انطلقت الثورة السورية بآذار 2011 ثورة شعبية شارك فيها أكثر من نصف الشعب السوري بكل أطيافه وطبقاته وأديانه وطوائفه وقومياته. وهي كانت في بدايتها هبة شعبية سلمية علنية شفافة رائعة، عبر من خلالها الشعب السوري كله عن رغبته بالخلاص من الاستبداد، ورغبته بدولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وحريته وكرامته.
مع الوقت تصدر المشهد السياسي رموز معارضة دفعت أثمانا كبيرة سابقا في السجون لمعارضتها النظام الديكتاتوري، ونقلت مطالب الشعب السوري إلى المجتمع الدولي على أمل أن يساعد في تحققها كما ساعد الشعب التونسي والمصري والليبي. ولكن في الوضع السوري ما حصل هو العكس تماما. إذ وقف المجتمع الدولي كله ضد رغبة الشعب السوري، وعمل كل ما بوسعه لدعم الديكتاتورية وترسيخها. إذ دعمت دول بشكل مباشر الديكتاتورية عسكريا وسياسيا واقتصاديا ودبلوماسيًا، وتطور الأمر إلى دعمها بالجيوش، والعناصر البشرية، واشتركوا بالحروب بشكل مباشر على الأرض السورية. ودول أخرى ادعت وقوفها مع الشعب السوري، وهيئاته السياسية المعارضة، بينما عملت في الواقع على تمزيقها وتفتيتها وشرذمتها وإضعافها ومنع إانتاج بديل شرعي عن النظام الديكتاتوري. ومن الدول الأخيرة من عمل على اضعاف المعارضة بالطرق السياسية والدبلوماسية، كأوروبا وأمريكا؛ ومنها، كدول الخليج العربي وتركيا، من عمل على محاصرة العناصر المحترفة المنشقة من الجيش السوري وزجهم بمخيمات مسيجة ومنعهم من العمل والفعل، وبالمقابل عمل على تسليح مجموعات وشخصيات غير مؤهلة، وليس لديها أي خبرة أو معرفة بالسلاح والحروب والعسكرة بناء على ولائها ولتكون طوع بنانهم.
ومن عمليات التخريب دفع المجموعات المسلحة المكونة من شباب غير مؤهل عسكريا، ولا سياسيا، إلى “الأسلمة”، كما تم تيسير وصول الآلاف من المتطرفين الإسلاميين من الخارج مع المال والسلاح ليبوؤهم قيادة ثورة الشعب السوري، ملاقيا النظام السوري بإطلاقه سراح مئات الإسلاميين المتطرفين من سجونه ونظام المالكي الإيراني بتدبير مسرحية هروب المئات من قيادات الجماعات المتطرفة الإسلامية من السجون وتمكينهم من الحصول على السلاح بكثرة ليصبحوا قيادات عسكرية تدعي تمثيل الثورة السورية.
وأغلق كل العالم أعينه وأذنيه عن أبشع أنواع الجرائم، وبكل أصناف الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل التي استخدمت، وحصرا، ضد المدنيين بغية قمع إرادة الشعب السوري بالحياة الكريمة ولإبادة الحاضنة الشعبية التي تحمل بذور الثورة.
وعندما لم يحقق الجميع أهدافهم رغم كل ذلك تم خلق “داعش”، وجبهة النصرة، ودعم ال بي واي دي، ، وخلق العشرات من التنظيمات الإرهابية المتطرفة وزرعها في كل المناطق السورية، ونقلهم من مكان لمكان لتسهيل تدمير فكرة الثورة الحية في قلوب السوريين. حيث جرى تحت شعار “محاربة الإرهاب” قتل المدنيين بكل مناطق سوريا، وتدمير أي بنية تحتية تحمل معنى الديمقراطية أو المجتمع المدني. حيث أطلقت الدول على من تحاربه في سوريا اسم الإرهاب بشكل اعتباطي، وقتل السوريين ودمر ممتلكاتهم دون حسيب أو رقيب.
وأصبحت الهيئات والشخصيات السياسية التي تم تشكيلها والتلاعب بها وإغرائها بالمال أو الحماية، أو تهديدها من قبل الدول المستضيفة، مجرد دمى يتم استخدامها حين تتطلب الحاجة ويتم تقاذفها بين اللاعبين على المسارح ،
وعندما كل ذلك لم بنجح تماما عبر الأدوات المحلية المصطنعة ولم يستطع العالم كله إسكات صوت الحرية لدى السوريين انتقل العمل إلى التدخل العسكري المباشر، والآن هناك جيوش وتدخل عسكري مباشر لأكثر من أربعين دولة في سوريا على رأسها أيران ورورسيا وتركيا وأمريكا وفرنسا كل منها لديه مصالح يحاول تحقيقها ويتصارع من الآخرين عليها ولكن الجميع متفقون كليا على عدم السماح بانتصار الثورة السورية وبناء سوريا مدنية ديمقراطية والجميع يعمل على تدمير وقتل هذه الثورة وتدمير وقتل وتهجير جميع السوريين المؤمنين بها ، ولتغطية هذه الهدف تم إنشاء مسارح عرائس لتسلية الجمهور السوري وصرف نظره عن الأهداف الحقيقية لكل ذلك والترفيه على الجمهور العالمي حتى لا يقلق من مناظر القتل والتدمير التي يراها على الشاشات وفي الأخبار يوميا ، فكان مسرح العرائس الأول في جنيف بتعيين المهرج الأذكى والأقدر على الترفيه ولفت الأنظار ستافان دمستورا، وعندما بدات المسرحية أن تصبح مملة وفقد المهرج حيله وأصبحت حركاته مكررة وممجوجة تم إنشاء مسرح عرائس أستانة ولإضافة المزيد من التشويق خلق مسرح آخر في سوتشي ، وفي سوتشي بالذات كان هناك عدة مسرحيات منها مسارح دمى ومنها مسارح تشويق بممثلين حقيقيين في قصر بوتين.
