بما أن الحكومة الكويتية برئاسة الشيخ جابر المبارك قدمت استقالتها بناء على قضايا ومسائل تتعلق بالفساد، وخاصة الفساد المالي، فإن المهمة الرئيسية الملقاة على عاتق حكومة الشيخ صباح الخالد الجديدة، هي أن تكون حذرة من التورط في قضايا مماثلة.
فرغم أن الفساد لا يعني المالي منه فقط، حيث هناك الفساد السياسي والاقتصادي والإداري، إلا أن عيون وآذان المجتمع الكويتي باتت اليوم تراقب الذمة المالية والأداء المالي للوزراء، وأصبح الكويتيون لا يعولون كثيرا على المطالب الأخرى التي كانوا يتبنونها ويشددون عليها، كمطالبتهم بتغيير النهج الحكومي، أو تغيير النهج البرلماني في علاقته بمسألة الصوت الواحد.
لا يمكن اليوم أن ننكر دور المواطن ومسؤوليته في موضوع تفشي الفساد. فالوقائع على الأرض تدلل على هذا الشيء. وقد يكون السبب وراء ذلك هو هيمنة الدولة الريعية الفاسدة، أو بسبب “ديمقراطيتنا” التي تسمى بـ”العرجاء”، أو النهج الحكومي الذي فرض على المواطن أن يطرق أبواب الفساد ليحقق مطالبه وينهي مشاكله. لذا لا نستطيع أن نغلق آذاننا ونسد أعيننا عن فساد المواطن، ومن ثم عن إفساد الحياة العامة.
و بعبارة أخرى، هل المواطن والحكومة يتحملان بالتساوي مسؤولية تفشي الفساد، أم هناك دور أكبر يتحمله أحدهما؟
من الأجدى والضروري القول إن الحكومة تملك غالبية المفاتيح التي يمكن من خلالها مواجهة الفساد ووقف تفشيه، ومن ذلك فساد المواطن. فذات الإنسان لا يمكن أن تكون فاسدة، وإنما فساده ينمو ويكبر انطلاقا من فساد السياسات الحكومية. فالأزمة الحقيقية، في تصوري، تتعلق بالسلوك السياسي الحكومي، الذي لا يستطيع أن يتمكّن ويهيمن إلا عن طريق الفساد، فتسيطر الحكومة من خلال ذلك على مفاصل الحياة السياسية وعلى المصالح والتوازنات النابعة عنها.
وتبدو مخارج هذه المعضلة فكرية ثقافية، وقانونية، وتستهدف الوعي الجمعي، وتمس أصل النظام السياسي في علاقته بتطبيق الديمقراطية وفصل السلطات وتداول السلطة والعمل الحزبي والمساءلة في إطار احترام القانون.
لا بد أن تعي الحكومة الكويتية الجديدة بأن ما أدى إلى استقالة الحكومة السابقة وإلى اعتذار رئيسها عن تشكيل حكومة جديدة، يتعلق بفساد “صندوق الجيش”، وكذلك بالإعتصام الجماهيري ضد الفساد الرسمي والذي نظم في ساحة الإرادة بدعوة من الناشط والنائب السابق صالح الملا. فإذا لم تدرك الحكومة الجديدة ورئيسها الجديد هذه الحقيقة أو تجاهلا رسائلها الشعبية المهمة، فسيواجهان مصيرا مشابها لمصير الشيخ جابر المبارك وحكومته.
فاستقرار الكويت مرتبط في الفترة الراهنة والمقبلة بنوع السلوك الحكومي في تعامله مع قضايا الفساد.