مؤلفه شفيق الغبرا أورد أحداثاً وأرقاماً تخالف الواقع وتجانب الصواب
صدر في بيروت في شهر مارس الماضي كتاب لأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، الدكتور شفيق ناظم الغبرا بعنوان “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت”. ولقد أخذ إعداد هذا الكتاب جهداً كبيراً ومدة سنة أمضاها المؤلف في إعداده في إحدى مؤسسات البحث العلمي القطرية يرأسها السيد عزمي بشارة، حسبما ذكر الدكتور شفيق في مقابلة مع قناة “الشاهد” مساء الثالث من شهر ديسمبر الماضي.
لقد قرأت الكتاب بعناية، فتكونت لدي ملاحظات على بعض المسائل التي وردت – بشكل مباشر أو ضمني – في الفصلين التاسع والعاشر، المتعلقين بمرحلة الاحتلال العراقي للكويت، التي جرت العادة على تسميتها بمرحلة ” الغزو ” وهو خطأ قانوني وسياسي شرحته في مقال نشرته جريدة “الوطن “بتاريخ 12/11 /2010. وأسجل هذه الملاحظات لأنني مؤمن أنه واجب علينا أن يعرف الحقيقة الجيل من أبناء الكويت الذين ولدوا بعد الاحتلال العراقي.
1- أرى أنه كان في إمكان المؤلف اختيار عنوان أفضل للكتاب بدل الحديث عن “الشتات الفلسطيني في الكويت”. فكلمة شتات في مختلف اللغات تعني تشتت وتبعثر شعب ما بين بقاع عدة من العالم ولا تنطبق على وجودهم في بلد واحد، بل العكس صحيح، حيث أن هجرة مجموعة منهم إلى بلد ما تعني أن ذلك البلد قد ضم وجمع الأعداد التي قصدته. وهو ما يؤكده المؤلف نفسه في مطلع الصفحة 133 من الكتاب، حين يتحدث عن تلاقي وتجمع الواصلين من كل قرية أو بلدة فلسطينية في الكويت. وكلمة الشتات لها دلالات سلبية. فالكويت لم تعامل الإخوة الفلسطينيين كشتات أو كلاجئين، ولم تمنعهم من حق العمل كما فعلت بعض الدول العربية التي منها العراق، بل فتحت لهم كل الأبواب وأحسنت وفادتهم ومنحت جنسيتها لعدد منهم.
تضامن الفلسطينيين قيادة وشعباً ونخباً مع صدام العراق أثناء احتلاله الكويت في أغسطس ١٩٩٠
2- لا أجد صورة الغلاف مناسبة، فهي تعكس مفهوم العنوان وتتماشى معه: الشتات في الكويت، صورة طفل فلسطيني مشرد يقف بجانب أبراج الكويت. هذه الصورة للطفل الفلسطيني البائس بين الدمار والخراب كان الأولى وضعها الى جانب معلم من معالم فلسطين المحتلة بدلاً من أبراج الكويت. حتى وإن كان العنوان وصورة الغلاف يحتملان أكثر من تفسير، كان الأفضل انتقاء عنوان وصورة غير مثيرين للجدل، حيث انتقدهما مغردون عدة في وسائط التواصل الاجتماعي واعتبروهما مستفزين.
3- الملاحظة العامة والشاملة على الكتاب هي أن الكاتب في محاولته لتحسين الصورة الفلسطينية في الذهن الكويتي تناسى ما فعله قسم كبير من الفلسطينيين في الكويت وخارجها، وممن قدموا إليها لمناصرة المحتل العراقي، وحول الجاني إلى ضحية والضحية إلى جاني، وخصوصا المقاومة الكويتية التي قسا عليها. نعم، عانى قسم كبير من إخوتنا الفلسطينيين – معيشياً بالذات – لكن هذا كان بسبب المحتل العراقي وبسبب الحسابات الخاطئة والموقف السياسي الذي اختارته القيادة الفلسطينية آنذاك بقيادة ياسر عرفات، ناهيك بكونه موقفاً يخالف مبادئ العدالة الدولية وتعاليم الأديان السماوية. وكيف لمن وطنه تحت الاحتلال أن يؤيد إحتلال أوطان الغير؟ لذلك، فإنه من الظلم شيطنة المقاومة الكويتية الشريفة وتشويه صورتها.
