فوّتت “القوات اللبنانية”، بحسابات ضيقة، فرصة احداث “كوة” في جدار الازمة التي تعصف بالبلد منذ ١٧ تشرين الاول/أكتوبر الماضي.
“القوات” التي اجتمعت قيادتها حتى ما بعد منتصف ليل امس الاول، خلصت إلى عدم تسمية احد لتولي رئاسة الحكومة! وفي موقف اقرب الى “التشاطر” منه الى “الشطارة”، جاء في بيان “القوات”، الساعة الثانية فجراَ، ان “تكتل الجمهورية القوية“ سيعطي الثقة لحكومة برئاسة سعد الحريري في حال كانت على قدر طموحات اللبنانيين المنتفضين!
خطوة “القوات أدت الى تأجيل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة يوم الاثنين بطلب من الرئيس سعد الحريري، كون الغالبية المسيحية المتمثلة بكتلتي نواب التيار العوني والقوات اللبنانية ستحجمان عن تسمية الحريري. فضلا عن ان كتلا نيابية اخرى كانت اعلنت رفضها تسمية الحريري من جديد لتشكيل الحكومة، وتحريك الشارع في وجه الاستشارات عموما واعادة تكليف الحريري خصوصا.
موقف “القوات كان القشة التي قصمت ظهر البعير! وهي التي كانت قد اقامت الدنيا ولم تقعدها لانتخاب الجنرال عون رئيسا للجمهورية، بحجة ان تسميته جاءت نتيجة اجماع الغالبية المسيحية ومع ذلك، فقد أحجمت عن تسمية الحريري، مع انه الزعيم الاقوى في طائفته، ويحظى بغطاء المرجعية السنية في دار الافتاء، والقيادات السياسية للطائفة السنية المتمثلة برؤوساء الحكومات السابقين، الذين رشحوا الحريري لتولي عملية تشكيل الحكومة!
المعلومات تشير الى ان موقف “القوات” نابع من اعتبارات عدة تتراوح بين الشخصي والمسيحي العام.
خيانات “المستقبل”
ففي الشخصي، تشير المعلومات الى ان “القوات” عملت على “رد الاجر” للرئيس سعد الحريري، وحمّلته مسؤولية وقوفه ال جانب عون وجبران باسيل، منذ ان قال الرئيس سعد الحريري كلمته الشهيرة، متوجها الى الدكتور سمير جعجع في احتفال بمناسبة ١٤ آذار، عشية توقيع اتفاق معراب بين “القوات” والتيار العوني، قائلا: “يا ريت يا حكيم عملت هالخطوة من زمان شو كنت وفّرت على البلد“! ثم، وصولاً الى عملية تشكيل الحكومة المستقيلة، حين انصاع الحريري بالكامل لرغبات ومطالب الوزير باسيل، باعطاء “القوات” وزارات “الفتات”. ويُنقل عن الرئيس الحريري حينها قوله لـ“القوات“: “إذا ما بتمشو بالوزارات المقترحة، الحكومة بتمشي بلا “قوات“!
كذلك، ما بين الموقفين، من تحالف انتخابي بين “تيار المستقبل” والتيار العوني ادى الى خسارة “المستقبل” اكثر من ١٠ نواب من كتلته النيابية، وحجب بعض المقاعد النيابية عن “القوات” وتجييرها للتيار العوني في “دائرة الشمال الثانية” والبقاع الغربي والجنوب، وتكبير حجم الكتلة النيابية العونية على حساب الكتل التي كانت محسوبة على قوى الرابع عشر من آذار!
الدكتور غطاس خوري “مخرّب”!
وفي الشخصي ايضا، تعتب “القوات” على الرئيس الحريري، لفقدان التواصل والاتصال معها، طيلة الازمة، وعدم قطع تواصله واتصالاته، مع التيار العوني والرئيس نبيه بري، والوزير السابق وليد جنبلاط. وعندما اضطره الامر الى اصوات “القوات” في الاستشارات، لجأ الى ايفاد مستشاره الدكتور غطاس خوري- الذي تحمّله “القوات” مسؤولية تدهور العلاقات مع “تيارالمستقبل” والرئيس الحريري- لترميم ما انقطع من اتصالات بين الجانبين!
