أيها المغرّدُ اللبناني العظيمُ، يا مَن أُعطيتَ سلاحاً تعبيرياً واعتبرتَ وسائلَ التواصلِ حقلَ رماية. يا مَن شَعَرْتَ بأن الكلامَ العادي المُنَمَّقَ والأفكارَ الواضحةَ والرأيَ الهادىءَ عوامل طارِدة للمتابِعين وكابِسي “اللايكات”، وأن الشهرةَ وطبيعةَ المرحلةِ والإقترابَ من مَحاور الشجاعةِ والبطولةِ تفْرضُ خطاباً غرائزياً عَصَبِياً طائفياً مناطقياً ولو وَصَلَتْ الأمورُ حدَّ التحارُبِ … والحربُ أوّلُها كلام.
أيّها المغرّدُ العظيمُ، يا مَن تقع في فخِّ تقديسِ زعيمِك كما فَعَلَ مَن سَبَقَكَ، ويا مَن ترْفع مواضيع سياسية عادية إلى مصافِ “التضحية الوطنية”، ويا مَن بدأتَ تسمع وتكتب أن الموتَ ذوداً عن حقوق الطائفة وأمْنها هو “الفداءُ بعيْنه”… تَوَقَّفْ قليلاً عن التغريدِ واسْأل والدتَك عن الحربِ والتَقاتُلِ والذبْحِ على الهويات.
اسْأل والدتَك عن كلفةِ الحربِ ووقودِها والمستفيدِ منها. اسْألها عن السواد الذي لبسَتْه لعقودٍ من عُمْرِها. عن الدمعِ الذي ذَرَفَتْهُ، وجزءٌ من روحها فيه، حزناً على شريكِ عمْرٍ أو فلذةِ كبدٍ أو شقيقٍ أو أب. اسْألها عن البيتِ الذي بنتْه بالحلمِ قبل الحجرِ ليصبح مملكتَها ثم انهارَ على مَن فيه بفعل قذيفةٍ طائشةٍ أو عبوةٍ في سيارةٍ ملتصقةٍ به. اسْألها عن ذلّ التهجيرِ وهي تصعد في شاحنةٍ بلباسِ النوم ومعها صُرَر من قماش لمّتْ فيها ما تَيَسَّرَ من لوازم سَلمتْ. عن نظرتِها إلى الناس وإليك وأنتَ رضيعٌ على يدِها كلُّ همِّها أن تتسوّل زجاجةَ ماءٍ لترطّب شفتيْك.
تريد الحربَ أيّها المغرّدُ العظيمُ وتعتقد أنك عندما تَشْتم شريككَ في الوطن فإنك تُعْلي من مقامِ طائفتك وتحْشد الاستقطابَ؟ أرجوك، اسْأل والدتَك التي خسرتْ نصف عائلتِها من أجل الطائفةِ كيف أن زعيمَ هذه الطائفة أو تلك تَرَكَها ومشى عندما زارَ المهجّرين في إحدى المدارس مع وسائل الإعلام فقط لأنها سألتْه مرّتيْن: متى نعود إلى بيوتنا؟ اسْألها عن نواحها الذي لم يتوقّف عندما ذهبتْ تستجدي مسؤول ميليشيا، شهادتُه العليا “الأمية”، عن زوجها الذي اختفتْ أخبارُه في زنازين المركز، أو عن مخطوفٍ على الهوية فتَلاعَبوا بمشاعِرها لسنين وهم يبتزّون مالَها وحيلتَها وحياتَها من دون نتيجة.
“نفْديه بدمائنا”… ستسمعهم كثيراً يقولون ذلك، حتى أنك لن تدعَ الزعيمَ يُكْمِلُ من كثْرةِ ما صَفَّقَتْ يداكَ وأيادي الآلاف الصاخبة في القاعات والساحات فيما الحناجرُ تهدر: “بالروح بالدم”. لكنها روحكَ أنتَ ودمكَ أنتَ، فالزعيمُ “مكلّفٌ” بإكمال المسيرة، أما أنتَ فشهيدٌ في هذه المسيرة. اسْأل السيدة الوالدة عن شعورِها عندما أخذوها الى إحدى الثلاجات لتتعرّف على جثةِ زوجٍ أو ابنٍ أو قريبٍ، كم جثة مقطّعة ومتفحّمة قلبتْ كي تتلمّسَ خيطاً من يقينٍ بأن الشيءَ الماثلَ أمامَها يَخُصُّها وأنه صارَ شهيداً فيما الزعيمُ يرْثيه وكأنه يُكْمِلُ إطلاقَ النارِ عليها. اسْألها عن الندوبِ الناتجة عن شظايا قذائف انهمرتْ وهي تضمّكم في ملاجىء العار فيما الوالدُ يُخاطِرُ بحياته من أجل ربْطةِ خبز. انظُرْ إلى هذه الندوب وتَذَكَّرْ أن والدكَ لم يَعُدْ … قبل أن تكتبَ شيئاً يعمّم الغيابَ والندوب.
والمهمّ، وأنتَ بكامل قواك العقلية، أن تسأل أمّك التالي: كم زعيم حربٍ مات في حربِ لبنان مقارنةً بعشرات آلاف المدنيين والأبرياء؟ كم زعيم حربٍ جاع؟ كم زعيم حربٍ فقر؟ كم زعيم حربٍ انقطعتْ عنه الكهرباء؟ كم زعيم حربٍ عاشَ في العراء؟ كم زعيم حربٍ حرَم أولادَه من التعليم؟ كم زعيم حربٍ شَحَنَ الناسَ بخطابٍ مذهبي فئوي ناري ثم عندما تَحَقَّقَتْ مَصالحُه بدّل الخطابَ بآخر كما يبدّل ربطةَ العنقِ ورحم الله مَن فداه بالروح والدم؟
ستقول لكَ إن أقلّ زعيمٍ في لبنان اليوم يُعْتَبَرُ من أصحابِ الثروات، وان ابنَه تلقّى تعليمه في أرْقى جامعات أوروبا وأميركا، وان ابنتَه سيدة أعمال من الطراز الأول، وان الهدايا التي تلقّاها بميلاد حفيده تكفي لتزويد قرية بالكهرباء. ستقول لك إن مَن خَسِرَتْه دفاعاً عن الزعيم على يد ميليشيا زعيمٍ آخَر تتحرّك عظامُه في قبرِه كلما شاهَدَتْ روحُه من عليائها الزعيميْن يداً واحدةً وبندقيةً واحدةً وخَطاً واحداً… ستقول لك الأهمّ وهو أن المسؤولين عن كل ما جرى سابقاً وأَوْصَلوا الأمورَ الى اللحظةِ الراهنة هم – للصدف السعيدة – أنفسهم الذين يقودون المرحلةَ الراهنةَ تمهيداً لتسليم أولادهم بعد سنوات.
ستسأل أمَّكَ وستردّ عليكَ، لكنك لن تسمعها ولن تقف عند الدلائل والوقائع … ما دامتْ عقليةُ القطيعِ هي التي تُحَرِّكُ أصابِعَك في وسائل التواصل الاجتماعي.
alirooz@hotmail.com