4- تجنب المؤلف الحديث عن الأخطاء السياسية التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية من قضية الاحتلال ولم يذكرها إلا بشكل مقتضب. ولم يحاسب الإخوة الفلسطينيون قيادتهم على الكارثة التي سببتها لهم بحساباتها الخاطئة. وحين تسلم القيادة رئيس عاقل متحضر يعرف كيف يخاطب العالم، فخامة الرئيس محمود عباس، انقسم الفلسطينيون عليه ولم يمنحوه الدعم اللازم.
5- في كل حالات المقاومة ضد احتلال أجنبي تحدث حالات محاسبة للمتعاونين مع الاِحتلال، مواطنين كانوا أم غرباء. وحالة الكويت سجلت أدنى الأرقام بهذا الخصوص. ففي فرنسا مثلا تم إعدام أو سجن وتعذيب عشرات الالوف من المتعاونين مع الاحتلال النازي، وبلغت بعض التقديرات خمسين ألفا.
6- أورد المؤلف في الصفحة 276 أن نصيب الفلسطينيين نتيجة لعمليات الاعتقال بعد التحرير كان 16 قتيلاً و 33 مفقوداً، وعزا هذه الأرقام إلى ما اعتبرها “إحصاءات مدققة”. لكن يتبين لنا من الشرح الهامشي رقم 9 على الصفحة نفسها أن مصدر هذه “الإحصاءات المدققة” هو نائب مدير مكتب “م.ت.ف” التي أقحمت نفسها طرفاً مؤازراً للاحتلال. فهل هذا مصدر محايد يمكن الإعتداد به والوثوق إليه؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم ينشر المؤلف أسماء هؤلاء الضحايا؟ ثم إنه لم يقل لنا ما إذا كانوا من المتعاونين مع قوات الاحتلال أو ممن ارتكبوا جرائم بحق المواطنين والمقاومة الكويتية. وعلى افتراض أن هذه الأرقام صحيحة فإنها خير دليل على قلة حالات المحاسبة للمتعاونين الأجانب، إلا إذا كان المؤلف يعتقد أن عدد الفلسطينيين المتعاونين مع سلطة الاحتلال أدنى من هذا العدد، خصوصا ان عدد الفلسطينيين الموجودين في الكويت عندما تم تحريرها بلغ 150 الفاً– حسب الأرقام التي أوردها، ص 260 و ص 279.
ومثل ذلك فإن المؤلف يذكر في مواضع عدة حوادث وأرقاماً يسندها إلى مراجع ضعيفة لايمكن الركون إليها والتحقق منها، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك لو أتينا عليها كلها لطال هذا المبحث.
7- يقول المؤلف في الصفحة 243: وفي الإمكان القول إنه حتى العام 1990 كانت معظم الأسر الكويتية، كما أعضاء الأسرة الحاكمة وتجار الكويت وأهم الأعمال في الحكومة ومهن رئيسة حيوية، كالتعليم والطب والكثير من المهندسين، لا تقوم إلا على الثقة بالفلسطينيين وقدراتهم وإخلاصهم في أعمالهم.
واعتراضي هو على عبارة ” لا تقوم إلا على” وكان الأجدر أن يستخدم المؤلف عبارة ألطف من هذه مثل “تعتمد على” أو “تثق بــ”. إن الأسر الكويتية وتجار الكويت ومختلف المهن كانت موجودة قبل قدوم إخوتنا الفلسطينيين في أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات. والأسرة الحاكمة موجودة وقائمة وتحكم منذ تأسيس الكويت قبل نحو أربعمئة سنة، وكذلك لا تزال كل هذه المؤسسات قائمة وصلبة بعد مغادرة معظم الفلسطينيين بسبب الاحتلال العراقي.
