الدول المانحة في “سيدر” رفضت تقديم مليارات “يتسرب” معظمها لـ”الحزب” وسوريا وإيران!
وفي اليوم الثالث عشر من ثورة اللبنانيين.. استقالت حكومة الرئيس سعد الحريري، بعد ان اصطدم رئيسها بـ”لاءات” متعددة من شركاء التسوية!
“لاءات” لم تكن كافيه لدفع الحريري الى الاستقالة قبلا، لانه كان على علم بها. لكن القشة التي قصمت ظهر الحريري، كانت الغاء اجتماع كان مقررا في باريس أمس الاول لشركاء مؤتمر “سيدر“، لدعم الاقتصاد اللبناني. إذ فقد الحريري الورقة الاخيرة التي كان يعول عليها لاخراج البلاد من عنق الزجاجة، فلم يعد لديه ما يقدمه للشعب اللبناني وللمحتجين، فقلب الطاولة في وجه الشركاء والحلفاء وأعلن استقالة حكومته، واضعا الجميع امام مسؤولياتهم الوطنية على الصُعُد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية.
مصادر سياسية متابعة للحراك الشعبي الذي تحول “ثورة” قالت إن الحريري منذ اليوم الاول لاندلاع الاحتجاجات كان يعول على وعي شركاء التسوية خطورة عدم الاستماع لـ“وجع الناس” بعد ان بلغ فشل السلطة حيزا كبيرا من الاستهتار بالناس وسعي فريق الرئيس عون الى فرض سياسيات اقتصادية ضريبية لا تلتفت الى حجم الواقع الاقتصادي المأزوم الذي تعيشه البلاد. خصوصا ان آخر ورقة كانت تمثل “جزرة” إسكات اللبنانيين عن فساد السلطة كانت اهتزت، وبدأ الدولار الاميركي يسجل ارتفاعا على حساب الليرة اللبنانية. فشعر اللبنانيون ان معيشتهم تتعرض للاهتزاز والانهيار وسط تحذيرات دولية ومن مؤسسات التصنيف الدولية. وباتوا قاب قوسين او ادني من خسارة كل شيء، وسط لا مبالاة من فريق الحكم، الذي يمثل الحريري احد ابرز أضلعه.
في اليوم الثاني للاحتجاجات علت صيحات المحتجين مطالبة باستقالة الحكومة، الامر الذي وجد فيه الحريري فرصة لتحسين شروط البلد الاقتصادية ونقله من براثن سيطرة جبران باسيل ومن خلفه حزب الله على الاقتصاد. فخرج على اللبنانيين طالبا مهلة ٧٢ ساعة لاعلان موقف نهائي، وعمل الحريري خلال هذه المهلة على تدبيج ورقة اقتصادية، تتضمن الكثير من الاصلاحات التي كان يطالب بها المحتجون، ولكن من جديد ظهر “تجُّبر” وزير الخارجية جبران باسيل في ورقة الحريري، حيث رفض ان تطال الاصلاحات الوزارات التي هي في عهدة التيار العوني! فكانت الاصلاحات في جميع الوزارات خلال مهلة لا تتعدى نهاية السنة الحالية، في حين ان إصلاح وزارة الطاقة يتطلب ستة اشهر، بعد انجاز التلزيمات.
لم تمر ورقة الحريري الاصلاحية، بل هي شكلت إدانة للحكومة التي كانت تتعثر في إقرار موازنة تتضمن إصلاحات بنيوية يطالب بها المجتمع الدولي والمؤسسات المالية التي أقرضت لبنان تباعا. فكيف استطاع الحريري، بسحر ساحر، إقرارَ معظم هذه الاصلاحات خلال ٧٢ ساعة؟ فلِمَ يثق المحتجون بوعود حكومة كانت قبل اربعة ايام تناقش زيادات ضرائبية على معظم اوجه الانشطة الاقتصادية؟
ومع أنه لم يصدر تفسير رسمي من باريس، فإن إلغاء اجتماع “سيدر” كان، على الأغلب، لأن أية دولة أوروبية لن تقبل بدفع مليارات لكي يذهب معظمها إلى حزب الله وسوريا وإيران، هذا من جهة. وثانياً، لأن الحكومة لم تقدّم خطة “إصلاحية” جدية. فمؤتمر “سيدر” كان قد طالب بإصلاح قظاع “الكهرباء” لوقف هدر ٢ مليار دولار سنوياً. ولكن خطة الحريري “أجّلت” إصلاح “الكهرباء” لـ٦ أشهر إرضاءً لباسيل!
