تقديم: من الواضح أن “بني موريس” على اطلاع على “تقديرات إسرائيلية رسمية جداً” تفيد (وتتفّق في ذلك مع حسن نصرالله) أن إسرائيل ستتعرّض لخسائر مادية فادحة في حال نشوب حرب جديدة. وأن ذلك التوقّع المتشائم يدفع هيئة الأركان الإٍسرائيلية لتجنّب خوض حرب جديدة.. الآن!
مقال “بني موريس” ينطلق من هذا التقييم الإسرائيلي المتشائم للدعوة إلى “قلب الطاولة”، وبالأحرى إلى قلب المعادلة: بدلاً من التهديدات التي يطلقها قادة حزب الله وحماس بأن الحرب ستقع إذا شنّت إسرائيل (أو أميركا) حرباً على إيران، فإن المعادلة ستصبح أن أي هجومٍ يقوم به حزب الله وحماس ضد إسرائيل سيشعل حرباً تُعرّض عاصمة إيران ومدنها ومرافقها الإقتصادية والعسكرية، والذرية طبعاً، لقصفٍ شامل يستمر لأسابيع. مما قد يُعرّض نظام طهران الضعيف للسقوط!
من دواعي السخرية أن اعتماد الخيار الذي يطرحه “بني موريس” يتجاوب مع الشعار الذي يرفعه شعب إيران منذ “الإنتفاضة الخضراء” في سنة ٢٠٠٩، وهو شعار “لا غزة ولا لبنان”! وإذا ما نشبت حرب إسرائيلية٠إيرانية مباشرة، فلن يتضامن شعب إيران مع الديكتاتورية العسكرية-الدينية التي تجرّه إلى مغامرة عسكرية مدمّرة لا مصلحة له فيها.
الوطنيون اللبنانيون والسوريون والعراقيون والغزّاويون لا يرغبون بحربٍ جديد تدمّر أوطانهم أكثر مما هي مدمّرة..! وهم لم يُعطوا “تفويضاً” لـ”حزب الله” أو “حماس” أو “الحشد” الطائفي في العراق لخوض حروب جديدة بقرار من ديكتاتور إيران. بل وحتى عناصر “حزب الله” و”حماس” الذين تعيش عوائلهم في جنوب لبنان وبقاعه وفي ضاحية بيروت ومدن غزة، فالأرجح أنهم “لن يعترضوا” إذا ما حلقت طائرات إسرائيل من فوق بيوتهم لتلقي قنابلها وصواريخها في طهران وإصفهان وشيراز وبوشهر و”قم”! وحتى على.. “بيت المرشد”!
بيروت وغزة وبغداد ودمشق ليست “ساحة مستباحة” للطامحين ببناء “إمبراطورية” إيرانية(رثّة) جديدة!
المؤرّخ “بني موريس” أذكى من قادة إسرائيل العسكريين الذين هدّدوا مرة بـ”إعادة لبنان إلى العصر الحجري”! خامنئي يعيش في “العصر الحجري”.. “بدون جميلة” إسرائيل!
الشفاف
*
كيف تستطيع إسرائيل أن تردع إيران
يُشاع أن “حزب الله” يملك ١٣٠ ألف صاروخاً يمكنها أن تصل إلى كل أراضي إسرائيل، وأن “حماس” تمتلك ألوف الصواريخ التي يمكن أن تغطّي جنوب إسرائيل ووسطها، بما فيه منطقة “تل أبيب”. كما يُشاع أنه في حال اندلاع حرب، فإن إسرائيل يمكن أن تجد نفسها مضطرة للقتال على جبهتين، وربما على جبهة ثالثة هي مرتفعات الجولان، حيث ستواجه قوة إيرانية مؤلفة من “الحرس الثوري” ومن ميليشيات تخضع لسيطرة طهران.
ولكن، قد تكون هنالك طريقة لتجنّب هذا “السيناريو” بمجرّد إصدار بيانٍ بسيط وحاد اللهجة. إن على حكومة إسرائيل أن تعلن غداً، وعلى الفور، وعلناً وببشكلٍ لا لبس فيه، أنه إذا أرغمَ وكلاءُ إيران دولة إسرائيل على الدخول في حرب شاملة، لأي سببٍ من الأسباب، بوابلٍ واسع النطاق من الصواريخ، فإن إسرائيل سوف ترد على الفور وبقوة ضد طهران، وإصفهان، وشيراز، وبوشهر، ونطنز، وقم، وغيرها من المراكز الكثيفة السكان ومن الأهداف الإستراتيجية في إيران.
