تمت بفتوى من الخميني.. وعدد القتلى يقدر بخمسة آلاف
عواصم – الوكالات – “شفاف”:
أعلنت السلطات السويدية عن اعتقال أحد القياديين السابقين في النظام الإيراني، والمتورط بعمليات اعدام تعسفية بحق معتقلي رأي وسياسيين إيرانيين، أثناء وجوده في الخدمة داخل مؤسسات النظام.
وتتزامن الجرائم المزعومة مع حملة إعدامات جماعية نفذتها إيران في نهاية حربها مع العراق. وتقدر الجماعات الحقوقية أن نحو خمسة آلاف شخص تم إعدامهم.
وكشفت السلطات السويدية أن المسؤول الإيراني المعتقل هو نائب المدعي العام الإيراني الأسبق حميد نوري، والذي كان واحداً من المسؤولين المشرفين على عمليات الإعدام التي تمت عام 1988، لافتة إلى أن من بين التهم الموجهة له، الإشراف المباشر على عدة مجازر شهدتها السجون الإيرانية في ذلك العام، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ووفقاً لمصادر إعلامية مطلعة، فإن اعتقال المسؤول الإيراني السابق، جاء على خلفية دعوة قضائية رفعها بحقه المحامي كاوه موسوي، والذي أكد أن نوري مثل أمام محكمة سويدية أمس الأربعاء بعد توقيفه في العاصمة السويدية ستوكهولم، قبل فترة؛ لم يحددها.
ولفت المحامي موسوي في تصريحات صحافية إلى أنه رفع الدعوى استناداً لشهادات معتقلين سابقين، من بينهم إيرج مصداقي الذي كان أيضاً أحد أطراف الدعوى ضد نوري، كما كان شاهدا على عمليات القتل الجماعي التي تمت بأوامر وإشراف منه.
إلى جانب ذلك، اتهم وكيل الإدعاء المسؤول السابق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، تخللها القتل والتعذيب، والامتناع عن تسليم جثامين القتلى لذويهم، مشيرا إلى أن التهم التي وجهت له هي بحسب إفادات الشهود.
كما بين المحامي أن عمليات الإعدام التي أشرف عليها نوري كانت تجري في منطقة كوهردشت في مدينة كرج القريبة من طهران، عندما كان يشغل منصب نائب المدعي العام.
وكان الإدعاء السويدي قال في وقت سابق إن مواطنا إيرانيا ألقي القبض عليه للإشتباه في ارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم قتل في إيران أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
وقالت ممثلة الادعاء كارولينا فيسلاندر إن الرجل، الذي لم تعلن هويته، يشتبه في ارتكابه الجرائم خلال الفترة ما بين 28 و31 من أغسطس 1988 في طهران. ولم يدل الادعاء بمزيد من التفاصيل.
وقال لارس هولتغرين ممثل الدفاع عن المشتبه به، لوكالة الأنباء السويدية “تي تي” إن الرجل يصر على براءته، مضيفا أنهم “احتجزوا الشخص الخطأ”. وقالت “تي تي” إن الرجل (58) عاما ألقي القبض عليه السبت الماضي في مطار ستوكهولم الدولي.
يذكر أن الإعدامات الجماعية في صيف عام 1988 تمت بفتوى من روح الله الخميني، مرشد النظام الإيراني آنذاك، ومن خلال “لجنة الموت” التي ضمت كلاً من وزير العدل السابق ومستشار رئيس القضاء الحالي مصطفى بور محمدي، ورئيس السلطة القضائية الحالي إبراهيم رئيسي، وغلام حسين محسني إيجئي، مساعد رئيس السلطة القضائية إلى جانب مسؤولين بالأمن والاستخبارات والمدعين العامين ورؤساء مختلف السجون في إيران الذين شكلوا لجانا فرعية لتنفيذ الإعدامات.
ووفقاً للسجناء السياسيين السابقين الذين نجوا من عمليات الإعدام هذه، فإن الأشخاص الذين تم إعدامهم كانوا يقضون مدة عقوبتهم أو انتهت مدة عقوبتهم، ولم يكونوا على استعداد لتوقيع “رسالة توبة”.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أدانت في يوليو الماضي، التصريحات التي أطلقها مؤخرا مصطفى بور محمدي، مستشار رئيس السلطة القضائية الإيرانية والتي دافع خلالها عن تلك المجازر وأكد أنها كانت قرارا اتخذته قيادة النظام الإيراني.
وذكرت المنظمة في بيان أن “هذا تذكير واضح بمسألة الإفلات من العقاب الذي يتمتع به كبار المسؤولين المتورطين بعمليات القتل الجماعية أثناء مجازر عام 1988 في إيران”.
كما أشارت المنظمة إلى تصريحات رئيس السلطة القضائية الإيرانية إبراهيم رئيسي، والذي أطلق تهديدات متشابهة ضد أفراد الأسر التي تطالب بمعرفة مصير جثث ومقابر أبنائهم، الذين قضوا في مجازر إعدامات الثمانينيات.
