قال الإمام الشافعي في فوائد السفر: تغرب عن الاوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرُّجُ هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد.
ونحن والحمد لله نسافر كثيرا إلى مشارق الأرض ومغاربها، فمع سهولة وسائل المواصلات وتوافر التكنولوجيا، أصبح السفر سهلا ومتوافرا للجميع. لكن نحن لا نسافر لطلب العلا، ولا لعلم وأدب، ولا بصحبة ماجد. نحن نسافر لنعيد تجربة معيشة ما نعيشه يوميا لكن في بلاد «برا».
نسافر، فنذهب إلى الأماكن نفسها، التي يذهب اليها أبناء بلدنا، لا نبحث عن أماكن جديدة ولا نستكشف مناطق غريبة. نقرر السفرة ونأخذ معنا أهلنا وأصدقاءنا، وأحيانا سياراتنا لزوم «الفشخرة»، نحملهم ونضيف عليهم بعض المواد الغذائية التي نحتاجها في سفرنا. شوية أرز على شوية بهارات، على شوية أسماك، ولا ننسى الأجبان (التي ليست أجباناً) التي نحملها في أكواب في حقائبنا. ننزل في البلد الجديد. نتكوم بعضنا على بعض، نعيد أحاديثنا ومواضيعنا التي كنا نحكيها في بيوتنا. نطبخ طبخاتنا التي تعودنا عليها، وإن لم نطبخ، ذهبنا إلى مطاعم عربية لنحشو بطوننا بالأكل نفسه الذي تعودنا عليه في بلداننا. مساء نذهب لنتمشى في شارع العرب، هناك نشعر بالألفة، فكل الوجوه تشبهنا، فنحن لا نحب الاختلاط مع الغرباء. نجلس لنشرب القهوة في أحد المقاهي العربية، ويا ريت مع أرجيلة حتى يكمل المنظر.
نذهب الى التسوق، وهل هناك أحلى من «الشوبينغ» في بلاد الأجانب. نذهب إلى مجمعات مغلقة، لا نستغل الطقس البارد في البلدان الجديدة فنعيش أجواء المكيفات نفسها التي تعودنا عليها، نزور المحال نفسها التي تعج بها شوارعنا، نشتري البضائع نفسها المرصوصة على رفوف محالنا، نحمل ما نحتاج وما لا نحتاج ونعود إلى فنادقنا منهكين محملين بأكياس وأكياس من بضائع موجودة عندنا، اشتريناها فقط لأننا مسافرون، وندفع مقابل ثمنها مبلغاً إضافياً للوزن في المطار.
في بعض المدن الأوروبية ونتيجة لـ«السياحة المفرطة»، التي يعاني منها أهل تلك المدن، وضعوا «كوتة» أو حصة محددة لعدد السياح المسموح لهم بزيارة المدينة، بعد أن وجدوا أن كثرة السياح تشكل عبئا لا نفعا على المدينة. وسعيا للحد من الازدحام في الأماكن السياحية والمتاحف، وللحفاظ على الآثار والبيئة والنظام في مدنهم قررت مدن أوروبية، مثل أمستردام، بروج، فينيسيا، برشلونة، وجزيرة سانتوريني اليونانية، وضع حد أعلى لعدد السياح المسموح لهم بزيارة المنطقة. لكننا والحمد لله لن نكون مشمولين بهذه «الكوتة»، فنحن لا نزور مناطق سياحية ولا نصباً تذكارية ولا متاحف ولا آثاراً.
سياحتنا المفرطة مختلفة قليلا، ففي الوقت الذي يفرط فيه السياح الأجانب في لبس الملابس المريحة والركض من متحف لموقع أثري لمعرض فني، تجدنا (أو أغلبنا) نفرط في التسوق وفي الأكل والشرب، نفرط في الملابس والمكياج ولبس الساعات الفخمة والمجوهرات، وبهذا نحن نشكل عائداً مالياً، ليس للاقتصاد المحلي للبلدان التي نزورها فحسب، بل لكل اللصوص والحرامية الذين تعج بهم شوارعهم. فكيف بالله عليكم سيمنعوننا؟!