إن كنت تظن أن بعض شيوخ الدين والدعاة من العرب والمسلمين قد استفادوا الحكمة وشيئا من الحصافة وحفظ اللسان والعقلانية وحسن اختيار النصوص الدينية في أحاديثهم وتوجيهاتهم، بعد أن توالت على الجميع صدمات الإرهاب وما يسمونه “الإسلاموفوبيا”، وما انصب على الجميع من تشديد قوانين الفيزا والإقامة والتجنيس وغير ذلك، بعدما كانوا ينعمون سابقا بكل ذلك في أوروبا وأميركا، فما عليك إلا أن تستيقط فجر كل يوم، وتستمع إلى بعض ما تذيعه الإذاعات الدينية الخليجية والعربية في الصباح الباكر، أو تسهر مع القنوات “الإسلامية” في المساء… وقد تغير رأيك!
لا ارتقاء في الخطاب الإسلامي ولا مراعاة لغير المسلمين، ولا أثر لكل مزاعمنا في المحافل الإعلامية عن العقلانية والتعددية والاعتدال، لا في اختيار النصوص الدينية، ولا في محتوى الخطب والأحاديث، ولا في السعي نحو “الإصلاح الديني”!
لا توجد أمة مثلنا تبدأ نهارها بالتهجم على الآخر، وتودعه بمثله! لا توجد مجموعة شعوب أو دول في أي مكان من العالم يهيمن على فكرها الجماعي التشدد كالبلدان الإسلامية، عربية إيرانية تركية كردية باكستانية إندونيسية إفريقية آسيوية، وحتى بين الأقليات والتجمعات الإسلامية في لندن وباريس وميونيخ وبروكسل تبدأ نهارها في الصباح الباكر بهذا الزخم من ثقافة دينية مشحونة بالتهجم على اليهود والمسيحيين والعلمانيين و”عرب الجاهلية”، ممن يتم تذكير المستمع كل يوم وكل صباح بأنهم كانوا يأكلون آلهتهم المصنوعة من التمر، ويدفنون بناتهم ويقدمون الطعام لأوثانهم… وغير ذلك!
شتائم لليهود، تشمل المسؤولين منهم عن اضطهاد الفلسطينيين وغير المسؤول، من عاش منهم أيام ظهور الإسلام مثل بني النضير وبني قينقاع في “يثرب” واليمن، ومن يعيش منهم اليوم في لندن ونيويورك، في شمال إفريقيا أو إيران وتركيا. آخر ما يهمنا هو العصر الذي نعيش فيه!
تجريح شبه يومي بما يعتبر تهجما على الدين والعقائد المسيحية التي يحرص الدعاة الإذاعيون من “زوار الفجر” بإطلاق وصف “النصارى” عليهم احتقارا لـ”تقديسهم للصليب” أو “إيمانهم بالثالوث” أو أية عقائد أخرى، لمجرد أنها تتعارض مع عقائدنا ونظرتنا- ترافق ذلك في أحيان وأحاديث ليست بالقليلة سخرية علنية ومبطنة من شركهم وكفرهم، ومن بابواتهم وطقوسهم، كل ذلك دون حسيب أو رقيب، ودون جهة مسؤولة في هذه الإذاعات تشرف على هذه البرامج وتدقق نصوصها وأفكارها ومدى ما للطرف الذي يتعرض للهجوم من حق وفرصة للرد على ما قيل فيه!
وربما يكون بعض المشرفين على الإذاعات الدينية الخليجية والعربية أكثر تشددا من الدعاة والمحاضرين، أو أكثر منهم عداء للأديان الأخرى، أو أقل حرصا على مراعاة قوانين حقوق وحريات الإنسان، التي وقعت كل هذه الدول في الأمم المتحدة واليونسكو على ضرورة احترامها ومراعاتها.
الحال في اعتقادي أسوأ بكثير من هذا، فالكثير من الشيوخ والدعاة في أحاديثهم الصباحية والمسائية وربما حتى خطب الجمعة يعتقدون جازمين أن من حقهم أن يقولوا في اليهود والنصارى وحتى البوذيين والهندوس وغيرهم ما يشتهون وما يعتقدون أن هؤلاء الكفار والمشركين أهل له!
وأتساءل مثلاً: ما رأي الطالب المسلم في بريطانيا وأميركا لو أنه استمع هناك في الصباح الباكر إلى من يتهجم على دينه وطقوسه وعباداته، وإلى من يتهم المسلمين بعبادة الحجر الأسود وإباحة الرق وضرب النساء وعدم قبول المحاكم العربية والإسلامية بشهادة المسيحي ضد المسلم، وعدم تساوي دية المرأة ودية الرجل، ونماذج من الحيل الشرعية التي تجيزها المذاهب الفقهية أو “إرضاع الكبير” أو قتل الأسرى؟
استمعت ذات فجر من إحدى هذه الإذاعات الدينية الخليجية إلى شيخ دين ربما من موريتانيا أو دولة مجاورة لها، يتحدث في هذه الإذاعة المتميزة… فماذا قال؟ أشار إلى الدول الأوروبية المسيحية في حديثه العلني بالإذاعة بالدول “الكافرة”، وإلى أهلها بأنهم “كفار”، وبأنهم قذرون لأنهم لا يغتسلون، وبأنهم معتادون على الكذب والخداع والغش (هكذا!!!) ولا يصدقون إلا في الأمور التجارية والمواعيد المكتبية، لأنها مرتبطة بالمصالح التجارية والمالية”!
هذا بعض ما سمعته بأذني من تلك الإذاعة الإسلامية الخليجية البارزة، التي لو بادر “كفار أميركا والغرب” إلى قطع اتصالها بالقمر الصناعي، لصمتت هذه الإذاعة ولم يستمع إلى كلامها المتحامل أحد!
لا توجد بالطبع، وكما هو معروف إذاعة حكومية “كافرة” أوروبية أو مسيحية في دول الغرب واليابان، تذيع كل صباح تراتيل من الإنجيل والتوراة وتسفه عقائد الآخرين، وتستخدم التعبيرات العدائية ضد من تشاء من مسلمين وغيرهم، وما أكثر أهل العقائد و”البدع” والديانات في دول الغرب، كلها محمية بالدساتير والقوانين التي تعطيك الحق في أن تقول وتعتقد ما تشاء ما لم توجه أي إساءة أو إهانة للآخرين، أو تنشر ثقافة الكراهية والتحقير.
هل يوفق المسلمون في جعل خطبهم الدينية وأحاديثهم الوعظية دون صراخ وتهديد ووعيد، هادئة راقية المضمون كبعض أحاديث وخطب الأديان الأخرى، دون تذكير الآخرين “بكتبهم المحرفة” و”عقائدهم الشركية الكافرة”، وغير ذلك؟
استمعوا إلى الإذاعات الدينية كل صباح… وأخبروا القراء!