القاعدية اليمنية، وبالنظر إلى الهشاشة المستفحلة في كل الحقول والمجالات فقد كان التدخل الخارجي شرسا ومتوحشا.
إن حجم التشابك بين الأزمة اليمنية والأزمة الخليجية كبير وخطير للغاية، وليس بالإمكان ولا من حق الدول الخليجية أن تدير ظهرها لما حدث في هذا البلد المنكوب بنخبه وجيرانه معا… تحتاج دول الخليج لأن تراجع بجد سياستها تجاه اليمن فهي ضالعة، بقصد او من غي قصد، في تشظيه وشتاته.
وعليه ستكون قمة المصالحة الخليجية ناقصة بل وقد تكون فاشلة إذا لم يندرج الملف اليمني في صلب جدول الأعمال.
إن التعويل على “اتفاق الرياض”والحكومة المرتقبة خلال أيام لا معنى له! فهو اتفاق مفخّخ يحمل أسباب انهياره وانفجاره في داخله كونه لا يلامس المحنة اليمنية، ولا يحيط بجذور القضية الجنوبية. وهو كغيره من الاتفاقات التي كان مفعولها قصير الأجل كأي حقنة مهدئة يلتقط فيها المتحاربون أنفاسهم ليعاودوا الحرب بأكثر ضراوة وهمجية.
وقد لاحظ فريق خبراء الأمم المتحدة، بحق، وعقب الاتفاق المذكور بأيام “انه يعتبر بمنزلة اتفاق إقليمي لإضفاء شرعية على سلطة الأمر الواقع التي فرضها الانتقالي المدعوم اماراتيا”.
وبمعنى أوضح يحتاج اليمن من دول الخليج أن تكف عن اللعب بالنار في اليمن, وان تدعم جهود إرساء مصالحة وتسوية شاملة، وتدعم بالدرجة الأولى غير الملتاثين بالدماء والفساد من اليمنيين للوصول إلى تسوية تنزع أسباب وفتيل الحرب، ويقرر فيها اليمنيون مصيرهم كما يريدون!
على ان تتعهد دول الخليج وتلتزم بـ “مشروع مارشال” تجاه اليمن. وذلك هو القليل من حق اليمنيين على جيرانهم الذين عبثوا في ديارهم. وهو ليس بكثير على الدول الأغنى في العالم التي تعرضت خلال هذه الحرب لأكبر عملية ابتزاز ونهب من قبل ترامب وشركات الأسلحة في أمريكا والغرب.