ستدرك إيران أن مثل هذا البلاغ العلني الواضح والقوي سيرغم كل حكومة إسرائيلية- بغض النظر عمن يكون رئيس حكومة إسرائيل- على الإلتزم بما جاء فيه (حتى لا تظهر إسرائيل كـ”نمر من ورق”، وتفقد بالتالي كل مصداقية رادعة). كما ستفهم إيران أنها ستدفع ثمناً غالياً مقابل أي هجوم يشنّه وكلاؤها. إن الخوف من مثل هذا الردّ الثأري الإسرائيلي الواسع النطاق- أي من تعرّض مدن إيران ومرافقها الإستراتيجية لقصف بمئات الصواريخ والقنابل على مدى أسابيع- سيرغم قادة إيران على التفكير ملياً قبل اتخاذ قرار بتوجيه “حزب الله” و”حماس” ووكلائهم في سوريا للقيام بمغامرات ضد إٍسرائيل.
لقد تمتّعت إيران حتى الآن بحصانة من وقوع أية هجمات على أراضيها، لأن حكومات إسرائيل اختارت أن ترد على الصواريخ المنهمرة من لبنان ومن غزة بضربات (محدودة) ضد أهداف في لبنان، وغزة، وسوريا. وكان اعتماد ذلك الخيار خطأً جعلَ إسرائيل عرضة لتهديدٍ متواصل في الشمال والجنوب، وأسفر عن ميزان ردع- ميزان يمكن لطهران أن تقوم بإلغائه في أي وقت.
إن إصدار إعلانٍ واضح وعلني من جانب إسرائيل سيردع طهران عن الدخول في مثل هذه المغامرة. بعض النقاد سيقولون: ردّاً على هجوم إسرائيل مضاد ضد إيران نفسها، فإن طهران ستطلق صواريخها ضد إسرائيل وربما حتى ضد الأهداف الأميركية في الخليج- وكذلك في العراق وفي سوريا. ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن قدرة إسرائيل على ضرب إيران أكبر بكثير من قدرة إيران على ضرب إسرائيل، وذلك حتى لو لم نأخذ بالإعتبار قدرات إسرائيل “غير التقليدية” (بكلام آخر: القدرات الذرية— الشفّاف). إن القدرات الإسرائيلية المضادرة للصواريخ البالستية ستكون على الأرجح قادرة على إسقاط معظم الصواريخ التي ستطلقها إيران (التي تملك قدرات بالستية محدودة قادرة على الوصول حتى إسرائيل).
كما لا تملك إيران قوة جوية يمكن أن تصل حتى إسرائيل بصورة مؤثرة. الأرجح أن نظام الملات، الذي ستتعرض مقراته القيادية، ومصانعه، وعسكره للقصف، لن يكون قادرا على تحمّل مثل هذه المبارزة لفترة طويلة، خصوصاً إذا ما أخذنا بالإعتبار عدم شعبية النظام لدى الإيرانيين العاديين، وأن النقمة على النظام سوف تتزايد إذا ما تعرّضت مدن البلاد الرئيسية ومصانعها لهجمات. وفي مثل هذا النزاع، فليس هنالك سبب للإعتقاد بأن طهران ستكون راغبة بإصافة الولايات المتحدة كطرف محارب مباشرةً ضدها.
بناءً على ما سبق، فأنا أعتقد أنه بمجرّد استخدام إعلانٍ بسيط يتألف من عبارة واحدة، فإنه يمكن إبطال مفعول شبح هجومٍ شامل ضد إسرائيل من جانب وكلاء إيران وممثليها.
هل يمكن لـ”حزب الله” و”حماس” أن يطلقا ترسانة صواريخهما ضد إسرائيل بدون أمر من طهران أو بدون موافقتها، بل ورغماً عنها؟ يصعب تصديق ذلك، لأنهما بحاجة إلى دعم طهران السياسي، والمالي، والعسكري، عدا أنهما يخشيان من إقدام إسرائيل على تدمير مدن وأحياء مسكونة في غزة ولبنان. في أي حال، يجب أن تتصرّف إسرائيل على أساس أن إشارة أي هجوم ستُعطى من طهران، وينبغي إفهام طهران أن إسرائيل سوف تتصرّف على ذلك الأساس. ومن المؤكد أن ذلك سوف يحثّ إيران على لجم الجماعات الإسلاموية الأصولية في المناطق المجاورة، حتى لو قرّر “حزب الله” و”حماس” الدخول في حرب بمفردهما.
ينبغي على إٍسرائيل أن تصدر تحذيرها لطهران بصوت مرتفع جداً وبوضوح تام، وكلما أسرعت في ذلك فسيكون أفضل. وربما سينجينا ذلك من الحرب الرهيبة التي يتنبّأ محللون كثيرون بأنها باتت وشيكة.
- “بني موريس” مؤرّخ من جماعة “المؤرخين الجدد” ومؤلف كتب عديدة بينها كتاب “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ١٩٤٧-١٩٤٩”. نُشِر هذا المقال في جريدة “هآرتس”.
يمكن مراجعة النص الأصلي على صفحة “الشفاف” الإنكليزية:
How Israel Can Deter Iran
إقرأ أيضاً:
“كل ليلة كان الجيش و”الحرس” قلقين من هجوم يطال إيران كلّها”!: روايات جديدة حول المفاوضات