فالدولة التي أمعنت أكثر فأكثر في الغياب عن الجنوب بعد القرار 1701، لم تزعج نفسها يوماً لتطبيق هذا القرار، إن لجهة منع تخزين الأسلحة الى جنوب نهر الليطاني، او منع عناصر “فيلق القدس” و”الحرس الثوري الايراني” من ان يسرحوا ويمرحوا ويبنوا الانشاءات العسكرية تحت الأرض وفوقها، غداة عدوان تموز، ومن دون أي تنسيق مع أي جهة لبنانية، ما دفع في حينه رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الى استدعاء السفير الإيراني، أكثر من مرة، ومطالبته إياه بخرائط عمل الإيرانيين على الأرض اللبنانية.
الدولة لم تجرؤ حتى على مجرد السؤال عن شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب التي مددت في قنوات الشبكة الشرعية اللبنانية، وادت كما كاميرات المطار، الى اليوم المجيد في السابع من أيار 2008، او الاستفسار عن “عبوات الغاز” التي كانت تنفجر بين حين وآخر، ويمنع على القوى الامنية الاقتراب من موقع الانفجار قبل تنظيفه وتحضيره بالشكل الذي يناسب الحزب، او التوقف عند منع قوات اليونيفيل من القيام بعملها، بوسيلة او بأخرى من وسائل الحزب الإلهي الشائعة، ومن خلال البيئة الحاضنة، او الاستفسار من المسؤولين في الحزب عن تحويل الجنوب الى ترسانة صواريخ كما يعلن أمينه العام في كل مناسبة.
ما علينا. آخر ما يمكن ان يشكل خبراً هو وجود أنفاق لـ”حزب الله”. فمَن صادر الدولة وتحكّم بمؤسساتها وأمسك في يده بقرار الحرب والسلم وتشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية ومنع الفتنة، يصبح الحديث عن وجود انفاق بالنسبة اليه مسألة أقل من تافهة وأكثر من بديهية، ما دام يستخدم لبنان واللبنانيين بقضّهم وقضيضهم ورقة ووسيلة لتنفيذ اجندة مشروع إيران في المنطقة.
آخر ما يشغل البال في هذا البلد، هو المواجهات الفولكلورية التي تتقاطع غاياتها بين “حزب الله” وإسرائيل. وكأن الهدف منها تسجيل النقاط، لا أكثر ولا اقل.
فكل ما يجري في “الساحة” اللبنانية السائبة يهدد بزوال البلد، سواء لجهة الشلل المستمر على صعيد تشكيل الحكومة، او لجهة الفتك بالدستور، او لجهة الفساد المشرعن، او الثلوث الذي يحصد بسرطاناته أكثر مما يمكن ان تحصده غارة إسرائيلية، او افراغ البلد من شبابه وطاقاته.
لكن تبقى الركاكة في الشكل مستفزة، سواء لجهة التصريحات الرسمية المرافقة لعملية “درع الشمال”، او لجهة تعامل الاعلام الذي احتارت منابره بين استخدام عبارة الـ”ادعاء” لنقل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في خصوص وجود انفاق، وبين نقل تصريحات المسؤولين في اليونيفيل الذين امتشقوا خرائطهم وعرضوها على قائد الجيش العماد جوزف عون وسألوه التصرف في شأن هذه الانفاق.
لكن قمة الركاكة عكسها بعض الاعلام اللبناني، الذي أصرّ على استخدام الكاميرا لتبرئة “حزب الله” من تهمة “الانفاق” والسخرية من النمر الورقي للعدو الصهيوني، والأهم الاستخفاف بالمشاهدين مع فبركة تحقيق ميداني متخم بالمغالطات عن معمل الحجارة المفترض ان النفق حفر من أرضه.
فقد اتحفنا هذا البعض الإعلامي باقتحام المعمل المذكور في عز النهار وفي يوم عمل عادي، لينقل الكاميرا بين جدران فارغة من نبض عامل او غبار عمل، وينقلها الى غرفة مرتبة بمكتب وسرير نظيف، ادعت المراسلة انها لاستراحة العمال غير الموجودين أساساً، غير عابئ بالعين التي تكشف الفبركة، او كأنه يبث فرضا منزلياً مطلوباً منه، ولا أهمية للنقاط التي يمكن ان ينالها. لنصل الى ذروة المهزلة المفبركة مع وضع دجاج على أرض شبه نظيفة من بقايا الدجاج البديهي وجودها، واوعية زرق نظيفة وجديدة وموزعة بعناية وتناسق هندسي يحترم المسافات.
مع ان المسألة لا تستوجب كل هذه الفبركة، اذ لم نستطع تبيان علاقة الدجاج بوجود الانفاق او عدمه. لكن الأكيد ان حركة الدواجن امام الكاميرا تظهر مدى تدريبها والتزامها دورها كجزء لا يتجزأ من البيئة الحاضنة… في انتظار التفقيس.
sanaa.aljack@gmail.com
“النهار”