لأنّ رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، يرغب في ردّ الجميل الذي يدين به لصديق، فقد استجاب على ما يبدو إلى طلب العون السريع من طرف رئيس حكومة إسرائيل، المُتّهم بنيامين نتنياهو، الذي يواجه ضائقة شديدة، قضائيًّا وسياسيًّا. فها هو فجأة يسارع إلى عرض الخطّة التي حاك خيوطها الثالوث غير المُقدّس، فريدمان-كوشنير-غرينبلاط، والمُسمّاة “خطّة القرن”، أو “صفقة القرن”، لحلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
ممّا تمّ تسريبه منها حتّى الآن يبدو أنّ هذه هي في الحقيقة “طبخة القرن الشائطة”، وليست صفقة يمكن أن يُؤسّس عليها بناء السلام الذي يُنظّم العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيّين ويضع حدًّا للصراع الدامي. إنّها طبخة نتنة تُرضي جشع الصهيونيين بالتهام الأرض الفلسطينية، كما وتُجذّر حالة “الأپارتهايد” وتُبشّر باستمرار الصراع لأجيال كثيرة قادمة.
هل تبقّت هنالك أوراق لعب في أيدي القيادة الفلسطينية؟ الحقيقة هي أنّه لم تبق ثمّة أوراق كثيرة. إذ منذ أن استولت حركة حماس على السلطة في قطاع غزّة، فقد أفلحت هذه في تحطيم فلسطين بوصفها كيانًا سياسيًّا وطنيًّا واحدًا، وتمّ استخدامها كأداة ناجعة جدًّا في أيدي إسرائيل لفصل العلاقة بين الضفّة وغزّة، اللّتين من المفروض أن تكونا وحدة سياسية واحدة على طريق بناء دولة فلسطينية.
إنّ استمرار سلطة حماس في غزّة يندمج في هذه الطبخة، التي سقطت على رأس الفلسطينيّين. إنّ هذا الفصل بين الضفّة وغزّة سيأخذ بالاتّساع، وسيأتي يوم ليس بالبعيد يتمّ فيه عرض اقتراح بالاعتراف بدولة غزّة بوصفها الدولة الفلسطينية، بمثابة دولة بنغلاديش فلسطينية يستند إلى ملايين الدولارات المقدّمة كمعونة لـ”فلسطين”، من إمارة قطر. ستعترف إسرائيل بدولة كهذه، وبذلك تصيب عصفورين بحجر واحد. من جهة، ستظهر أمام العالم كمن تعترف بدولة فلسطينية، ومن جهة أخرى ستُعمّق سيطرتها في الضفة الغربية، حتّى الاستيلاء على كلّ مخزون الأراضي الفلسطينية، وبذلك تقطع الطريق أمام أيّ احتمال لقيام دولة فلسطينية حقيقية في المستقبل.
لن يأتي الفرج للفلسطينيّين من العالم العربي. هذا العالم غارق حتّى العنق في مشاكله الذاتية، ولا أحد يرى نهاية لها. كما لن يحظى الفلسطينيون بالفرج من العالم الغربي. فهذا العالم، بثقافته اليهودية-النصرانية، لن يضغط أبدًا على إسرائيل، على الدولة اليهودية، لأجل العرب والمسلمين.
إذا كانت الحال على هذا المنوال، فماذا بوسع قيادة فلسطينية، ليست هذه الحالية البائسة، وإنّما قيادة حقيقية وجديرة بكلّ معنى الكلمة، أن تفعله للخروج من هذا المأزق؟
قيادة جديرة كهذه يجب أوّلًا أن تتّسم بالشجاعة وتُصارح الشعب الذي تدّعي قيادته وتمثيله أمام العالم، وأن تعترف بفشلها حتّى الآن في تحقيق الحقوق السياسية والوطنية للفلسطينيين في وطنهم، وأن تعتذر باسم القيادة السابقة عن الطريق التي سلكتها.
لقد هدّدت القيادات الفلسطينية الحالية البائسة غير مرّة في الماضي، وصرّحت بأنّه إذا لم يتمّ حصول تقدُّم في المفاوضات للوصول إلى حلّ يستجيب للمطالب الفلسطينية، فستقوم هذه بإلقاء المفاتيح للحكومة الإسرائيلية كي تتحمّل هذه مسؤولية إدارة شؤون المواطنين في المناطق الفلسطينية المحتلة. لقد ذهبت هذه التهديدات أدراج الرياح، ولم يتبقّ لها ذكر.
ها هي فرصة قد سنحت الآن لتحقيق هذا التهديد. إنّها الورقة الأخيرة التي ستتبقّى في أيدي قيادة فلسطينية حقّة وجديرة. إنّه سلاح يوم-الدين السياسي، والذي يمكن استخدامه ضدّ ألاعيب شركة “نتنياهو-ترامب” للعقارات.
لن ينشأ أيّ سلام من طبخة القرن الشائطة. على العكس من ذلك، إنّها وصفة مؤكّدة لتطوّر وضع بلقاني في أرض الميعاد، في هذه البلاد-المحروسة. نحن مقبلون على أيّام عصيبة كثيرة.
*
“هآرتس”، 27.1.20
For Hebrew, press here