من المعروف عن مرجع الشيعة الاثني عشرية السيد علي السيستاني المقيم في مدينة النجف العراقية حرصه على إبعاد المؤثرات الدينية عن القرارات السياسية أو العكس، على النقيض من مدرسة “ولاية الفقيه” التي يترأسها مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، إلا أن السيد السيستاني يعطي رجل الدين الحق في إبداء رأيه حتى لو كان في قضية سياسية، من موقعه كمواطن في القضايا الوطنية العامة.
بعد أشهر على طلب “آية الله السيستاني” من وكلائه المعتمدين خصوصاً في مدينة كربلاء “عدم التطرق مباشرة إلى الأوضاع السياسية في خطبهم ولقاءاتهم”، يقول الكاتب اللبناني “مصطفى فحص”، دعا السيد السيستاني في لقاء مع مسؤول دولي إلى “حصر السلاح بيد الحكومة والوقوف بوجه التصرفات الخارجة على القانون، ومحاسبة فاعليها بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية”.
وأضاف “الفحص” أن هذا الموقف يعتبر “أول إدانة واضحة وعلنية لعملية اغتيال الكاتب والروائي العراقي “علاء مشذوب”، التي حصلت قبل أقل من أسبوعين في مدينة كربلاء”. (الشرق الأوسط، 13/ 2/ 2019).
جرى التخلص من الأديب العراقي بطريقة بشعة أثارت موجة من الغضب والسخط، وسط دعوات تطالب الأجهزة الأمنية بإجراء تحقيق عاجل، وكشف القناع عن القتلة ومحاسبتهم، وقد تمت عملية التصفية بـ13 رصاصة، أطلقها مجهولون عليه قرب منزله في كربلاء، حينما كان متوجهاً إلى مسكنه على دراجته الهوائية، عقب حضور أمسية ثقافية في مقر اتحاد الكتاب في كربلاء.
من قرر تصفية الكاتب “علاء”؟ ولماذا؟ تتضارب الروايات حول الأسباب، فهناك كتاباته عن الفساد وتردي الواقع الحكومي، والمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، ويشار كذلك إلى تفاصيل وردت في روايته “جمهورية باب الخان”، التي تجري أحداثها في “قاع المجتمع”، بحي باب الخان بكربلاء. وهناك احتمال آخر، يضيف الكاتب الكربلائي، “ناصر الياسري”، يتعلق بـ”تصفيته من قبل الميليشيات الموالية لإيران، خصوصاً بعد منشوره الذي انتقد فيه مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني”، ويقول الياسري: “وُجدت في جثمانه 13 طلقة نارية، وكثيرون يقولون هي عدد السنوات التي قضاها الخميني معارضاً لحكم الشاه في العراق“. وهناك منشور آخر لمشذوب ينتقد فيه بشدة “حزب الدعوة” لأنه لم ينصف ضحايا نظام صدام حسين الذي قتل والد الكاتب في تسعينيات القرن الماضي”. (الشرق الأوسط 4/ 2/ 2019).
مصدر أمني في كربلاء لم يستبعد فكرة قيام جماعات متطرفة دينيا في كربلاء بعملية الاغتيال، على خلفية آراء دينية وسياسية، إذ “وُجدت بالقرب من جثمانه قصاصات ورقية تتهمه بالكفر والإلحاد وتمتدح عملية الاغتيال”.
“مشذوب”، يقول كاتب بالصحيفة، “روائي وكاتب ناشط مدني وأستاذ جامعي حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، وله عدة روايات ومجاميع قصصية”.
شيع العشرات من الكتاب والمثقفين والمواطنين العاديين من أهالي كربلاء جثمان الأديب المغتال، ونعى وزير الثقافة العراقي الفقيد، وقال شاعر عراقي عن بلده “إنها أرض كلما جاعت أكلت مبدعيها”!
مؤلفات الراحل “مشذوب” يقول “فاضل النشمي” تزيد على العشرين كتاباً في مجالات التاريخ والفن والرواية، من بينها “موجز تاريخ كربلاء الثقافي” و”تأويل التاريخ الإسلامي في الخطاب الدرامي التلفزيوني”. مثقفو العراق أطلقوا حملة لشراء كتبه رداً على القتلة، وقد صرح النائب “فائق الشيخ علي” في “تويتر”: “الرصاصات الـ13 التي توشح بها صدره ستجعلني أتوشح بقراءة 13 كتاباً من إصداراته”.
الكاتب النشمي أضاف في المقال نفسه، تحت عنوان “غليان في العراق ضد اغتيال علاء مشذوب”، (الشرق الأوسط 5/ 2/ 2019): “هذه أول جريمة اغتيال كبيرة تطال كاتبا وناشطا مدنيا تقع في عهد حكومة عادل عبدالمهدي الذي تولى رئاسة الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد أن وقعت مجموعة من جرائم الاغتيال لناشطين مدنيين وفتيات موديل ومراكز تجميل في نهاية الدورة الرئاسية لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي عام 2018. ولم يسلم وزير الثقافة هو الآخر من انتقادات كثير من المثقفين على خلفية بيان النعي الذي أصدره أول من أمس، لأنه “كان باردا ولم يرتق إلى مستوى الحدث والإدانة الصريحة للفاعلين”، بحسب المنتقدين. من جانبها، نعت السفارة الأميركية في بغداد، أمس، الروائي علاء مشذوب، وكتبت منشورا في صفحتها الرسمية على “فيسبوك”: تتقدم السفارة الأميركية في بغداد بأحر التعازي إلى عائلة وأصدقاء الكاتب العراقي الراحل علاء مشذوب الذي قتل بطريقة وحشية لا مبرر لها”.