منذ اليوم الأول لظهور مرض كورونا في الكويت، بدأ السياسيون بالتدخل في المسألة، خاصة أعضاء مجلس الأمة.
البعض منهم أرادوا أن يؤكدوا حضورهم الشعبي الطائفي وإثبات دورهم الشعبوي، فبدأوا بممارسة ضغط على الحكومة ورسم سيناريو الدفاع عن مصالح الكويتيين الشيعة باعتبار أن الغالبية العظمى من مرضى كورونا أو المشكوك في حالتهم المرضية هم من الشيعة القادمين من إيران. بينما البعض الآخر ظهر بصورة طائفية معاكسة، حيث أرادوا في ردة فعلهم تجاه المرض والمرضى القادمين من إيران أن يؤكدوا حضورهم المناهض للأيديولوجيا الشيعية المتعلقة بإيران حتى لو جاء ذلك على حساب الوحدة الوطنية التي عادة ما تبرز خلال الأزمات الكبيرة.
هذا الموقفان، المتضادّان والمتنافسان، يشيران إلى عدم حرص هؤلاء الساسة النواب بالمرض وبشفاء المرضى وبالصحة العامة في المجتمع، بقدر اهتمامهم بتحقيق مكاسب سياسية تخدم توجهاتهم الشعبية والشعبوية، خاصة وأن تلك المواقف تتأثر بتاريخ إجراء انتخابات مجلس الأمة والذي يصادف شهر نوفمبر القادم.
بينما يتحتم على السياسيين، من نواب وغيرهم، في ظل الأيام العصبية التي نعيشها، أن يتحملوا مسؤولية مراقبة الأداء الحكومي ازاء المرض وازاء معالجة المرضى، أكثر من اهتمامهم بتحويل ظروف ذلك إلى صراع طائفي وفئوي بهدف التكسب السياسي، أو التكسب الرخيص المليء بصراعات ضيقة تسيء لصورة العمل السياسي. إذ كان على هؤلاء تأجيل كل ذلك والتركيز على صحة المواطن والاهتمام بمصلحة الوطن، والإنشغال بالمساهمة في إدارة الأزمة، والمشاركة العملية مع فرق التطوع، والتبرع للجان العاملة. فحتى الآن لم نسمع عن نائب أو سياسي تبرع لتلك اللجان أو تطوع للعمل مثلا في أنشطة الهلال الأحمر الكويتي.
كورونا يا سادة يا نواب وسياسيين هو مرض، وليس فرصة يجب استغلالها لتحقيق مكاسب فردية أو أيديولوجية جماعية. هو تهديد ضد الأمن الصحي والاجتماعي، وليس مشروعا سياسيا وطائفيا ولا بد من استثماره ولو استفحل وكبر وانتشر. فأي جهد أو نشاط يعتبر كورونا فرصة يجب استغلالها وأي استثمار للتهديدات الناتجة عنه وأي مصلحة أو منفعة في هذا الإطار، ستؤدي لا محالة إلى ولادة تهديدات أخري قد تكون أخطر من المرض على أمن الوطن والمواطن.
فمثلما كورونا لا يمكن أن يكون فرصة لتجار الأدوية من أجل تحقيق مزيد من المكاسب المالية، لا يجب ايضا أن يكون فرصة لتجار السياسة والطائفية لتحقيق مكاسب سياسية. فتاجر الأدوية يستطيع أن يسرق أموال الناس، لكن الأصعب من ذلك هو أن يستهين التاجر السياسي بصحة الناس وأن يستغل مرضهم.
لذلك نقول بأن الحل الوحيد الذي يمكن تفعيله والاهتمام به في ظل الإمكانات التي نمتلكها، هو أن نعمل بصورة جماعية لمواجهة المرض. لا يكفي أن افكر بنجاتي أنا وأسرتي منه، بل يجب أن أفكر بنجاة جاري أيضا، وهذا الأمر يحمّلني ويحمّل كل سياسي وكل مواطن المسؤولية لكي يرمي بعيدا جميع الأفكار الفئوية الضيقة من ذهنه. يجب أن يكون ذلك قاعدة أساسية لمواجهة المرض وليس مجرد شعار. فنجاتي منه مرتبطة بنجاة كل من يستنشق هواء هذا الوطن.
أعلم بأن هذا الحل صعب تحقيقه في ظل بعض الظروف السياسية والطائفية والفئؤية الضيقة التي نعيشها، والتي تتحمل الحكومة مسؤولية ولادته واستمراره، لكن ماذا عسانا أن نفعل في مقابل هذا المرض وما هو البديل لذلك، فنحن لا نملك حلّا غيره.