كان أبو بكر البغدادي قبل أن يصبح زعيم تنظيم الدولة الاسلامية بين من يحضرون دروسه “الشرعية” قبل أن يتراجع عن «سلفيّته »!
اغتال مسلحون الخبير العراقي في شؤون الأمن والجماعات المسلحة هشام الهاشمي أمام منزله في حي زيونه ببغداد مساء الاثنين.
ويُعتبر الهاشمي البالغ من العمر ٤٧ عاما من الخبراء العراقيين في مجال الجماعات المسلحة وخاصة الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» وخليفته « تنظيم الدولة الاسلامية ».
اعتقلت السلطات العراقية الهاشمي إبان حكم صدام حسين أواخر تسعينيات القرن الماضي بسبب “توجهاته السلفية” وأطلق سراحه عام ٢٠٠٢.
وكان أبو بكر البغدادي قبل أن يصبح زعيم تنظيم الدولة الاسلامية من بين من يحضرون الدروس “الشرعية” لهشام الهاشمي قبل أن يتراجع عن توجهاته السلفية. وبات الهاشمي بسبب تخليه عن أفكاره السابقة هدفا لمختلف الجماعات السنية المتشددة.
وخلال أعمال العنف التي سيطرت على العراق في أعقاب الهجوم الأمريكي في ٢٠٠٣ كان الهاشمي يقدم المشورة لمخلتف الساسة والمسؤولين العراقيين وغيرهم خلال تلك المرحلة.
كما استعان به للمشورة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
قام الهاشمي باجراء مقابلات مع الشخصيات الاسلامية المتطرفة خلف القضبان في الدول الاوروبية والشرق الأوسط في اطار بحثه في فكر وتوجهات الجماعات المتطرفة وتقديم النصح والاستشارة للمسؤولين بناء على تلك المقابلات.
ووصفته المستشارة السياسية للقيادة العسكرية الأمريكية في العراق ما بين ٢٠٠٧ و٢٠١٠ « ايما سكاي » قائلة بأنه كان محللا فذاً وكاتباً غزير الانتاج ومراقبا جديرا بالاحترام للشأن العراقي.
وفي اعقاب هزيمة تنظيم « القاعدة » وتراجع نشاطه، التفت في كتاباته الى الجماعات الشيعية المسلحة وخاصة تلك المقربة من إيران مثل « كتائب حزب الله » العراقي و »حركة النجباء » و »عصائب أهل الحق ».
عندما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من العراق في ٢٠١٤ استعانت الحكومة العراقية بالهاشمي لتقديم المشورة حول كيفية الحاق الهزيمة بالتنظيم وكان دائم الظهور على وسائل الاعلام الدولية.
واستطاع الهاشمي تفكيك هيكلية التنظيم والكشف عن معلومات عن أبرز قادة التنظيم، لا سيما الذين احتجزوا في سجن بوكا: مثل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وسمير الخليفاوي المعروف باسم (حجي بكر) المخطط الإستراتيجي في التنظيم، وأبو عبد الرحمن البيلاوي، الذي يعد من أهم مؤسسي التنظيم، وأبو مهند السويداوي، وهو قيادي يوصف بالمتشدد ومن مؤسسي التنظيم، وأبو أحمد العلواني الذي يعد أهم قائد أمني لدى التنظيم، وأبو مسلم التركماني، كبير مساعدي البغدادي، وإسماعيل علوان العيثاوي المعروف باسم أبو زيد العراقي، وأبو يحيى العراقي مساعد البغدادي، وعبد الناصر قرداش نائب البغدادي.
ونتيجة لغزارة المعلومات عن الشخصيات والأسماء القيادية التي شكلت نواة تنظيم الدولة، فإن الهاشمي يُعدُّ أول من أماط اللثام عن قيادات التنظيم في كل من العراق وسوريا، حيث أفصح عن أسماء ومعلومات تخص قيادات التنظيم وآلية عملهم.
ولدى الهاشمي مؤلفات عديدة، منها “عالم داعش”، و”نبذة عن تاريخ القاعدة في العراق”، و”تنظيم داعش من الداخل”. كما لديه أكثر من 500 مقال وبحث منشور في الصحف والمجلات العراقية والعربية والأجنبية، وجميع هذه الكتب تتحدّث عن الجماعات المتطرفة وعوالمها السرية.
كنا سلط الهاشمي الضوء على انشطة الجماعات المسلحة المقربة من إيران التي اكتسبت نفوذا متعاظما في الحياة السياسية في العراق بسبب الدور الذي لعبته في المعارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية.
ونشر الهاشمي قبل أيام من اغتياله بحثا مفصلا عن الهيكل التنظيمي للحشد الشعبي، وعدد الفصائل والألوية المسلحة داخله، وتطرق من خلاله إلى التقاطعات بين ما تعرف بفصائل المقاومة والمتطوعين الذي شكلوا الحشد الشعبي بعد قتالهم ضمن الفصائل الكبرى في العراق، ودوافع ألوية العتبات الدينية للانفكاك عن الحشد الشعبي والانضمام إلى وزارة الدفاع، وهو الأمر الذي تعارضه بعض الفصائل الشيعية وأجنحتها السياسية.
وكتب مدير برنامج الكويت وأستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد البروفسور « توبي دوج » في مدونته على موقع الجامعة في رثاء هشام: “إن قتل هشام ضربة معنوية كبيرة ضد الشعب العراقي. قتل لأنه كان يعمل دون كلل من أجل اصلاح النظام السياسي العراقي الذي ينخره الفساد والعنف”.
وحول الجهة التي تقف وراء اغتيال الهاشمي قال دوج:” إن قناعة الهاشمي بضرورة إصلاح النظام السياسي في العراق دفعه الى العمل مع الرئيس برهم صالح كمستشار ومع رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي ضمن فريق الليبراليين الاصلاحيين الذين يعملون معه وقتل بكل تأكيد بسبب العمل الذي كان يقوم به في هذا الشأن”.
وأضاف دوج أن “جماعات مسلحة منفلته استولت على الدولة في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية، ولا تتورع عن اللجوء الى العنف للدفاع عن مصالحها الواسعة. وهذا الامر كان موضع اهتمام هشام الهاشمي في الآونة الأخيرة وهذه الجماعات هي التي قامت بتصفيته بهدف ايصال رسالة واضحة لدعاة الاصلاح ولرئيس الحكومة مفادها أن يدها تطال الجميع دون استثناء”.
وكتب مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية في الشرق الاوسط مارتن تشولوف أن عملية اغتيال الهاشمي في وضح النهار وبكل جرأة تدفع الكثيرين إلى أن يفكروا مليا في الثمن الباهظ الذي قد يدفعونه جراء الحديث علنا وتسمية الاشياء بمسمياتها”.
وكان الهاشمي مستشاراً للكاظمي اثتاء قيادة الاخير لجهاز المخابرات. وشنت قوات الأمن العراقية قبل نحو أسبوعين حملة مداهمة في بغداد على مقر كتائب حزب الله العراقي والقت القبض على ١٤ عنصرا بسبب اطلاق صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء التي تضم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية. وظهر الهاشمي على العديد من القنوات الاعلامية العراقية والأجنبية مدافعا عن موقف الحكومة في مواجهة هذه الجماعة.
وكان الهاشمي يدرك الثمن الباهظ الذي قد يدفعه جراء مواقفه. وتحدث قبل ساعات من اغتياله لأحد أصدقائه في لندن عن التهديدات التي تلقاها من هذه الجماعة طالبا من صديقه النصح في كيفية التعامل معها.