كيف يمكن التجرؤ على تحويل لبنان الى دولة قمعية بهذه الخفة؟
عندما طُلِبَ مني التوقيع على نداء حرية الصحافة بمناسبة الادعاء على رئيس تحرير جريد نداء الوطن بشارة شربل، لانها عَنونت صفحتها الاولى بتاريخ 12 ايلول الفائت بما يلي: “سفراء جدد في بعبدا.. اهلا بكم في جمهورية خامنئي“،
ولقد جاء ذلك على خلفية الخطاب الذي القاه السيد نصرالله في 10 منه وجاء فيه:
“في يوم الحسين، في يوم عاشوراء، نحن نكرر موقفنا كجزء من محور المقاومة، نحن لسنا على الحياد ولن نكون على الحياد في معركة الحق والباطل وفي معركة الحسين ويزيد والذين يظنون أن الحرب المفترضة إن حصلت ستشكل نهاية محور المقاومة، أقول لهم بقوة وثبات وصدق وإخلاص وعزم وتضحيات هذا المحور، هذه الحرب المفترضة ستشكل نهاية إسرائيل وستشكل نهاية الهيمنة والوجود الأميركي في منطقتنا، هذا المحور، هذا المخيم، هذا المعسكر الذي يقف على رأسه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف، نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله وأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسي وهي داعمه الأقوى وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره. لذلك نقول لكل الذين من خلال الترغيب أو الترهيب أو التهويل أو التهديد بالحرب، بالعقوبات، بالتجويع، يراهنون أن نخرج من هذا المحور، أن نخرج من هذه المعادلة، نقول لهم اليوم في يوم عاشوراء الحسين عليه السلام، نحن أبناء وبنات ذلك الإمام الذي وقف يوم العاشر من محرم وأعلن موقفه بوضوح وأيا تكن النتائج وصرخ في وجه الأدعياء ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة هيهات منا الذلة“.
لم اتردد لحظة واحدة في التوقيع. وعندما طلب مني القيام بهذه المهمة اليوم ايضا قبلت طواعية.
لماذا؟
لأني مواطنة لبنانية اشعر انني مهددة بوجودي كجميع المواطنين المهددين بفقدان حرية الكلام وحتى الشكوى من واقعهم.
اشعر انهم يخطفون مني وطني لبنان ويريدون استبداله بلبنان آخر لا أتعرف عليه ولا نريده.
وجودي كلبنانية مرتبط بحريتي وحرية وطني. لطالما كنت فخورة بكوني لبنانية كلما زرت بلدا عربيا من الذين تعهدونهم. فمعظم بلداننا العربية تعاني من نسبة معينة من الاستبداد تزيد او تقل حسب المرحلة والظروف. كنت اشفق على صحف تونس قبل الثورة، فصفحتها الاولى كانت تحمل اخبار آخر صفحة في اي جريدة لبنانية.
ولقد سمحت لي الفرصة عبر مشاركتي في دراسات عربية مختلفة أن أعاين توق المواطن العربي ، سواء كان مراهقاً أو شاباً أو بالغاً رجلا او امراة، لأن يزور لبنان وأن يعيش فيه. لبنان كان يمثل جنة الحرية في هذا الشرق الذي لم يخرج من أنظمة الاستبداد بعد.
فجميعهم يعرفون تماما ما الذي كان يميز لبنان: فبحكم خصوصياته، وتنوع مكوناته السكانية، تمتّعَ بالحرية والديموقراطية المفقودتين من حولنا. وبيروت التي استحقت ان تكون عاصمة عالمية للكتاب للعام 2009 لتمتعها بدور ثقافي مميز ورائد غطى جزءاً كبيراً من القرن العشرين بسبب صحافتها الحرة. لكن العمل جارٍ اليوم على تهديم كل ذلك.
أين اصبحنا الآن؟
تحولت بيروت في الأشهر الأخيرة إلى عاصمة لقمع الحريات وتكميم الافواه. حيث شهدت البلاد عشرات الاستدعاءات الأمنية لناشطين وصحفيين على وسائل التواصل الاجتماعي لانتقادهم سياسات العهد.
قراءة تقرير سكايز
ويرى ناشطون أن “وظيفة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية تحولت إلى مكتب أمني يستدعي الناشطين ويوقفهم لساعات بتهم متعددة، مما اعتبر ضربة قاضية لحرية التعبير في البلاد“.
ان ضيق صدر السلطات يغطي جميع الميادين؛ في سابقة لم نعرفها حتى ايام الوصاية السورية، التي كان يشكو منها نشطاء التيار العوني. وصل الامر الى استدعاء صحافية من صوت لبنان لمجرد طرحها سؤالا على عصام خليفة الاستاذ والمناضل والمؤرخ الذي استدعي بدوره للتحقيق الجنائي.
هذا ما يشكل تهديدا للحرية الوحيدة الباقية امام اللبناني، حرية الشكوى من المشاكل والمخاطر التي اغرقته فيها السلطة السياسية في البلاد.
اننا نسير بهدوء وبخطى متسارعة نحو دولة الاستبداد التي، لسخرية القدر، بدأت تهتز ركائزها في العالم العربي.
في العام 1998 وعندما كان التيار الوطني الحر يتعرض للرقابة والقمع السوريين، لم تكن تصريحات الرئيس عون حينها تنطبق على ممارسات تقييد الحريات المنبعثة من سجل السلطة السورية القمعية البائدة. بل كانت تدينها وتجهد للدفاع عن حرية الاعلام وحرية التعبير، فكتب حينها:”نحن مع حرية الإعلام دون قيد أو شرط أو حصرية، نحن مع قانون ينظّم الإعلام إدارياً ونرفض أي قانون آخر يحدّ من حريته أو يفرض أي رقابة مسبقة، سواء كانت ذاتية أو غير ذاتية. فحدود الحرية هي الحقيقة وأياً يكن الجارح أو المجروح بهذه الحقيقة”.
