يعيش 7% من الشعب اللبناني في فقر مدقع، أي أنهم لا يجدون ما يكفي للطعام والمسكن. ربما جورج زريق الذي أضرم النار بنفسه في باحة مدرسة ابنته، هو أحدهم. وفي حين تأتي إدانة الطبقة السياسية بجريمة إيصال اللبنانيين الى هذا الدرك محقة ومنطقية، يأتي من يتبرّأ من كونه شريكاً في الجريمة، ويمارس من عليائه دوره كقائد للحقبة المقبلة، انطلاقاً من انتصار محوره وسيطرته على مفاصل الدولة المنهارة، ويتبجح بأن رأس هذا المحور سيمطرنا بـ”المنّ والسلوى”.
كيف؟
ربما عبر أجيال متطورة من الصواريخ تكفي للقضاء على البطالة وتوفر التعليم لمن يسعى إليه سبيلاً!
الأصح، عبر فتح الأسواق اللبنانية لتكون ممراً لإنعاش اقتصاد يفتك الفقر بثلاثين مليوناً من شعبه!!
أو عبر هتاف “الموت لأميركا” المضلل، الذي يحتاج الى إعادة نظر، اذا ما عدنا الى الرعاية الغربية عندما حملت على طائرة فرنسية قائد ثورة “المنّ والسلوى” التي قضت على الشاه من دون أن تقضي على أسباب الانقلاب عليه بل تفاقمها. وأيضاً إذا ما عدنا الى تقاطع المصالح في استغلال جرائم كل ديكتاتور لشق الطريق الى الهلال الخصيب، ابتداء من العراق، مروراً بنسج العلاقات النوعية مع سوريا، وصولاً الى الحزب الإلهي الذي نظّف ساحته باغتيال المقاومين الآخرين قبل إرساء أسس مقاومته لتتجاوز العدو الصهيوني الى حيث نحن اليوم. أو عبر الاتفاق النووي في لحظة مصيرية من الثورة السورية، مع استتباع للاستقالة الاميركية من هذه الثورة، وأدوار ملتبسة تلتقي بنتائجها، سواء لجهة اختراع إرهاب “داعش” ومن ثم محاربته في سيناريوات قائمة على الترويج للرعب على حساب الثورة وتحويرها وتحويل مجراها الى حيث يمكن تدمير بلد وإعادة إعماره شرط تعويم نظامه المجرم مع وعود لمن يقبل التعويم بقطف “المنّ والسلوى”.
لم يكن انتحار زريق ملحّاً، لو انتظر قليلاً، لكان شهد بأمّ عينه معجزة حلّ الأزمات اللبنانية من منطقة الجناح الأمنية، حيث توافد مَن جلبهم وزير المحور ليجتمعوا عنده، فهم الضيوف وهو ربّ المنزل، وليخرجوا بعد ذلك ويتغنّوا بالاستقلال في القرارات، وبالوعود “عن استعداد إيران لتكون إلى جانب لبنان حتى يصبح قوياً في مواجهة الأخطار”.
ولبنان “المستقل في قراراته” و”المحترمة سيادته” وغير المهدّد بإشكالات مع محيطه العربي وعلاقاته الدولية، لن تقوم حكومته التي أولدها هذا المحور بعد تذليل وإذلال، اإاّ بخطوات إيجابية لتلقف كل المعجزات الإلهية الكفيلة بحل مشاكل الشعب من دون شرط أو مقابل أو قيد. وحينها هات على دواء وكهرباء و… “منّ وسلوى”.
صحيح أن رأس المحور يعاني من تطويق دولي وعقوبات تشمل كل من يتعاون معه، لكن ذلك لا يتضارب مع الصمود والتصدي ودمج المسارات تحت حجة تقديم المساعدات.
ومَن لا يصدّق فليعد الى المندوب السامي لاحتلال المحور وهو يغدق على بيئته وعوداً لتدعيم المعنويات في ظاهرها، وفي باطنها حبل خلاص يقوّض الحصار الدولي من خلال الساحة اللبنانية التي تمّت السيطرة عليها بمصادرة رئاسة الجمهورية وأكثرية مجلس النواب والتشكيلة الحكومية.
ومن سبق شمّ الحبق وحطّ رحاله في ربوعنا ليخطف الأضواء ويستعرض انتصاراته، يعددها مَن وظّفهم لخدمة مشروعه والترويج له.
ولِمَ لا؟ فلبنان هو الحصة المضمونة بالاستناد إلى الوقائع على الأرض وهو منصّة رأس المحور لتوجيه الرسائل الى مَن يهمهم الأمر.
تقتصر إنجازات ثورة “المنّ والسلوى” على التصدير الى عالمنا العربي: تصدير الموت والدمار وتخريب الدول وحبوب الهلوسة ومفخرة “الأبيض” من إنتاج أميركا اللاتينية، ناهيك بتصدير ثقافة الموت بصفته تفصيلاً تافهاً ما لم يقترن باستشهاد يؤمّن جواز سفر الى السعادة الأبدية.
يبدو أن الصادرات مربحة، أو هكذا علينا أن نصدّق ونخضع للمحور ونلغي المنطق العقلاني، وننظر شذراً الى من يحاول ان يستشهد بالتاريخ القريب او البعيد ليقنعنا بأن روما القياصرة انهارت وكذلك فرنسا البونابرتية وألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفياتي. بقاء هذه الامبراطوريات لم يضمنه التلويح بامتلاك ما لا يحصى من الصواريخ.
حتى ذكرى الأربعين ليست لطيّ الحزن والقهر وإنهاء فترة الحداد، والبحث عن نهج جديد لمواجهة التحديات، بل هي لتوسيع أفق المحور والالتفاف على ما تسبّب به من اختلال في الإقليم، وتكثيف الوعود بتصفير الأزمات. فصانعو الداء والأدرى بتداعياته وتأثيراته السلبية، يلوّحون لنا بالدواء كونهم الأقدر على استنباط معادلاته، لإغرائنا بقيامة على نية “المنّ والسلوى”.
ولا تنتحروا. انتظروا قليلاً. لعلّ وعسى!
sanaa.aljack@gmail.com