يبدو ان الرسالة كانت للداخل، ولا دخل للعدوّ المغتصب والمستكبر في مضمونها. لكنها جاءت دعسة ناقصة، وناقصة جداً. فقد انقلب السحر على الساحر وأكل صاحبها الضرب، تماماً كما قال من على منبره، اذ اكتشف سريعاً ان بروفة “قد لا أكون بينكم” لم تشد العصب، بل أثارت التململ والخوف في البيئة الحاضنة عوض “فدا الصرماية” و”تقديس النعل”.
لذا، وقبل ان يتفاعل رد الفعل على مضمون الرسالة رفضاً وتمرداً، تم التبرؤ من ناقل الرسائل المعتمد والموثوق به. ونسفت صدقيته مع انه لطالما عمل وبإخلاص منذ سنوات طوال على التزام دوره، ولم تُسجل له زِلّة واحدة تستدعي اتهامه بالفبركة.
للمرة الأولى، ربما، تستنفر “المصادر” التي ينكر الأصيل وجودها عادة، ليصار الى تبنيها وتوكيلها بمهمة النفي والاتهام بالفبركة والاختلاق، واضعة ما ورد عن حرب اسرائيلية مرتقبة هذا الصيف على لبنان، في خانة “االصحافة الصفراء”، ومعتبرة ان المعلومات التي نشرها كاتب المقال الطالع من البيئة الحاضنة ونسبها الى من يزوده عادةً الرسائل، من بنات افكاره وتخيلاته الشخصية ولا يمت الى الحقيقة بصلة على الاطلاق.
لتصحيح الدعسة الناقصة، كان لا بد من المنبر والجمهور والصف الأول الذي بات يذكّرنا ببرامج ترفيهية يحشد فيها حضور يصطنع البهجة والمشاركة ويبادر الى التصفيق والابتسام للتعليقات الساخرة بناءً على إشارة المخرج. ويغيب عنها موضوع الحدث الموظف فقط لتبرير المنبر.
لكن نجم البرنامج الترفيهي لم يستطع إخفاء الارتباك الفاضح والمكابرة. ولإسترضاء أشرف الناس بعد رصد التململ جراء التبشير بحرب إسرائيلية تستدعي البطولات والصمود وتسجيل إنتصارات إلهية جديدة، كان التشديد على كمون المؤامرة في العنصر الذي يضرب موسم الاصطياف ويضر بالسياحة التي يجب ان تكتفي بالسياح الحوثيين والإيرانيين والفنزويليين لتنتعش، ولا تتأثر بالهجوم على السعودية والامارات، حيث يعمل الكثير من أبناء البيئة الحاضنة.
الدعسة الناقصة التي تم التراجع عنها، حاول نجم المنبر معالجتها بالتركيز على الوضع الاقتصادي في لبنان، الذي أصبح الهم الأوحد، ولا سيما بعد التلويح بالإجراءات التقشفية الموجعة التي تطاول جيوب الذين تعوّدوا اللجوء الى الدويلة تعويضاً عن غياب الدولة، وملّوا سيناريوات التخويف والتهويل والوعود بالجنة استشهاداً.
كأن بطاريات شحن نغمة الخطر الأكبر الصهيوني او الإرهابي، لم تعد صالحة مقابل الخطر الذي يهدد بفقدان لقمة الخبز. ما قد يجرّ مساءلات كثيرة لا ينفع فيها سيناريو صرف النظر عن العلة الأصلية التي تستدرج علل الفساد وسرقة المال العام، التي تحول دون قيام دولة طبيعية تعيش في ظل المؤسسات وحكم القانون.
لتطمين البيئة المتملمة، كان لا بد من تأكيد تحمل المسؤولية وعدم التهرب منها والبحث عن الحلول الناجعة بكل شجاعة وحكمة وروح وطنية، مع تأكيد عدم السماح بانتهاك حقوق الفقراء.
على فكرة: عبارة “الروح الوطنية” جديدة، وكذلك “الفرصة التاريخية” التي أتت في عز الحشرة التاريخية التي لا تكفي السخرية الصفراء لدرء مفاعيلها.
أيضاً، لا يكفي التهويل بأن العقوبات على إيران تهدد سيادة الدول كلها وليس فقط محور الممانعة، ولا يكفي اتهام الآخرين بإرهاب يتجلى يوماً بعد يوم انه يخدم من يحاول درء العقوبات بإشعال النيران حيثما كان، واتهام الآخرين فقط لأنهم يرفضون تمدد محور الممانعة الذي ينشر الموت والخراب والجوع ويشظي المؤسسات أينما وصلت أذرعه.
لذا كان لا بد من الالتفاف على مضمون الرسالة الأخيرة رأساً على عقب، لا حرب مع إسرائيل ولا زجّ بلبنان في عمليات انتحارية جديدة لحماية المستهدف بالعقوبات ومن لمّ لمّه، ولا تلويح بامتلاك الممانعة وسائل موجعة لمواجهة العقوبات، ولا تلميح الى مسلسل رهائن جديد لقلب المعادلات.
نفي الرسالة ومضمونها، له دلالة واضحة، مفادها ان أشرف الناس الذين أظهروا تململهم في أكثر من استحقاق، وكمّت أفواههم بقمع غير مسبوق، لن يصدّقوا ان من يحاول شد عصبهم بحرب إسرائيلية ستستهدفه وتغيِّبه عنهم، يتفانى هو ومَن معه لمعالجة الأزمة التي وصلت إليهم وأفقدتهم الامل بمستقبلهم ومستقبل أولادهم وأحفادهم.
فهم يعلمون ان من يمسك بمرافق الدولة وسيادتها ويسمح لمن رضي بالوصاية مقابل الكراسي بالنهب والهدر، لن يكون بريئاً او غير مشارك في أيٍّ من الإجراءات الموجعة المقبلة حتى تتمكن الطبقة الحاكمة من الاستمرار، ولن يصدّقوا براءة الذئب من دم يعقوب لدى المسّ بأصحاب الدخل المحدود وفرض ضرائب جديدة عليهم.