وفي العام، خشيت “القوات“، من حملة ستطالها، اعد لها التيار العوني بدقة، وكانت تنتظر ساعة الصفر، مع احتمال اعلان “القوات” تأييدها لتسمية الرئيس الحريري، لتشن على “القوات” حملة شعواء، إنطلاقا من تأييد جعجع للفاسدين وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، وفريق عمله، في وجه العهد ورئيسه وكل من يسعى لمحاربة الفساد! خصوصا رئيس التيار العوني، الوزير باسيل، الذي ما بنفك يصدح بانه يريد محارية الفساد “ولكنهم يمنعونه”! من دون ان يسمي “المانع المجهول” لحملته على المفسدين في الدولة.
ومع ذلك لم ترتقِ “القوات” الى مستوى المسؤولية الوطنية لرجال الدولة! فأصبح الوضع الحكومي معلقا على مشجب الثوار الذين يتعرضون يوميا للضرب والاعتداء من قبل بلطجية ثنائي حزب إيران و”أمل” في كل ساحات لبنان. ولم تلاحظ “القوات” ان احدا من السنّة لم يعد يجرؤ على الخروج على اجماع قيادات الطائفة تماشيا مع العرف الذي ارساه باسيل و “القوات” في انتخاب “القوي” في طائفته ما يضع عملية تشكبيل حكومة في مهب الريح، او العودة الى تكليف الرئيس سعد الحريري بشروطه التي اصبح بامكانه بعد موقف “القوات” ان يضيف اليها مزيدا من الشروط!
وبالمناسبة، فـ”القوات” (التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية تحت راية “أوعا خيّك”!) لم تنتبه إلى أن الشعب اللبناني الثائر يطالب بـ”قانون انتخاب جديد”، بدلاً من “القانون المِلّي”، الذي يمكن تسميته “قانون إيلي الفرزلي معدّلاً”، الذي جاء بنوّاب بـ٢٠٠ صوت وأسقط مرشّحين حازوا على ألوف الأصوات في الدائرة نفسها! منطق “القوات”، هنا، هو من نوع “لا صوت يعلو فوق.. مصلحة “القوات“!
اما الثوار، فيبدو انهم في حيرة من امرهم!
فهم قاموا بربع ثورة، ويبدو انهم لا يستطيعون استكمالها! فالثورة لا تستقيم في وجه الرئاسة الثالثة في لبنان فقط، فيُطلَب من الرئيس الحريري وحده القيام بكل الخطوات، سواء تلك المناطة به دستوريا كرئيس للحكومة، او تلك التي تعود للرؤوساء بري وعون. فالحريري استجاب لمطالب الثوار واعلن عن استقالة الحكومة، وقال انه في حال كلف تشكيل حكومة من جديد ستكون “حكومة تكنوقراط بالكامل”، وأنه سيعمل على انتخابات نيابية مبكرة فما الذي يريده الثوار بعد؟ّ
ومع ذلك لم يستجب لا الرئيس عون ولا الثنائي الإيراني-الأملى لأي من مطالب الثوار. فالثوار ممنوعون من القتراب على مسافة 3 كيلومترات على الاقل من المقر الرئاسي في بعبدا او من مقر المجلس النيابي في عبن التينة، في حين انهم يستمتعون بالتجمع امام مقر رئيس الوزراء يشتمون ويهتفون من دون ان يعترضهم احد!
هل الحريري وحده المسؤول عن ما آلت اليه الاوضاع العامة في البلاد؟ فما ينتظر الثوار معروف، إما استكمال ثورتهم والاستمرار حتى تنحي الرئيسين عون وبري واقامة مجلس حكم انتقالي يتولى ادارة البلاد الى حين اعادة العمل بالدستور. واما العمل على تسوية تتيح لهم القبول بالارباح التي راكمتها الثورة حتى الان ومن بينها حكومة تكنوقراط برئاسة سعد الحريري، تبقى تحت اشراف الثوار ورقابتهم. واما ادخال البلد في المجهول اكثر فاكثر!
هل يعتقد ثوار لبنان ان في امكانهم اسقاط منظومة “حزب الله – عون” بالضربةالقاضية؟