الحقيقة؟ نسأله هل نحن في أزمة اقتصادية حقيقة ام لا؟
هل تتوفر الدولارات في المصارف وماكينات السحب؟؟
قراءة نص تصريح غبطة البطرك….
الم تنقل الوكالة الوطنية للانباء بتاريخ 24 آذار 2018
:” نبّه الرئيس اللبناني ميشال عون امس الى مخاطر الوضع على لبنان الاقتصادي، بابلاغه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ان البلد “مفلس”، مما زاد الحاجة “لضبط المال والفساد”..
السؤال كيف يمكن ان تنقلب المراقف 180 درجة دون ان يثير الامر اي تساؤل لدى المعنيين ولو بينهم وبين انفسهم؟
لا شك اننا في لبنان بأمس الحاجة الى إعلام يحترم القواعد المهنية والموضوعية ولا يتخطى القانون الاخلاقي (اطيقا) ولا يروج للأكاذيب ولا يستخدم القدح والذم.
مع ذلك هناك شخصيات وصحف ومطبوعات معروفة تروّج أخباراً مزيفة وتبث الشائعات والتهديدات والاخبار المفبركة دون ان تجد من يحاسبها.
لكن المواطن اللبناني العادي يوضع في الزاوية. عليه أن يتحمل أعباء سوء إدارة السلطة وفسادها وتسببها بانهيار الدولة ومؤسساتها دون مجرد حق الاعتراض.
استمعت إلى ما صرح به رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بتاريخ 3 أكتوبر الجاري: “ممنوع أن نفشل ولن نفشل”، وأردف فخامة الرئيس “حق التظاهر لا يعني حق الشتيمة”. ومع أن ما يعلنه الرئيس صحيح مبدئيا، لكنني أقف محتارة أمام الفيديوهات الرائجة التي تنقل لنا بعض مؤتمرات صحافية للرئيس نفسه وهو يشتم الصحافيين وحتى السياسيين من زملائه؟ في سوابق لم تكن معهودة!!
ماذا أفعل أمامها؟ أتناساها أم ألغيها من ذاكرتي أو أطلب من فخامته تفسيرها لنا ربما كنا لا نستوعب ما المقصود منها؟ وهل إشارتي لها هنا هي “مؤامرة” تتوجب مني المثول أمام القضاء؟
هل يمكن ان يكون هناك صيف وشتاء على سطح واحد؟ واذا كان الصحافي ينقل محتوى ما اعلنه امين عام حزب الله يُجر الى المحاكم؟
سبق لأحد السياسيين أن سأل الرئيس:
قال: “برسم فخامة رئيس الجمهورية، مع كامل الاحترام، بعضا مما قاله السيد حسن نصرالله في كلمته اليوم: “نحن هنا من لبنان نقول للعالم كله إن إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله وأن الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسي وهي داعمه الأقوى وهي عنوانه وعنفوانه وقوته وحقيقته وجوهره“.
“نرفض أي مشروع حرب على الجمهورية الإسلامية في إيران، لأن هذه الحرب ستشعل المنطقة وتدمر دولا وشعوبا ولأنها ستكون حربا على كل محور المقاومة وتهدف إلى إسقاط آخر الآمال المعقودة لاستعادة فلسطين والمقدسات“.
هل يتوجب علينا او هل يمكن اعتبار النقد السياسي او تغطية خبر من فئة القدح والذم؟
اليس انتقادالسلطات واجب على المواطن في المجتمعات التي توصف بالديموقراطية؟فكيف بالصحافي او صاحبالرأي؟
لا يمكن اعتبار الانتقاد قدحا وذما والا كيف يمكن للمواطن ان يمارس حقه الديموقراطي في مساءلة ومراقبة ومحاسبة من انتخبهم؟
كيف يمكن التجرؤ على تحويل لبنان الى دولة قمعية بهذه الخفة؟
يريدونه دولة أمنية تتحكم بها الأجهزة الأمنية وتبسط سيطرتها على البلاد والعباد، وتفرض سيادتها التي تنزع كل سيادة أخرى. التمارين مستمرة منذ 3 سنوات بشكل دؤوب.
ما هو الاستبداد سوى: مصادرة القوانين ، بوضع اليد على الدستور وتطويعه بحسب مقتضيات حاجة النظام الحاكم وتكميم الافواه عبر تمرينات واهنة في البداية تتكشف شراستها مع الوقت. وثانياً القمع عبر رقابة تطال مختلف نواحي الحياة.
انها وصفة للعنف الاهلي. فالمواطن الذي يفقد مقومات عيشه لا يمكن منعه من نقل معاناته واتهامه بالقدح والذم وسجنه عندما يشكو.
السؤال التجديفي الذي علينا أن نطرحه على مراجعنا العليا – طلب تعريف معنى “الخيانة العظمى”، وما الذي يشعرون به عند استماعهم إلى خطابات السيد نصرالله الذي يعلن ولاءه للولي الفقيه الايراني؟
أما المسألة الاخرى – فهي – إلى أين يذهبون بنا في عصر الذكاء الاصطناعي الذي يغيّر وجه العالم ويقترح “الهوموسايبر” بينما هم يعيدوننا إلى عصر “النياندرتال”.
- كلمة الدكتورة منى فياض عن الحريات بمناسبة استدعاء صحيفة نداء الوطن، في المركز اللبناني للبحوث والدراسات LCRS Politica، في بيروت 9 تشرين الأول،أكتوبر 2019