تهديدات نصرالله لا تخيف!
استمرت الاحتجاجات وفشلت معها جميع المحاولات لثني المحتجين عن الاستمرار في قطع الطرقات، حيث اخفقت قوات الجيش، في فتح الطريق عند محلة “جل الديب”، مع الاشارة الى ان عناصر الجيش لم يستعملوا القوة المفرطة مع المحتجين، وكذلك في “زوق مصبح”. واخفق الترهيب في دفع المحتجين للخروج من الشوارع وعن الطرقات، بغزوات “زعران” ما يسمّى “الثنائي الشيعي“، “حزب الله وحركة أمل” كما وصفهم المحتجون، فكان الترهيب يزيد المحتجين إصرارا.
أمين عام حزب الله حسن نصرالله، خرج بدوره ليدلي بدلوه، فرفع “لاءات” في وجه المحتجين اولها، رفض استقالة الحكومة ورفض اسقاط العهد، وكل ما أعلن السماح به، هو العمل على تنفيذ الورقة الاصلاحية التي أعلن عنها الرئيس الحريري.
الحريري الذي كان يترقب ويراقب حركة الاحتجاجات المتصاعدة، وفشل محاولات الترغيب، بورقته الاصلاحية، والترهيب، بـ“بلطجية” الثنائي الشيعي“، ومحاولات القوى الامنية، سعى الى إحداث “صدمة إيجابية” تخرج السلطة من عنق الزجاجة، وتستجيب جزئيا لمطالب المحتجين، على قاعدة “إمساك العصا من الوسط“. وذلك من خلال إجراء تعديل حكومي، بدل استقالة الحكومة! تعديل، يطال ابرز رموز العهد، وزير الخارجية جبران باسيل، ومعه عدد من الوزراء المستفزين للشعب اللبناني، وابرزهم وزير المال علي حسن خليل، ووزير الإتصالات محمد شقير والتربية اكرم شهيب، وسواهم… وصولا الى استبدال عشرة وزراء، بآخرين من الاختصاصيين، واصحاب الكفاءات. إلا أن مسعى الحريري هذا جوبه برفض مطلق من الرئيس عون، ومن حزب الله، خصوصا استبدال وزير الخارجية، حيث اعتبر عون ان التضحية بباسيل، تفسح في المجال أمام المطالبة بالاطاحة به، كون “باسيل” يمثل خط الدفاع الاول عن العهد، في حين ان “حزب الله” رفض استقالة باسيل، معتبرا انها تشكل مقدمة لخروج العاصمة العربية الرابعة عن سيطرة ملالي طهران.
اخفقت محاولات الحريري، فسرّب نيته الاستقالة، بعد ان بلغه ان وزير الخارجية، اجرى سلسلة اتصالات مع نظرائه في الخارج، مبرراً عهدَ عمه، ومحملا الحريري مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع!
ثم جاء إعلانُ إلغاء الاجتماع الذي كان مقررا لتقعيل مقررات مؤتمر “سيدر” الذي يشكل رهان الحريري الاول والاخير على النهوض بالاقتصاد، فأعلن استقالة الحكومة، واضعا العهد امام مسؤولياته الوطنية، على قاعدة “أللهم أشهد اللهم إني بلغت“.
مقال شامل وموضوعي يتضمن معلومات دقيقة…