بصفة عامة هناك منحى في باكستان، لدى حكومتها وشعبها ومؤسستها العسكرية المهيمنة على الحكم، للاكثار من التطبيل والمديح للصين بمناسبة وغير مناسبة. فهي في نظرهم الدولة الصديقة التي وقفت وتقف إلى جانبهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، خصوصا وأن نزاعها المزمن مع جارتهم الهندية اللدودة جعل من مبدأ “عدو عدوي صديقي” ركنا من أركان السياسة الخارجية الباكستانية منذ سنوات بعيدة.
في المقابل هناك منحى عدائي ــ على الأقل في الأوساط الشعبية ولا سيما تلك المتأثرة بالأفكار الدينية المتشددة ــ ضد الولايات المتحدة الامريكية على الرغم من أن واشنطون كانت على الدوام ــ ولاسيما خلال سنوات الحرب الباردة ــ المصدر الأول والأهم للمساعدات العسكرية والتنموية التي لولاها لما استطاعت الحكومات الباكستانية المتعاقبة الصمود طويلا في وجه اختلال موازناتها العامة وضعف بنيتها التحتية وانكسار معنويات جيشها أمام انتصارات الجيش الهندي في ثلاث حروب خاضها الجيشان في الأعوام 1948 و1964 و1971.
لقد فرح الباكستانيون وهللوا كثيرا لمبادرة بكين الخاصة بـ”طريق الحرير” والمعبر الإقتصادي الصيني ــ الباكستاني وما سوف يجنونه على هامشها من مكاسب اقتصادية ومشاريع تنموية وطفرة في حركة التجارة واعادة التصدير، ضاربين بعرض الحائط التحذيرات الكثيرة التي نشرت تحت عنوان “سياسة فخ الديون” الصينية التي اكتوت منها بالفعل دول مثل سريلانكا وبعض الاقطار الافريقية الفقيرة.
اليوم يأتي تفشي وباء كورونا المستحدث ليضع باكستان أمام امتحان صعب. فما كانت تمني به النفس من إزدهار ورخاء من وراء مبادرة طريق الحرير لم يعد مؤكدا في ظل انخفاض معدلات النمو في الصين وتدهور تجارتها الخارجية وما تواجهه بكين من ضغوط وحملات ومساءلات من قبل دول العالم الكبرى جراء تسببها في أعظم كارثة إنسانية واقتصادية للعالم والبشرية في العصر الراهن. وفي الوقت نفسه تقف باكستان المعروفة أصلا بضعف إمكانياتها المادية واللوجستية لجهة مواجهة الكوارث، طبيعية أكانت أو وبائية، عاجزة ومتخوفة مما تخبئه الأيام لها من متاعب وانهيارات في نظامها الصحي خصوصا مع تفشي الوباء فيها واحتمال تضاعف الإصابات بها أضعافا مضاعفة جراء عدم تقيد نسبة كبيرة من سكان البلاد البالغ تعدادهم 215 مليون نسمة بوقف صلاة الجمعة وبقية الصلوات الجماعية في المساجد، ناهيك عن استمرار بعض الجماعات المتشددة مثل “تبليغي جماعت” في إقامة الندوات والتجمعات الدينية والدعوية، دعك من عاملين آخرين يكشفان حقيقة أوضاع البلاد المتدهورة، أولهما اضطرار السلطات إلى تخفيف إجراءات الإغلاق سعيا منها لإنعاش الأوضاع المعيشية للغالبية العظمى من مواطنيها الأجراء، وثانيهما نقص معدات الحماية من الفيروس الصيني والذي تسبب في احتجاجات قادتها الأطقم الطبية في إقليم بلوشستان الفقير وتم قمعها بهراوات الشرطة الثقيلة.
والمعروف أن باكستان حتى مطلع مايو الجاري كانت قد سجلت نحو 25 ألف إصابة مؤكدة بالوباء، وأكثر من 546 حالة وفاة، لكن يقال أن هذه الأرقام لا تعكس واقع الحال لأن السلطات الصحية لم تجر سوى فحوصات قليلة لم تتجاوز بضعة آلاف.
وبطبيعة الحال، لم يشأ رئيس الحكومة عمران خان أن يغضب الحليف الصيني فلم يأت على ذكره في معرض حديثه في 24 مارس المنصرم عن الوباء ومدى انتشاره في باكستان، بل امتدح السلطات الصينية قائلا أنها “تعاونت مع باكستان وقامت بتقديم المساعدة للباكستانيين الموجودين في المدن الصينية مما أدى إلى عدم دخول فيروس كورونا من الصين“. وفي الوقت الذي برأ فيه الصين تماما تحدث عن إيران قائلا أنها: “لم تحسن التعامل مع الوباء مما أدى إلى انتقاله إلى باكستان عبر الزوار العائدين من هناك“، مضيفا أن حكومته حاولت السيطرة على الزوار العائدين عند نقطة “تفتان” الحدودية، ولكنها لم تنجح لأن تلك المنطقة نائية وتفتقر إلى البنية التحتية اللازمة للفحص والحجر الصحي“.
كما أن الزعيم الباكستاني ــ الذي حاول تخفيف الأمر بدعوة شعبه إلى التآخي والإيمان وإعتبار الأزمة إختبارا من الله لـ“دولة مسلمة عظيمة” ــ لم يشأ أن يطلب العون من حليفه الصيني مباشرة، وإنما طلبه من المجتمع الدولي ككل، في صورة حث الدول الأكثر ثراء والمؤسسات المالية الدولية على تقديم الأموال وشطب الديون المستحقة على بلاده والدول الأخرى التي وصفها بـ“الدول الفقيرة التي تكبدت خسائر إقتصادية مدمرة في المعركة ضد فيروس كورونا المستجد“، علما بأن إجمالي الدين العام الباكستاني يبلغ 246 مليار دولار.
توقعت الحكومة الباكستانية أن تكون حليفتها الصينية في مقدمة المستجيبن لإستغاثتها، لكن هذا لم يحدث. فالبلد الذي حث المجتمع الدولي على مساعدة باكستان وغيرها كان السعودية، والجهة التي بادرت إلى تلبية النداء هو صندوق النقد الدولي الذي لا يخطو خطوة إلا بضوء أخضر أمريكي كما هو معروف. حيث قرر الصندوق تقديم 1.4 بليون دولار لباكستان في صورة مساعدة عاجلة غير محكومة باشتراطات الصندوق المعتادة، وذلك على أمل أن تقيها من الآثار الاقتصادية للوباء وتعزز بنيتها الصحية وتحميها من انهيار الموازنة العامة، مع الإستمرار في ضخ 6 بلايين دولار، كانت إسلام آباد قد اتفقت عليها مع الصندوق العام الماضي ضمن خطة مساعدة لمدة ثلاث سنوات.
ويبقى الحال على ما هو عليه في باكستان .. ثناء وتطبيل للصين (مصدر الوباء)، وعداء وكراهية للولايات المتحدة ( مصدر العون والاغاثة) .
Elmadani@batelco.com.bh
*أستاذ العلاقات الدولية المختص بالشأن الآسيوي من البحرين