كل ذلك لتغييب الشعب السوري وسلب إرادته بالحرية والكرامة إن كان تحت سيطرة الروس بشكل مباشر بالجيش والشرطة العسكرية الروسية وأدواتهم المحلية كميليشيات الأسد، أو تحت سيطرة إيران بشكل مباشر بالحرس الثوري والميليشيات الطائفية التي جلبها من الخارج من العراق ولبنان والأدوات المحلية المتمثلة بميليشيات الأسد غير النظامية، وأمريكا بوجود جيشها المباشر وأدواتها المحلية وحدات حماية الشعب وقسد وغيرها ، وتركيا عبر جيشها بشكل مباشر وعبر أدواتها المحلية بالمجموعات المسلحة من مختلف المشارب وذات الصبغة الإسلامية ، أو كان بدول اللجوء المحيطة أو البعيدة بإشغاله بالحث عن مأوى أو ما يكفي لقمة العيش والقلق الدائم على مستقبله وحياة أطفالهم.
ولتصبح سوريا مسرح صراع دولي على حساب دماء السوريين، وخرجت مطالب الشعب السوري من حسابات اللاعبين الدوليين وهي لم تكن أصلا موجودة لديهم ، ويتم تقاسم سوريا كمناطق نفود بين اللاعبين.
وليصبح سؤال ” أين هي الثورة السورية ومن يمثلها ” هو السؤال المستحيل والذي عمل الجميع على طمس وتغييب الإجابة عليه وجعل الجواب الوحيد الممكن هو: “أن الثورة انتهت ولا يوجد من يمثلها”
هل هي حقا كذلك؟
لا أعتقد ذلك أبدا ، بل ربما على العكس أن الثورة السورية تجذرت في نفوس السوريين مع كل الثمن الهائل من الألم والموت والتدمير الذي لحقهم. وأعتقد أن الثورة السورية تتحول يوم بعد يوم لتصبح مطلبا لدى كل السوريين وبكل المناطق وليس معظمهم. حتى كثر ممن كانوا لا يؤمنون بها من قبل أصبحت الآن حاجة ملحة لهم، ومن كان يتوهم أنه مع الاستبداد كونه ضد احتلال، يجد نفسه تحت نير عدة احتلالات الآن؛ فحرب الدول على الثورة السورية أنتج واقعا مختلفا، فلم تعد سوريا تحت سيطرة نظام ديكتاتوري مجرم يمسك بها وإنما أصبحت تحت نير احتلالات أجنبية مكشوفة وعلنية تستعين بأدوات محلية، بالتالي تغيرت مواقع السوريين فجزء ممن كان مع الثورة ببدايتها أصبح أداة محلية لمحتل من جهة ما، وهناك من كان ضد الثورة بالبداية أصبح الآن ضد الاحتلال وأدواته المحلية. وأنا مؤمن تماما أن السوري الذي تذوق طعم الحرية لن يقبل أبدا أن تسلب منه مرة أخرى ، هذه حتمية التاريخ ، وسوريا هي التي صنعت للعالم تاريخة من آلاف السنين ،
ومع تغير الأوضاع على الأرض وفي السياسة، وانكشاف كل الأوراق وثبوت فشل الأدوات التي مثلت الثورة السورية في وقت ما، وفشل الأساليب التي اتبعت سابقا لتصل الثورة السورية لنصرها، يجب أن نفكر بأدوات جديدة وأساليب جديدة تتماشى مع الوضع الآن. نفكر بكيف نعيد صوت وإرادة الثورة السورية إلى الساحة؟ كيف يخرج السوريون من الاصطفافات الاجبارية التي اضطروا للوقوف بها؟ كيف نعيد لم شمل السوريين التواقين لسوريا الجديدة، سوريا الديمقراطية المدنية؟
إن الجواب في تراث حركات التحرر الوطني، وفيما يمكن لحركة تحرر وطنية سورية أن تبدعه. حركة تحرر وطني عابرة للطوائف والقوميات تخرج السوريين من كل الاصطفافات التي تم إجبارهم على الدخول فيها قسرا، هي الأداة الأفضل لتحرير سوريا من الاستبداد والاحتلالات ، وإعادة سوريا للسوريين. وإعادة السوريين إلى سوريا
فمقاومة الاحتلال، وحق تقرير المصير، هما من حقوق الإنسان، ومن حقوق الشعوب التي نصت عليها الشرائع والاتفاقيات الدولية. وتكتسب شرعيتها من وجود الاحتلال والأدوات المحلية والمنفذة لمخططات دولة الاحتلال، ومن حق الشعوب بالخلاص من الاحتلال الأجنبي والتخلص من أدواته
ولنا في التاريخ نماذج ناصعة عن حركات تحرير أنجزت تحرير بلدانها ووحدتها واكتسبت شرعية وجودها تحت هذا المبدأ، كالمقاومة الفرنسية ضد النازية التي احتلت فرنسا ونصبت حكومة موالية لها ، والمقاومة الاسبانية ضد الديكتاتور فرانكو وغيرها كثير من الأمثلة الناصعة بالتاريخ،
كيف يبني السوريون حركة تحررهم؟ وما هي وسائل العمل؟
أولا يجب أن تبنى حركة التحرر بشكل ينسجم مع هدفها وهو بناء سوريا لكل السوريين دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب، دولة مدنية ديمقراطية موحدة تحترم حقوق الإنسان ومبادئه ، ويجب أن تعلن أهدافها بكل وضوح وتتبنى برنامج كامل لبناء هذه الدولة على أسس احترام حقوق الإنسان والديمقراطية .