وجددت منظمة العفو الدولية دعوتها للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها إلى فتح تحقيق بالقضية وكذلك التحدث بحزم وصراحة عن الإفلات المنهجي من العقاب الذي يحيط بالجرائم ضد الإنسانية المتعلقة بالإعدام الجماعي خارج نطاق القضاء في عام 1988 في إيران.
وكانت منظمة العفو الدولية قد جددت خلال الأيام القليلة الماضية، انتقاداتها لتدهور سجل إيران في مجال حقوق الإنسان، داعيةً المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات من شأنها وقف الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الإيراني على يد قوات الأمن والسلطات الإيرانية.
وفي تقريرٍ لها، أكدت المنظمة أن النظام الإيراني يتقاعس بشكلٍ متعمد على جميع الجبهات في ما يتعلّق بحقوق الإنسان، مطالبة برفع القيود المفروضة على الحق في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، والتجمع السلمي.
إلى جانب ذلك، طالبت المنظمة بوضع حد للتمييز ضد المرأة والأقليات وتحديداً في إقليم الأهواز ذو الغالبية العربية، والمناطق الكردية التي تعيش أوضاعاً مأساوية، بالإضافة للمطالبة بوقف فوري لعقوبة الإعدام، ووضع حد للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والمحاكمات الجائرة، والجرائم المستمرة ضد الإنسانية.
مدير البحوث بالمنظمة الدولية فيليب لوثر أشار إلى أن معدلات الإعدامات بحق الناشطين والمعارضين في إيران، قد وصلت إلى مستويات “مروعة”، لافتا إلى أن الانتهاكات المستمرة للحكومة اللإيرانية شملت التمييز المتفشي ضد النساء والأقليات، وصولاً إلى الجرائم المتواصلة ضد الإنسانية.
*
مقبرة خاوران
هي مقبرة تضم قبور الآلاف من السجناء السياسيين الذين أعدموا في عام ١٩٨٨ بأمر من مرشد الثورة آنذاك آية الله الخميني. وتقع المقبرة في طهران. وقد تم دفن المعدومين سرا وبشكل مجهول فيها. ويقول مراقبون إن معظم المعدومين ينتمون للجماعات اليسارية وكذلك لجماعة مجاهدي خلق.
وتقول منظمة العفو الدولية في تقاريرها: ما زال آلاف ضحايا القتل الجماعي في عام ١٩٨٨ غير مسجلين، وهناك آلاف الجثث المفقودة مدفونة في مقابر جماعية مجهولة في مختلف أنحاء إيران. ورفضت السلطات الإيرانية الاعتراف بوجود هذه المقابر الجماعية وأخفت مواقعها ما تسبب في معاناة شديدة للعائلات.
وتقول بادية فحص في تقرير لها في موقع “درج” :
في سنة 1988، تم تنفيذ حكم الإعدام بحق 4 آلاف سجين رأي خلال شهرين فقط.
كانت جثث الضحايا تدفن تباعاً في مقبرة جماعية، تقع في جنوب شرق طهران تسمى مقبرة خاوران. كانت الجثث تنقل إليها ليلاً، حيث ترمى فوق بعضها بعضا في خنادق طولانية حفرت مسبقاً، ويهال التراب عليها بواسطة الجرافات، لتصبح قبوراً بلا شواهد لآلاف المعارضين والشبان والشابات الذين انتزعوا عنوة من أحضان عائلاتهم، أو اعتقلوا في أماكن عملهم أو في فصولهم الدراسية أو أثناء تنقلهم أو في أي مكان آخر.
كانت الإعدامات تنفذ بشكل سري جداً في قواعد للبسيج على أطراف طهران. كل صباح يتم نقل مجموعة من المعارضين في باصات النقل العام، معصوبي الأعين موثقي الأيدي، من دون التفكير بتقديمهم للمحاكمة أولاً. كانت الشبهة دليلاً كافياً لإدانتهم بجرم التآمر على الجمهورية الإسلامية، واتخاذ قرار بإعدامهم. وكانت ترسل قوائم بأسمائهم إلى الخميني الذي كان يوقع عليها من دون التحقيق فيها.
في البداية، واجه الأمن الإيراني صعوبة في تنفيذ الكم الكبير من أحكام الإعدام، فلجأ إلى الرمي بالرصاص، باعتباره أسرع الطرق وأسهلها. وحين تنبه سكان الأطراف إلى أصوات الرصاص، التي كانت تردد في سماء طهران على مدى ساعات النهار، انتقل الأمن إلى الإعدام شنقاً حتى تعبت أعواد المشانق، كما يقال.
ظل الحديث عن إعدامات حقبة الثمانينات سراً من أسرار الجمهورية الإسلامية، من يخرقه يلقى المصير المشؤوم.