ومعناه المبطن أن بكين مؤيدة لكل السياسات الإيرانية في منطقة الخليج العربي
إذا كانت لروسيا (وريثة الإتحاد السوفيتي) وللصين الحالية (وريثة صين ماو تسي تونغ) تاريخ حافل في معادة دول الخليج العربي على الأقل، أو تهديد أمنها واستقرارها عبر تقديم الدعمين العسكري والدبلوماسي لخصومها المعروفين زمن الحرب الباردة، فإننا لا نبالغ لو قلنا أن هذا التاريخ متواصل ومستمر إلى الآن بطرق قديمة وجديدة.
فلا يغرنك مثلا ما يطلقه سيد الكرملين “فيلاديمير بوتين” أو سيد الحزب الشيوعي الصيني “شي جينبينغ” من عبارات الود والصداقة تجاه قادة وشعوب وحكومات الخليج العربي. فتلك ليست سوى خطب دبلوماسية فارغة يستهدفان من ورائها الحصول على مكاسب اقتصادية وتجارية، أو وسيلة لتخدير عامة الناس كي تصفق لهما من جهة وتصفر لخصومهما الغربيين من جهة أخرى.
ويكفي كبرهان مراجعة مواقف الدولتين وطريقة تصويتهما في مجلس الأمن الدولي، حيث يمتلكان حق النقض (الفيتو). فهما لم يترددا قط في استعمال الفيتو لإسقاط قرارات تصب ضمنا في صالح إستقرار الخليج، على غرار ما فعلتاه في قضيتي العراق وسوريا، دعك من محاولات البلدين السرية لفك شيء من الخناق المفروض على نظام الملالي الجائر في طهران عبر تهريب السلاح والتكنولوجيا له أو شراء الصين نفطه بطرق ملتوية
واليوم نأتي إلى حالة تصلح لأن نؤطرها ونرفعها في وجه كل أولئك العاطفيين المخدوعين الذين يراهنون على موسكو وبكين كقوى مجسدة للخير ومؤيدة للحقوق العربية في مقابل قوى الشر التي تمثلها الولايات المتحدة والغرب (حسب مفهومهم) .. أولئك الذين ما أن نكتب كلمة نقد أو عتب ضد الصين تحديدا إلا وهبوا لوصفنا بـ“التنمر ضد دولة صديقة صاعدة ستغدو قريبا سيدة العالم شاء من شاء وأبى من أبى“.
أما هذه الحالة فهي ما كشف عنه دبلوماسيون ومراقبون في الأمم المتحدة بأن الصين باتت أكثر تشددا من روسيا الإتحادية فيما يتعلق بتمديد قرار حظر الأسلحة على إيران (بدأ الحظر في مارس سنة 2007 بموجب القرار 1747، وجرى تجديده عام 2010 بالقرار 1929. ومعنى هذا ان الصين، التي تصفها حكوماتنا بالدولة الصديقة، ستقف بكل قواها ضد مشروع قرار أمريكي يطالب بتجديد الحظر الدولي قبل إنتهائه في شهر أكتوبر المقبل. ومعناه أيضا أن الصينيين لا يكترثون بما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة في أحدث تقرير له عن تنفيذ القرار 2231 لعام 2015 من أن الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي استهدفت المنشآت النفطية في السعودية خلال سبتمبر 2019 إيرانية المصدر، ومعناه المبطن أن بكين موافقة ومؤيدة لكل الخطوات والسياسات الإيرانية في منطقة الخليج بما في ذلك الإستمرار في بناء قوتها النووية، وتهريب السلاح إلى المتمردين الحوثيين الذين يهددون أمن واستقرار المملكة العربية السعودية وشقيقاتها الخليجيات، وتأجيج الأوضاع في العراق وسوريا، ومساندة حزب الله اللبناني ماديا وعسكريا في خطط هذا الحزب الإرهابي للسيطرة على لبنان وإبعاده عن محيطه العربي، والسكوت عن مخططات أردوغان للتمدد في الأرض العربية جنوبا وغربا.