8- لا أحد ينكر مساهمة الإخوة الفلسطينيين في تنمية الكويت، لكن هذه كانت علاقة مصلحة متبادلة: فالكويت كانت في بداية مرحلة التنمية، والمهجرون الفلسطينيون كانوا في حاجة ماسة لفرص العمل والرزق. ولم يكونوا الوحيدين. فبالإضافة إلى السواعد الوطنية ساهمت جاليات أخرى عربية وأجنبية في عملية التنمية.
الكتاب اعتذاري بشكل عام، ويحاول تبرير الموقف الفلسطيني بأعذار عدة منها:
أ- ما أسماه “القيود الحكومية الكويتية والاغتراب الفلسطيني العميق الناتج عنها قبل الاحتلال وأزمة الثقة التي تبلورت في الثمانينات” (ص 243) “وحدة الإجراءات الأمنية الكويتية والتدقيق في هويات المقيمين” (ص 240) “واتباع الكويت سياسة التكويت” (ص 241).
كما بينت سالفا، فإن معاملة الجالية الفلسطينية كانت الأفضل بين الجاليات الوافدة – رغم كونها الأكبر عدداً آنذاك – وذلك من باب التعاطف مع قضيتها. كما أنه لو كانت هذه المسائل سبباً حقيقيا لأثرت في موقف فلسطينيي الكويت وحدهم. لكن الكل يعلم أن الموقف الفلسطيني المؤيد للاحتلال كان موقفاً عاماً في الخارج والداخل وجاء تنفيذاً لتعليمات من القيادة الفلسطينية.
ب- يقول المؤلف: مشاعر الفلسطينيين في الكويت انقسمت بين مصالحهم المعيشية المرتبطة بالكويت، والقيم القومية التي كان يمثلها العراق: ”لقد تجلى الصراع في الوسط الفلسطيني بشكل كبير بين القيم القومية والمصالح المعيشية” صفحة 244.
ونحن نتساءل: متى كان نظام صدام يمثل القيم القومية؟ وهل تبرر القومية أو تجيز أن يحتل بلد بلدا اخر؟ هنا ندخل في معضلة فلسفية وأخلاقية صعبة.
ت- يقدم المؤلف ربط صدام الخبيث انسحابه من الكويت بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزه كسبب لتأييد الفلسطينيين له: ”وقد ارتفع عدد الفلسطينيين المتعاطفين مع العراق عندما أعلن العراق انه مستعد للانسحاب من الكويت، شريطة أن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد استحضر هذا الإعلان مسألة القيم القومية والوطنية لدى الفلسطينيين” (ص 245). لكن تأييد هذا الربط من جانب القيادة ومعظم الإخوة الفلسطينيين كان موقفاً انتهازياً بامتياز، دع جانباً أن مجرد تصديق صدام يخذل كل مقاييس الذكاء السياسي. والأهم من هذا أن تأييد الإحتلال العراقي منح إسرائيل هدية ثمينة ومبرراً لم تكن تحلم به ولا يمكن انتزاعه منها لاستمرارها باحتلال الأراضي الفلسطينية.
ث- يقول المؤلف: “قوى خارجية دفعت باتجاه توريط الفلسطينيين في الأزمة” (ص 248) ويتهم بالذات “الإعلام الخليجي والمصري” (ص 249). لكن الحقيقة أن من ورطهم هي قيادتهم، أو قياداتهم المتبعثرة. هل يا ترى كان المؤلف ينتظر من الإعلام الخليجي والعربي المناصر للحق أن يصفق للموقف الفلسطيني إياه؟
ج- يقول المؤلف: من أسباب ما حدث في الكويت قدوم مسلحين فلسطينيين من الخارج لمناصرة المحتل العراقي،كـ”جبهة التحرير العربية” و”جبهة التحرير الفلسطينية” بقيادة أبو العباس، الذين “لا يأتمرون بأوامر عرفات بقدر ما يأتمرون بأوامر صدام” (ص 255)، بما معناه أنه لايمكن احتسابهم على الموقف الفلسطيني. أليس هؤلاء فلسطينيين، أم أنهم مخلوقات من كوكب زحل!! ثم ماذا لو كانوا يأتمرون بأوامر عرفات؟ هل كانوا سيؤيدون الحق الكويتي، وعرفات نفسه كان من أشد مؤيدي الاحتلال والمتامرين مع طاغية العراق؟
10- أورد المؤلف أسماء عدد من قادة “م.ت.م” الذين قال إنهم “استنكروا الغزو واعتبروه خطأ لاي جوز ارتكابه” (ص 250). وأحد هذه الأسماء خالد الحسن، الذي كانت الكويت قد منحته جنسيتها بناء على طلب المنظمة. خالد الحسن هذا تبنى موقفاً مؤيداً للاحتلال العراقي ووضع مقترحاً مكتوباً “لإنهاء أزمة الاحتلال” مشابهاً لمقترح عرفات ومجمله إنهاء وجود الكويت عملياً، دع عنك أنه لم يكن من حقه ذلك كمواطن كويتي لأن هذا من حق القيادة الكويتية فقط. ولذلك تم إلغاء جنسيته وكان مطلوباً للكويت بتهمة الخيانة العظمى حتى وفاته. فأعجب أن يحوله المؤلف إلى مناصر لقضية وطنه!
11- يقول المؤلف إن إدانات وبيانات مناوئة للإحتلال صدرت عن شخصيات فلسطينية في الكويت المحتلة كما في الأراضي الفلسطينية. فجاء في الصفحة 244: ”وقد تصدر مشهد الإدانة للغزو شخصيات فلسطينية متنوعة، خصوصا من فئة الأوائل والمكانة الاجتماعية التي كانوا يتبوأونها. فهناك بيانات وتصريحات عبر عنها هؤلاء”. هذا بالنسبة للداخل الكويتي.
12- بالنسبة للداخل الفلسطيني،جاء في الصفحة 250 ” وفيما كان زعماء آخرون في المنظمة، وبعضهم من حركة “فتح” مثل عبدالله الحوراني وصخر حبش وعباس زكي، يعبرون عن وقوفهم إلى جانب العراق، برزت بعض التصريحات، وأهمها البيان الذي وقعه عشرات الشخصيات الفلسطينية في الأراضي المحتلة والتي تدعو العراق إلى الانسحاب وإلى حل سريع للأزمة”. كم كنا نتمنى لو أكرمنا المؤلف بأسماء وبيانات وتصريحات هذه الشخصيات الفلسطينية التي وقفت مع الكويت، فهو لم يذكر اسما واحدا للتدليل ولم يورد أي نص أو حتى اقتباس من تلك البيانات والتصريحات. وتظل الحقيقة أن كل المظاهرات والبيانات في الضفة وغزة والأردن إنما خرجت لتأييد الاحتلال بالقول والعمل.
حتى الفلسطينين الذين غادروا الكويت هربا من الوضع فيها تحت الاحتلال العراقي لم يفعلوا شيئا لنصرتها. ولقد أوجز أ.د. فلاح عبدالله المديرس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، هذه الحقيقة على الصفحة 96 من كتابه ” تطور العلاقات الكويتية الفلسطينية وأثر الاحتلال العراقي فيها” بقوله: ”حتى بعد خروج أكثر من 150 ألف فلسطيني من المقيمين في الكويت إلى الأردن لم يكلفوا أنفسهم شرح القضية الكويتية العادلة والمآسي التي يعيشها الشعب الكويتي في ظل الاحتلال، ولم يشكلوا لجانا تضامنية مع الشعب الكويتي، ولم يخرجوا في مسيرات احتجاجية مثلما فعلت جميع الجاليات العربية مثل الجالية المصرية وغيرها. وحتى الجاليات العربية التي اتخذت حكوماتها مواقف مؤيدة للنظام العراقي تشكلت فيها لجان مساندة للشعب الكويتي، وهذا ماحدث في اليمن والسودان”.
13- نسب المؤلف مجموعة من التصرفات الإجرامية واللاأخلاقية إلى المقاومة الكويتية بشكل مسيء لها، وبما يشوه صورتها من دون ذكر مصادر مقنعة على ذلك. فعلاوة على ماسبق ذكره في الفقرة السادسة من أن المقاومة الكويتية قتلت 16 فلسطينياً وتسببت باختفاء 33 آخرين، فإنه ذكر أن عدد المعتقلين بعد التحرير بلغ 6000 شخصا تم تعذيب كثير منهم (ص 276) وأنه “كان هناك 13 حالة اغتصاب لفتيان فلسطينيين صغار” وأسند ذلك إلى مقابلة شخصية مع علي الحسن، شقيق خالد الحسن (ص 277).
لا شك أن هذه تهمة خطيرة باغتصاب الأطفال واللواط، بينما لم يعرف أي شيء من ذلك عن المقاومة الكويتية الشريفة. وكان الأجدر بالمؤلف في رأيي التأني بقذف أبطال المقاومة بهذه التهم الشنعاء من دون مصادر مؤكدة وموثقة. كذلك من الجرائم التي نسبها المؤلف إلى المقاومة مهاجمة مدرسة ثانوية لتلميذات فلسطينيات وقتل عدد منهن و مدرساتهن، ص 256، وينسب هذه المعلومة بشكل عام وغامض إلى “مقابلات شخصية مع أفراد المقاومة الكويتية”. ولقد سألت عدداً من الأصدقاء الذين صمدوا في الداخل خلال الاحتلال عن هذه الحادثة، ولم يسمع بها أحد.
14- يقول المؤلف في الصفحة 269 “لولا وجود فلسطينيين رافضين وآخرين محايدين لأصبحت إمكانات البقاء والصمود في الكويت أصعب بالنسبة للمجتمع الكويتي، ولانصرف العراقيون إلى المزيد من التنكيل بالمجتمع الكويتي”. أرى ان المؤلف قد بالغ بهذا الزعم، أو ربما خانه التعبير وكان يقصد أن يقول ”إن المجتمع الكويتي تمكن من البقاء والصمود رغم وجود متعاونين فلسطينيين”.
خاتمـة
لابد لنا من الصراحة والمكاشفة ومواجهة حقائق التاريخ كما هي بشجاعة كي نتعلم من أخطاء الماضي ونؤسس لمستقبل أفضل، لا أن نتعامل مع هذه الحقائق بتحاشيها وبتكييفها حسب أهوائنا. يجب أن نقبل بأن لكل موقف خطأ ثمنا،ويجب أن نتعلم الاعتراف بأخطائنا والاعتذار عنها. إننا نقدر معاناة الإخوة الفلسطينيين الذين كانوا موجودين في الكويت خلال مدة الاحتلال، خصوصا في الجانب المعيشي، لكن هذه المعاناة سببها المحتل العراقي وليس الكويتيين، الذين عانوا أكثر بكثير. كذلك وقف بعض الفلسطينيين في صف الحق الكويتي ونشكرهم حق الشكر. فكان هناك على مستوى القيادة الشهيد أبو إياد، نائب عرفات، الذي تم اغتياله في تونس بسبب موقفه ضد احتلال الكويت (بينما ينسب المؤلف عملية الاغتيال إلى الإرهابي أبي نضال (ص 264) فإن اتهامات قوية وجهت إلى مسؤول قيادي في منظمة التحرير نفسها). وهناك أمثلة أخرى على فلسطينيين وقفوا مع العدالة والقانون الدولي، أذكر منهم الدكتور وليد الخالدي، الذي درسني العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت ثم انتقل إلى واشنطن ليترأس مركز الدراسات الفلسطينية هناك، وكنت على تواصل وتراسل معه خلال الاحتلال. لكن يجب الإقرار بأن من أيدوا العراق آنذاك كانوا الأغلبية الساحقة، وهذا الأمر ينطبق أيضاً وبشكل أكبر على الفلسطينيين خارج الكويت. والقلة التي كانت مشاعرها مع الحق الكويتي ظلوا – عدا نفر محدود جداً – صامتين خشية الانتقام والعقاب. كحركة تحرير لم يكن مطلوباً ولا مرغوبا من”م.ت.ف” اتخاذ موقف في الأزمة – إن لم يكن إلى جانب الحق – بغض النظر عن الدوافع والمبررات، وكان الأحرى بها أن تستفيد من تجربتيها السابقتين في الأردن ولبنان. ولايجوز إلقاء اللوم في ذلك على الآخرين والاحتماء بنظرية المؤامرة. إن الضرر الذي لحق بقضية الكويت جراء الموقف الفلسطيني كبير، فلم يقتصر على موقف وتصرفات كثير من الإخوة الفلسطينيين داخل الكويت، بل كان موقفاً رسمياً وشعبياً فلسطينياً على مستوى العالم. ولقد وظفت “م.ت.ف” التعاطف العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية لخدمة الاحتلال، هذه القضية التي ساندتها الكويت بكل قوة وقناعة منذ سعبين عاماً ولا تزال رغم كل الجروح، لأن الكويت مؤمنة بعدالتها ولأن الكويت تحكمها المبادئ وليس ردود الأفعال. وظفت “م.ت.ف” كذلك الآلة الإعلامية الفلسطينية الرسمية والشعبية في العالم – وهي قوية بفضل وجود جاليات فلسطينية مهاجرة وممثليات دبلوماسية في بلدان عدة – لنصرة الاحتلال. ولقد عايشت ذلك شخصياً في أميركا الجنوبية، حيث كنت حينما وقع الاحتلال سفيرا لبلادي هناك.
هذا أصبح ماضياً وهناك قيادة فلسطينية جديدة نحترمها، ونأمل أن يتحقق حل يلبي مطالب وآمال الشعب الفلسطيني الشقيق وينهي معاناته، مع انه مع الأسف لاتزال حتى اليوم تزعجنا عبارات الترحم على صدام حسين في الضفة وغزة،وتستفزنا مشاهد تماثيل صدام حسين في بعض المدن الفلسطينية، مثل “قلقيلية” التي يرتفع فيها نصب كبيرللمجرم المقبور. هناك الكثير لدينا مما نستطيع أن نقوله، لكن الأفضل تجنب ما يجرح المشاعر والتركيز على المستقبل.
وختاما يمكنني القول باختصار: إن كتاب “النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت” لم يؤدِ الغرض المنشود منه – من وجهة نظري ونظر كثيرين ممن قرأوه – بل إنه حقق نتيجة معاكسة.
ولكم مني جزيل الشكر
*فيصل راشد الغيص سفير كويتي سابق في النمسا والمانيا والصين والبرازيل
شكرا على هذا المقال . لدي تعليق على ما ذكرته في بداية مقالك بتغليط كلمة الشتات: مصطلح “الشتات” متعارف عليه عند الفلسطينين بانه بعد النكبة تشتتوا خارج البلاد و تغربوا. لذلك د الغبرا لا يعني تشتت الفلسطينيين في الكويت، بل وجود و تمركز هذا الشتات في الكويت. إذا تقرا اي كتاب عن تاريخ فلسطين، بالطبع سترى ان الكثير يستخدم هذا المصطلح المتعارف عليه عند الفلسطينيين حول العالم.
ما قصرت استاذ فيصل كفيت ووفيت والحق لازم ينقال
ما قصرت استاذ فيصل واذا الغبرا قلبه على الفلسطينين يترك الجنسيه الكويتيه ومزاياها المذهله ويرد لاصله
اخير الكويت بالنسبه لهم عومه ماكوله ومذمومه
وبالنسبه لنا جنه الله في الارض ياحلوها من ديره ما مثلها ديره❤️❤️