وثانيا يجب أن تتخذ أقصى درجات السرية والثقة في بناء هيكليتها، وأن لا يتم الاعتماد إلا على الأشخاص المؤمنين بمبادئها لمنع الاختراقات. وأن تضع هيكلية تنظيمية تعتمد مبدأي الثقة والانتخابات والانتشار بكل المناطق في سوريا.
أن تعتمد على هيكلية تعمل في المناطق المدنية لحشد الجهود لمقاومة الاحتلال وأدواته المحلية بكل أشكال المقاومة، مع الالتزام بتطبيق القواعد القانونية الإنسانية في حالات الحرب واتفاقيات جنيف وتجنيب المدنيين الأذى .
ألا تسعى للسيطرة على المناطق الجغرافية وبذلك يخرج المدنيون السوريون من معادلة القوة المسلحة والحرب والدمار وإنما هي حالة مقاومة متحركة سرية هدفها طرد الاحتلال وإسقاط أدواته المحلية وعلى رأسهم وبأولهم نظام القتل والإجرام في دمشق.
أن تكون عابرة للطوائف والقوميات ولا تكون مرجعيتها أي أيديولوجيا سياسية أو دينية أو قومية وأن يكون هدفها تحرير سوريا من الاستبداد والاحتلالات وإعادتها للسوريين الأحرار لبنائها دولة حديثة مدنية ديمقراطية وأن يكون شعارها وممارساتها منسجما مع ذلك
ألا يكون ظاهر للعلن ألا الممثل والناطق الرسمي للحفاظ على حيوات السوريين المشاركين بالحركة ومنع الضغط والتلاعب بإرادات السوريين بالتهديد أو الترغيب كما حصل مع الهيئات السياسية السابقة
ألا يتم الاعتماد في بناء الحركة على التمويل الأجنبي، بل تعتمد الموارد الذاتية والداخلية حتى لا يتم التحكم بها بالمال أو السلاح.
هذه خطة طريق أضعها الآن أمام السوريين لإعادة أطلاق صرخة الحرية والكرامة بشكل جديد وإجبار كل اللاعبين على إعادة حساباتهم ووضع رغبات وآمال الشعب السوري ببناء بلده في أول الاعتبارات .
لن ننسى أن الشعب السوري عندما قام بثورته كانت كل سوريا تحت سيطرة النظام المجرم بشكل عام وقوي وإن الانتصارات التي يحققها بواسطة الميليشيات والجيوش الخارجية لم تكن على الثورة السورية وإنما على مجموعات تم تسليحها لتدعي تمثيلها للثورة وبقصد هزيمة الثورة بهزيمتها .وإعادة سيطرته العسكرية على بعض المناطق لا تعني الثورة بشيء.
لم ولن تنكسر ثورة شعب
لم ولن ينكسر الشعب السوري ولم ولن تنهزم ثورته
سبق أن قلت منذ عام 2011 أن ثورة الشعب السوري ستغير العالم كله وهي قد قامت بذلك وسنستمر حتى يكون العالم كله مكانا أفضل للإنسان
ستسقط أدوات الاحتلال المحلية وعلى رأسهم نظام الأسد المجرم وسنطرد الاحتلالات حتى آخر أجنبي منح الجنسية لسلب حقوق السوريين.
سنحاسب ونحاكم كل المجرمين والقتلة ومغتصبي الحقوق
وسنعيد بناء سوريا كما يتمناها السوريون
الثورة مستمرة ..حتى النصر الأكيد ..
ممتاز وان المقاومة الشعبية هي من تتمكن من تحرير سورية من المحتلين
بوطنية رجال مثلكم سنعيدها…