لقد استمع مجلس الأمن الدولي خلال جلسة مشاورات عبر الفيديو عقدت في الرابع والعشرين من يونيو إلى إحاطة من مندوبة الولايات المتحدة “كيلي كرافت” وإحاطة أخرى من المبعوث الامريكي الخاص بإيران “براين هوك”. في هاتين الإحاطتين أكد كل منهما على خطورة رفع حظر إستيراد وتصدير الأسلحة عن إيران لأن طهران لم يصدر منها خلال خمس سنوات منذ صدور القرار الاممي 2231 ما يؤكد إنتفاء الأسباب التي دعت مجلس الأمن إلى إصدار القرار المذكور. كما أكد المسؤولان الأمريكيان على أن الصواب والحكمة يقتضيان موافقة جميع أعضاء مجلس الأمن الـ الــ 15 على مشروع القرار الأمريكي القاضي بتمديد الحظر على إيران لجهة إستيراد وتصدير ونقل السلاح.
لكن هيهات أن تستمع بكين ومعها حليفتها الروسية إلى صوت الحكمة والعقل. فعداؤهما لكل ما يصدر من الولايات المتحدة والغرب أعماهما عن المخاطر التي تشكلها إيران الخامينائية، بنزعتها الطائفية وأجندتها التوسعية، على منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم. وقد بدا هذا واضحا من المناقشات التي جرت في جلسة مجلس الامن المشار إليها. ففيها تطرق المندوب الروسي إلى انسحاب واشنطون من إتفاقية 1+5 الخاصة بنووية إيران، مضيفا أنه لا يحق لها أن تأتي الآن وتنقض جزءا منه. أما المندوب الصيني فلم يكن أكثر تشددا من زميله الروسي فحسب وإنما أفصح ايضا، من حيث لم يدر، عن أسباب رفض بلاده لمشروع القرار الأمريكي، وذلك حينما قال “لا توجد إمكانية لإعتماد مشروع القرار الأمريكي … لأنه صورة من صور الضغوطات الأمريكية القصوى، وبالتالي لا قيمة له ولا أساس لمناقشته” أي أن بكين لا ترى في القرار فائدة أو مسوغ فقط لأنه صناعة أمريكية ، ولتلعب إيران على هواها في العالم مهددة الأمن والسلم الدوليين، ولتعاني دول الخليج العربية من جرائمها وجرائم وكلائها وأذنابها.
وإزاء هذا التعاون والتناغم الروسي ــ الصيني المشترك حيال المشروع الأمريكي، وخصوصا في حالة تذبذب مواقف بريطانيا وفرنسا (العضوين الدائمين الآخرين في مجلس الأمن والموقعين على الصفقة النووية مع إيران) قد تنجح طهران في العودة تحت أنظار العالم إلى الساحة كمستودة وبائعة وناقلة لمدافع الهاون والدبابات والمركبات المدرعة والطائرات المقاتلة والحوامات الهجومية والسفن الحربية والصواريخ وأنظمتها من دون الحاجة إلى موافقة مجلس الأمن، وهذا سيضع ــ دون شك ــ العديد من البلدان في خطر، ولاسيما تلك الحاضنة لأذرع إيرانية، بل سيؤدي إلى غليان مضاعف في العراق وسوريا واليمن ولبنان وغيرها، واحتمال استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة.
لكن ماذا تملك واشنطون كي تحول دون حدوث هذ الكارثة في ظل تعنت موسكو وبكين؟ بحسب ما صدر عن بعض المسؤولين الأمريكيين، فإن واشنطون، في حالة إخفاقها في الحصول على قرار أممي جديد لتمديد الحظر، سوف تلجأ لإعادة فرض كل العقوبات الدولية على إيران، رغم أن الحكومة الأمريكية انسحبت منها عام 2018. ومن الخيارات الأخرى أمام واشنطون فرض عزلة على كل من موسكو وبكين، علما بأنهما عزلتا في منتصف يونيو في وكالة الطاقة الذرية في أعقاب معارضتهما لتحرك من مجلس محافظي الوكالة للسماح لمفتشيها الدوليين بدخول موقعين إيرانيين يشتبه بوجود أنشطة نووية سرية فيهما.
وأخيرا صدق من قال “إن الأمم مواقف.. وفي الملمات حتى الحياد لا معنى له”، علما بأن الصين، باتفاقها الاستراتيجي الأخير مع طهران لمدة ربع قرن، انحازت علنا إلى العدو الإيراني.
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين