لم أنتسب لعمل سياسي إيديوليوجي مع أن أخوتي كانوا شيوعيين! لم أحب فكرة ديكتاتورية البروليتاريا، بالنسبة لي هي عدو، خصم! بالتالي أنا عملي سياسي، حقوقي، معارض لكل ما ينتهك حقوق الإنسان. أنا لست معارض أنظمة، أو معارض أشخاص.
معها حقّ الصديقة الرائعة، المغيّبة، “رزان زيتونة” حينما قالت لي يوماً “نذهب إلى السجن لكي يرفع (السجين) “أنور البنّي” معنوياتنا”! أنور البنّي ظلّ متفائلاً بـ”الحرية” حتى أثناء مروره (مثل أخوته) في بعض أسوأ سجون العالم.وما يزال أنور البنّي متفائلاً حتى الآن بعد انهيار سوريا كبلد، وانهيار ثورتها، وتهجير نصف شعبيها، وإخضاعها لاحتلالات “متعددة الجنسيات”!
سجون الأسد، يقول أنور البنّي ويصرّ على كلامه، “أسوأ من داعش”! مع ذلك، مارس “أنور البنّي” مهنته، أي مهنة الدفاع عن حقوق الإنسان، حتى داخل سجون آل الأسد الرهيبة. لا أعرف من أين كان “الحموي الأرثوذكسي” أنور البني يأتي بتلك “الشجاعة”، أو بذلك “الجنون”! ربما من إيمانه “المطلق” بـ”كرامة الإنسان السوري وإنسانيته”! يريد أنور البنّي أن يستعيد الإنسان السوري “إنسانيته” الكاملة، أو “كيانه كإنسان”. هذه نقطة ينبغي أن يعيها اللبنانيون الذين طالما نظروا إلى “السوريين” بازدراء! الديكتاتورية هي التي تُفقد الإنسان “كرامته” وتجعله رخيصاً ووضيعاً! وفي أجواء الحرية تزدهر كرامة الإنسان وإنسانيته. الآن حرية اللبنانيين مهددة بدورها.
“تعرّفت” إلى أنور البنّي بالإيميل منذ تأسيس “الشفاف” تقريباً في مطلع ٢٠٠٤، وأصبحنا أصدقاء قبل اعتقاله، وأثناءه، وبعده حينما كنا نتحدث أحياناً بالهاتف. وقابلت أنور في باريس بعد سنوات من غير أن نلاحظ أنها أول مرة نتقابل فيها!
أنور البنّي ليس “معارضاً” مثل كثيرين من المعارضين: إنه كما يعرّف نفسه “محامي وناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان”. أنور يؤمن بشيء إسمه “القانون”! فكرة “القانون” غائبة عن معظم المعارضين العرب لأنهم نشأوا، بمعظمهم،في بيئات تؤمن بفكر “شمولي”. رغم كل ما مرّت به مصر من أهوال ناصرية، فإن فكرة “القانون” لم تندثر في مصر. وكان من حسن حظ “الشفّاف” أنه اقتحمَ صفحاته على مدى سنوات القاضي العظيم المستشار محمد سعيد العشماوي، رئيس “محكمة أمن الدولة العليا” في مصر، الذي طبّق “القانون” حتى على الإسلاميين الإرهابيين رغم كرهه الشديد لهم.
مثله أنور البنّي الذي وضع “دستوراً” جديداً لسوريا نشره “الشفاف” حتى قبل أن يشهدَ سقوط النظام. مهم جداً أن تدخل فكرة “الدستور” وفكرة “القانون” إلى أذهان العرب. “القانون” مضاد حيوي للإستبداد، ولسيطرة “الفقيه” و”الرعاع”! أعتقد أن فكرة “القانون” فكرة “غربية” بالأساس، أي فكرة تنتمي إلى الحضارة اليونانية-الرومانية، وينبغي تحويلها إلى عنصر أساسي من عناصر ثقافة عربية جديدة.
أخيراً، تحية للمذيعة سعاد قطناني التي “نجحت” في إبكاء العزيز أنور مراراً، أي في كشف “الرقّة” التي تتميّز بها شخصية المحامي العنيد الذي لم ينكسر أمام طاغية.
كما كانت ستقول العزيزة المغيّبة “رزان” كلام أنور، في هذه المقابلة، يعطينا التفاؤل الذي فقدناه منذ انهيار الثورة السورية!
بيار عقل